23 ديسمبر، 2024 4:12 ص

وزارة نفط لا تعرف اللغة الانكليزية!

وزارة نفط لا تعرف اللغة الانكليزية!

بداية سبعينيات القرن الماضي, تقدم رجل اربعيني يدعى الياس نعوم للعمل في شركة ناقلات النفط العراقية التابعة لوزارة النفط و مقرها البصرة. و رغم سن نعوم الكبيرة و عدم توفره على شهادة, الا ان شركة الناقلات استقطبته و عينته ومنحتها عملا و مكانا جيدا. ان السبب من وراء ذلك يعود الى ان وزارة النفط كانت تختلف في واقعها السبعيني عن واقع اليوم بكل تأكيد. لقد كان نعوم – الذي لا يتوفر على شهادة – يتحدث الانكليزية بطلاقة جراء خبرته من العمل مع الشركات الاجنبية التي كانت عاملة في العراق انذاك, قبل ان يتسبب نضام البعث برحيلها مع حقبة الحرب العراقية الايرانية و حالة فوبيا الاجانب التي خلقها ذلك النظام لابعاد الناس عن كل ما يمت للاجنبي بصلة. لكن بعيدا عن اجواء حروب و فوبيات و ارهاصات و توجسات ذلك النظام, فمن المفترض اننا ودعنا كل ذلك الكلام الى غير رجعة نحو عراق جديد مختلف تماما عن ماضيه الاسود الاليم. عراق تكون فيه الفرص مبذولة لابناءه و من اجل ابناءه. لقد كانت وزارة النفط العراقية في سبعينيات القرن الماضي وزارة راقية بكل معنى الكلمة لو اردنا الوصف, بالنظر الى ان 90% من كادرها العامل كان يتحدث الانكليزية بشكل جيد ان لم يكن بطلاقة. لكننا للاسف و ان عانينا تخلف و بدائية و همجية النظام البعثي البائد لعقود طويلة, فأننا لا زلنا نعاني اليوم صور اخرى من تلك البدائية و الفشل في عراقنا الجديد رغم التغيير السياسي الذي بدأه العراق اليوم مع سقوط الدكتاتورية الدموية السابقة. ان مفارقة الكتابة عن الياس نعوم و عمله في ناقلات انفط العراقية لم يأت من فراغ بالنظر الى ما آلت اليه وزارة النفط العراقية اليوم من تدهور لا يستشعره الا العاملون فيها قبل غيرهم على اقل تقدير.
ان من المفارقات اليوم ان معظم الكادر المتخصص باللغة الانكليزية في الوزارة و شركاتها لا يفقه من تلك اللغة شيئا, حتى ان العقد النفسية فاضت ببعض المسؤولين في بعض الدوائر النفطية ليعمدوا الى توجيه موظفيهم لمخاطبة الشركات الاجنبية بالعربية بدلا من الانكليزية – كونهم لا يفقهون منها شيئ�ن منها شيئا كحال كوادرهم – و بحجة ان لابد لتلك الشركات ان تتحمل مسؤولية الترجمة من العربية الى الانكليزية اذا ارادت ان تسترزق من العمل مع وزارة النفط العراقية!. و لا نستغرب العقد النفسية لهؤلاء المسؤولين بالنظر الى ان الكثير من حكام العراق اليوم معقدون نفسيا تجاه كل ما يطور الاخرين من غيرهم مخافة ان يقود هذا التطوير الى تعرضهم لمنافسة المنافسين بالعلم و المعرفة.
و هنا تكمن مفارقة اخرى تتمثل في تناقضات وزارة النفط العراقية التي تخاطب شركاتها النفطية كل يوم مؤكدة على ضرورة تطوير كادرها المتخص بالانكليزية من جهة, و تؤكد على تطوير باقي الكوادر الاخرى في الاتجاه ذاته ايضا. لكن التناقض يكمن فعلا في ان هذا الوزارة المهمة التي تتعامل مع الشركات الاجنبية و الكثير من التفاصيل التي لاغنى عن معرفة الانكليزية فيها لا تسمح لموظفيها بدراسة الانكليزية لنيل شهادة الماجستير بحجة ان لا حاجة بها لهذه الشهادة بين كادرها المتخصص بالانكليزية!. و هنا تكمن الغرابة الفادحة بين تأكيد الوزراة المستمر على تطوير مستوى لغة كوادرها الانكليزية من جهة, و عدم حاجتها لشهادة الماجستير في تخصص اللغة الانكليزية من جهة اخرى! مع ملاحظة ضعف و تدهور مستوى الحائزين على شهادات البكلوريوس في اللغة الانكليزية. فأي منطق غريب و متناقض هذا يا ترى؟.
