جاء في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية 2004 ، المادة الخمسون :
(تؤسس الحكومة العراقية الانتقالية هيئة وطنية لحقوق الانسان لغرض تنفيذ التعهدات الخاصة بالحقوق الموضحة في هذا القانون، وللنظر في شكاوى متعلقة بانتهاكات حقوق الانسان. تؤسس هذه الهيئة وفقا لمبادىء باريس الصادرة عن الامم المتحدة والخاصة بمسؤوليات المؤسسات الوطنية. وتضم هذه الهيئة مكتبا للتحقيق في الشكاوى. ولهذا المكتب صلاحية التحقيق بمبادرة منه او بشكوى ترفع اليه. في أي ادعاء بان تصرفات السلطات الحكومية تجري بغير وجه حق وخلافا للقانون ).
وفي نص الدستور العراقي المستفتى عليه في 15-10-2005 ، في باب الهيئات المستقلة المادة 99 :
( تُعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، وهيئة النـزاهة ، هيئاتٌ مستقلة ، تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم اعمالها بقانون ) .
وجاء في قانون المفوضية العليا لحقوق لإنسان في العراق رقم 53 لسنة 2008 المعدل في الاسباب الموجبة ما يلي :
( لأجل إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في العراق وحمايتها وتعزيزها وضمانها ومراقبة انتهاكاتها وتقويمها ولغرض تشكيل مفوضية عليا لحقوق الإنسان تتولى تنفيذ تلك المهام. شُرع هذا القانون ) .
قد كان ممكنا للسلطات العراقية المختلفة ومنذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 ، ان تقوم بنشاط فعال في مجال حماية حقوق الانسان لما توفر لها من آليات دستورية ، لكن السقم الذي عانته و تعانيه هذه السلطات ابقى على دور هامشي للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق لتفقد المفوضية بالتالي ذاتها ودورها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وتمسى مجرد هيئة او مفوضية تستنفذ مخصصات وميزانيات واعباء مالية كبيرة .
كان ممكناً للسلطات العراقية ( حكومة – برلمان ) ، توفير السبل و الآليات المناسبة لعمل المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق والسعي الحقيقي لإرساء آلية مستقلة لاشاعة ثقافة وحماية حقوق الإنسان واحترام الحريات والمبادئ التي اقرها الدستور العراقي ووفق المبادئ الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهود والمواثيق الدولية المرتبطة به اضافة لرصد الآثار التي خلفتها حروب النظام الفاشي والصراع الطائفي والحرب ضد الارهاب ، لكن العملية السياسية المشوهة ومتطلبات المشروع الامريكي والمصالح والاغراض الطائفية – العرقية وعمليات الفساد المالي ، ضيعت الفرصة بنطوير عمل المفوضية والارتقاء بعملها واشاعة الوعي بموضوعة حقوق الإنسان بين المواطنين العراقيين وتبنيها للهدف الأخلاقي الأسمى المتمثل في كيفية المراقبة والتنبيه والمطالبة لغرض حماية تلك الحقوق وضمان ممارسة الناس لحقوقهم المدنية وحرياتهم التي نص عليها الميثاق العالمي للحقوق وما دون في الدستور العراقي .
في الدول الديمقراطية او التي تدعي الديمقراطية لا مجال لوزارة في تشكيل حكوماتها تختص بحقوق الإنسان وعلى اساس ان الديمقراطية والمجتمع المدني مترابطين في مفهومهما ومتلازمين في تطورهما يضمنهما دستور ونظام قانوني متماسك وفعال ، والذي يؤدي بالتالي الى قيام دولة القانون والمجتمع المدني ، دولة المواطن ( فالسلطة ضرورية في المجتمع والحرية ضرورية للطبيعة الإنسانية وتاريخ المجتمع البشري هو تاريخ علاقة السلطة بالحرية ) ، في الدول الديمقراطية تتمتع حقوق الإنسان بمنزلة محترمة فحقوق الافراد وحرياتهم لا يمكن تجاوزها من قبل اجهزة الدولة وسلطاتها ..
