23 ديسمبر، 2024 10:14 ص

وزير التربية الدكتور محمد إقبال ..وملامح (الطريق الثالث) للمسيرة التربوية!!

وزير التربية الدكتور محمد إقبال ..وملامح (الطريق الثالث) للمسيرة التربوية!!

يكاد وزير التربية الدكتور محمد إقبال الصيدلي أول وزير في الدولة العراقية  في مرحلة مابعد عام 2003 يضع سياقات عمل وإطار نظري للعلاقة بين وزارته وجيل الشباب من مختلف الفئات العمرية على شكل (ستراتيجية )  للعمل المستقبلي، بدأ يرسم معالمها ، وقد إختار لها تسمية (الطريق الثالث) بإعتباره (الحل الوسط) الأمثل ، بين نظامين متناقضين في التوجهات والاهداف هما : (العلمانية) و ما يطلق عليه بـ :  (الثيوقراطية) !! يقول الدكتور محمد إقبال عند التعريف بمشروعه المستقبلي الذي ينوي أن تبدأ خطواته منذ الآن..( انه طريق ثالث بين العلمانية في نسختها المهددة للقيم والثيوقراطية المقيدة للتطور والنضج الاجتماعي والسياسي)!! قد يثير كثيرون الأسئلة حول الموضوع ،وبعضهم ربما تدخل أسئلته في إطار التشكيك وبعضه لأغراض (التسقيط)..لكن السؤال العقلاني قد يكون: أن الأجيال التي يعني بها السيد وزير التربية تتراوح أعمارهم الشبابية بين (6 – 18) عاما، وهي لاتفهم أيا من تلك الرؤى او (الفلسفات) أو اطارها النظري،وهي لاتفهم الفرق بين (العلمانية والثيوقراطية) وبخاصة في مرحلتي الابتدائية ولا المتوسطة وقد لا يفهم منها إلا قليلا جدا في مرحلة الإعدادية)!! وفي بعض تلك التساؤلات، قد تكون هناك بعض (المشروعية) ، ولكن آخرين لديهم أهداف منها ان لديهم (أجندة) وآخرون يريدون أن يفرضوا منهج تسلطهم بإسم الدين وآخرون يريدون سلخ الجيل الجديد عن تأريخه ومنهجه الإسلامي السمح المعتدل!! لكن وزير التربية يقصد (الستراتيجية) الجديدة لـ (الطريق الثالث) هي رسم ملامحها كتطبيق أمثل كتطبيق يعتمد على كفاءات وزارة التربية في جوانب إعداد النشيء، من حيث تربية الطفل والشباب وفق انظمة تراعي تاريخ مجتمعها الذي يرفض التخلي عن قيمه وانماط سلوكه الإيجابي والقيمي ، وبين أن ينغمس في مهاوي التخلف والدكتاتورية وسيطرة النظم الدينية القمعية التي تسلب حريات الآخرين تحت غطاء الدين وتحول الأفراد والمجتمعات الى (خراف) لاحول لها ولا قوة .. مرة تذبح بإسم الدين وفي أخرى تحت مظلة تأجيج العوامل الطائفية والمذهبية وتغرق في تفاصيلها حد  القرف!! أجل :  

(الطريق الثالث) الذي أراد وزير التربية الدكتور محمد اقبال تطبيقه ، يعتمد على رؤيته لمناهج الدراسة وهو الأهم ، وكيف نبني من خلال تلك المناهج أجيالا متفتحة تعتمد الطريق العلمي الأمثل الرصين الذي لايغفل تجارب الشعوب المتقدمة في هذا المضمار ولا يتجاهل التاريخ المغمس بالقيم الايجابية للمجتمع العراقي الزاخر بكثير منها، وهي محل اعتزاز العراقيين ، ولا يريدون لتك القيم الرفيعة ان تضيع تحت أية نظرية تربوية علمانية كانت أم دكتاتورية!! ويوضح السيد وزير التربية فلسقته التي يريد إعتمادها : “إنها طريق ثالث بين (المركزية) الشديدة في نمط الادارة وبين (الفدرالية) غير الراشدة..انها طريق ثالث يجد لنفسه مساحة ايجابية بين الجيل السياسي الذي يضع (تاريخه السياسي) كاستحقاق كثيرا ما يتقدم على استحقاق (المواطن ) وبين جيل من الشباب يفتقد البوصلة السياسية..انها طريق ثالث بين (القافزين) للسلطة دون كفاءة وبين (الكفاءات ) التي لازالت تتعامل بسلبية مع الواقع السياسي وتكتفي بالنقد”. ثم يضيف السيد وزير التربية : “انه طريق ثالث بين (المعادلة الوطنية) للعراق كهوية وبين (المعادلة المحلية )التي تعطي للهويات الخاصة احترامها ومساحتها من الخصوصية ..انه طريق ثالث نسعى من خلاله سوية لخلق (الطبقة الوسطى) بين الطبقات الاجتماعية التي ازدادت غنى بغير حق بعد التغيير وبين الطبقات التي قهرها الفقر وتسلط الأقوياء بكل تصنيفاتهم..انه طريق ثالث بين (هيمنة الأحزاب ) واستحواذها على العملية السياسية وبين العمل السياسي (غير الممنهج )