قبل اسابيع قليلة من كتابة هذه السطور, وجهت الدائرة الفنية التابعة لوزارة النفط تعميما مذيلا بتوقيع مديرها العام الى كافة الشركات النفطية يحمل تفاصيل مترجمة عن موضوع فني متخصص ,مرفقا بالنص الانكليزي الاصلي لتفاصيل ذلك الموضوع. و الغريب ان موضوع ذلك الكتاب ما كان يمت بصلة بأي شكل من الاشكال الى مرفقه الانكليزي الاصلي القادم معه!. �قادم معه!. فأي نباهة و اي معرفة بالانكليزية تلك ياترى؟ و هل يعقل ان الدائرة الفنية في وزارة النفط التي تتعامل اجمالا مع تفاصيل عمل يومية تتمحور على استخدام و معرفة اللغة الانكليزية كل يوم في عمل كل يوم, هل يعقل انها ضعفت و تردت وتدهورت عن مجرد معرفة فحوى نص انكليزي لتترجمه الى موضوع اخر لا يمت له بصلة قط!. فأي ضعف و تتدهور هذا لذي وصلت اليه دوائرنا يا ترى؟.
و عندما نأتي الى موضوع الحاجة الى متخصصين بشهادة الماجستير في اللغة الانكليزية من بين موظفينا النفطيين, يفاجئنا كتاب وزارة النفط العتيدة بعدم الحاجة لهذا الاختصاص بين الموظفين ؟!
انني لأتسائل متى تصحوا دولتنا النائمة من سباتها الطويل و تعرف ان هنالك حاجة حقيقية لتطوير كوادرها دراسيا نحو درجات علمية اعلى لتحقيق تطور فعلي في ادائها و عملها و مقدرة كوادرها, بعيدا عن العقد النفسية و الاجتهادات غير العلمية و غير المحسوبة, وبعيدا عن الدورات و التطويرية التقليدية التي لم و لن تضيف او تغير شيئا في مستوى الموظفين او العمل الوظيفي سوى انها تمثل جزءا من متطلبات التغيير و الترقية في عناوين مشاركيها الوظيفية و حسب, من دون اي فائدة علمية او اثر ايجابي على الاداء الوظيفي بالمطلق.
لقد قال رسول الله صلى الله و عليه و اله و سلم – و لنا فيه اسوة حسنة – قال “المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.” و لاشك ان المؤمن المسلح بالعلم خير ممن توقف عن مشوار تعلمه و استكان الى حال ركود يشابه في شكله ركود الدولة التي نعيش في كنفها اليوم.
انني لأدعو وزارة النفط العراقية الى مراجعة منطق تحديدها للتخصصات المطلوبة للدراسات العليا بين كوادرها, و لاسيما تخصص اللغة الانكليزية بين موظفيها الراغبين في اكمال دراستهم العليا نظرا لحاجة الوزارة فعلا وبكل دوائرها لكادر قادر يجيد الانكليزية فعلا و يستطيع من خلال لغة متطورة ان يقدم شيئا فعليا و ملموسا في طريق تطوير العمل الحكومي. كما انني ادعو وزارة التعليم العالي العراقية الى ضرورة اعادة النظر في امر تخصيص حصة موظفي الدولة بين مقاعد التعليم العالي بالنظر الى حقيقة ان هؤلاء الموظفين يعملون اصلا في القطاع الحكومي و ليسوا ممن يأخذ الشهادة العراقية بالمجان ليذهب و يقدم علمه و شهادته الى اخرين في دول اخرى بحجة ان لا فرصة له للعمل في العراق.
ان الموظف العراقي المسلح بشهادة عليا لأقدر على تحقيق تقدم و تطور مهني في اداء دائرته و وزارته, الامر الذي ينعكس ايجابا على ادارة الدولة و خدمتها للمواطن العراقي. فلا تبخلوا علينا بهذه الفرص و تذكروا اننا نسعى لتحقيق هذه الخدمة و نحن وسيلتكم لذلك فعلا.