والذي لا ينتج إلا مزيدا من العشوائية”. ربما كان التساؤل الوحيد او الرابط الذي لم يلتفت اليه الدكتور محمد اقبال هو ارتباط العراق بمحيطه العربي،أي ليس الهوية الوطنية فقط أو (المحلية) ، بل هوية العراق القومية العروبية الأصيلة، لأن (الوطنية) هي (المحلية )، أما (القومية) فهي الجامع للكيانات العربية الممثلة بدولها وشعبها العربي ، ولن ينسلخ العراق عن منظومته العربية وهو جزء فاعل فيها وهو احد أعمدتها الرئيسة ، وسيبقى رائدها ورافع رايتها، مهما تكالبت عليه المحن والشدائد ، ولن يكون تابعا ذليلا لأي من دول الجوار التي تحاول مرة بإسم (المذهب) الكذاب ومرة أخرى تحت (الإطار السياسي) المخادع ، وشعارات (الأغلبية) الزائفة ، وما تحيكه بعض دول الجوار من كل أشكل التآمر ليبقى مقسما محطم القوى لاحول له ولا قوة!! ثم يعود الدكتور محمد اقبال مجددا لتوضيح رؤيته عن منهجه بالقول : “انه ثورة على القناعات المعلبة وعلى ثقافة الاستهلاك والشعارات المكتسبة وراثيا وكل ماهو تقليدي..انه دعوة للمراجعة لكل سلوكياتنا السابقة وللتحرر والتفكير بطريقة جديدة”. وبهدف تعريف الكثيرين من شبابنا في مختلف الأعمار نود توضيح الكثير من المفاهيم السياسية التي يحذر وزير التربية من إعتمادها في مناهج التربية والنظام التربوي المعتمد .. الثيوقراطية:تعني (حكم الكهنة) أو (الحكومة الدينية او الحكم الديني . تتكون كلمة ثيقراطية من كلمتين مدمجتين في اللغة اليونانية هما ثيو وتعني الدين وقراط وتعني الحكم وعليه فان الثيقراطية هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين يعتبروا موجهين من قبل الإله أو يمتثلون لتعاليم سماوية، وتكون الحكومة هي الكهنوت الديني ذاته أوعلى الأقل يسود رأي الكهنوت عليها. العلمانية : تعني فصل الدين عن الدولة والسياسة ،

ولا تتدخل الدولة بإسم الدين في مناهج الحياة أو نظمها ، وهي تحاول في بعض تبريراتها أن الدين قد يكون عائقا دون تقدم الشعوب ونهوضها!! الفرق بين المركزية واللامركزيةالمركزية: هي الإحتفاظ بالسلطات جميعا في يد شخص معين أو مستوى إداري عالي بحيث لا يتاح لباقي الأشخاص أو المستويات أن تتصرف إلا بناء على تعليمات من ذلك المستوى أو بعد موافقته. اللامركزية: هي موقف يتسع فيه نطاق التفويض في السلطة أو تُمنح فيه سلطات أصلية لمستويات أدنى وفقاً لما يُسمح به في تنظيم الشركة أو المؤسسة. فالمركزية إذن تعني الإتجاه الى تركيز السلطة والرجوع الى الادارة العليا في اتخاذ كل القرارات المنظمة للعمل.. أما اللامركزية فتعني العكس أي توزيع السلطات وإعطاء حرية اتخاذ القرارات حيث يجري العمل الفعلي. الواقع العملي يقول: إنه ليس هناك مركزية مطلقة أو لامركزية مطلقة ولكن هناك مواءمة بين ما تحققه المركزية من الرقابة الفعالة على سلامة العمل وما تحققه اللامركزية من سهولة وتدفق وانطلاق في العمل. الإتحادية أو الفدرالية :شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية (أو حكومة فيدرالية او اتحادية) ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة..وهو مانص عليه الدستور العراقي لشكل النظام السياسي الجديد لمرحلة مابعد 2003 . أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية. هذه بإختصار أبرز ملامح (الطريق الثالث) الذي يريد السيد وزير التربية تطبيقه في منهجه التربوي الجديد ..

منهج متفتح عقلاني ، يجمع بين جمالية الماضي ووهجه الذهبي وبين كل ما هو زائف وخارج عن سياقاته وأصوله وارتباطه الصميمي بالإسلام غير المنغلق ..الاسلام الحقيقي الذي يحترم ارادات جميع المذهب والاديان والطوائف والاقليات، ويؤكد العراقيون جميعا : أنه لن يكون أحد فوق الآخرين، وأن يتعايش الجميع في هذا البلد إخوة متحابين ، يجمعهم تاريخ طويل من المفاخر والحضارات، التي تشكل كل هذا السفر الخالد من بلد تنظر اليه كل دول العالم على انه أول بلد أقام الحضارة وعرف التمدن، وهو أول من خط حرف الانسانية ، وأسس نظامها المدني الصحيح، حتى صار أمثولة تحتذى بها الشعوب والأنظمة المتقدمة، التي لن يكون بمقدور أي كان ان يغطي شمسها بغربال. ولا بد أن يسجل تاريخ التربية الحديثة لتلك الفلسفة بأحرف من نور انها كانت راقية في توجهاتها واهدافها ومضامينها، وهي التي بإمكانها أن تطمئن الأجيال الى مستقبلها..وكان السيد وزير التربية الدكتور محمد إقبال الصيدلي موفقا كل التوفيق في طرح رؤيته التي أسماها بـ ( الطريق الثالث)!! وأمنياتنا له ولمنهجه الجديد بالتوفيق الدائم، وهو يحتاج الى مزيد من الشرح والتوضيح عبر وسائل الاعلام المرئي والمسموع وكل وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن تلك الرؤية ، وهو يسعى الى أن يعلي شأن أجيالنا وشبابنا بين الأمم!!