في اطار التشويه المتعمد و ( البدعة العراقية ) وتماشياً مع نظام المحاصصة الطائفية – العرقية ، استحدثت وزارة لحقوق الإنسان ضمن تشكيلات الحكومات العراقية المختلفة لتجميل العملية السياسية لا غير وهذا ما اكده الدكتور عبد الباسط تركي اول وزير عراقي لحقوق الإنسان في حكومة الاحتلال الامريكي الاولى ، ويذكر أن السيد الوزير الدكتور عبد الباسط تركي قدم استقالته لثلاث مرات وكان مجلس الحكم يطلب منه الاستمرار في ممارسة عمله ، وسبب استقالته كما اوضح في اكثر من مرة ، هو التدهور الحاصل في اوضاع حقوق الإنسان في العراق ، في 02-05-2004 ، تبلغ الدكتور عبد الباسط تركي موافقة الحاكم المدني للعراق بول بريمر على الاستقالة ، خلفه في منصب وزارة حقوق الإنسان في العراق السيد بختيار امين … الوزارة ومنذ استحداثها كانت خارج التغطية ( لا تهش ولا تنش ) وهي مجرد وزارة ترضية لهذا المكون الطائفي او العرقي ، وهي ( الوزارة ) عاجزة بل غائبة عما يعانيه المواطنون من انتهاك لحقوقهم الإنسانية وهذا يمكن استخلاصه من تقارير لجنة حقوق الإنسان التابعة للامم المتحدة وتحقيقات وتقارير منظمة العفو الدولية والاحصاءات الصادرة عن بعثة الامم المتحدة في العراق ( يونامي ) واخيرا منظمة هيومن رايتس ووتش .
لا شك أن موضوعة الحريات وحقوق الإنسان أصبحت الشغل الشاغل لكثير من البشر والدول والمؤسسات الدولية ، وباتت تؤشر كخاصية ومعيار للإنجازات النبيلة للبشرية والتطور التاريخي الجيد لشكل العلاقات بين الدول والمجتمعات وتطلعاتها نحو السلم والاستقرار والحياة الديمقراطية والبناء الحضاري . والتطورات السلمية تستحث دعاة حقوق الإنسان لدعم أشكال النضال التي تضمن تحقيق أوسع مشاركة في إجراءات ضمانات السلم العالمي وحقوق الإنسان من قبل الدول والمؤسسات والأشخاص. ومع تصاعد وتائر المشاركة تلك، والانغمار في طمأنة هذا الجانب، نجد أن هناك أيضا جوانب انتقائية وضارة تمارس من قبل كثير من الدول والمؤسسات تستخدم فيها أكثر الوسائل تضليلا لتفسير التحيزات والتعديات على الحقوق الإنسانية ، وقد أضرت تلك الانتقائية السياسية ذات المصالح الأنانية بنضال دعاة حقوق الإنسان وعملهم واثر في أداء كثير من الدول التي دأبت على المطالبة بتعميم أو عالمية حقوق الإنسان، وكذلك على المؤسسات التي كان أحد أهم أهدافها ترويج وصيانة حقوق الإنسان والسلم العالمي .
وتتجلى تلك الإشكالية في واحدة من اسطع أمثلتها، في التعامل مع أوضاع الشعب العراقي سابقا وحاليا، حيث خضعت وتخضع الكثير من تلك الخروقات من مثل تغيب بعض الحريات العامة والاعتقالات العشوائية والتعديات الجسمية المقترفة من قبل السلطة والقوى الإرهابية والميلشيات المسلحة المختلفة، وحملات التهجير والنزوح لأسباب دينية وطائفية وعرقية وعمليات قتل واغتيال متعمد و خطف وابتزاز أهالي الضحايا والمخطوفين والتهديد بالتصفية الجسدية وقمع بعض وسائل ا‘لإعلام ومنع التظاهر ، كل ذلك خضع ويخضع لدى بعض السلطات المحلية والاحزاب السياسية ومثلها بعض الهيئات والمؤسسات الدولية لازدواجية في المعايير، وبدت مواقفها في الكثير من الأحيان تتنافى ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق الدولية ذات العلاقة ، ونجد توجه تلك المؤسسات والدول يخضع لأجواء ومناخ السياسات الانتقائية والمصالح الدولية، حيث بات هذا الأمر يشكل في البعض منه نهجا رسميا ضاغطا يتمثل بالرضا التام أو الصمت عن الربط المجحف وغير الواقعي بين أوضاع حقوق الإنسان والحريات المدنية من جهة والجانب السياسي المتحيز والمصالح الضيقة من جهة أخرى، حيث تبعد عن الواجهة مشاهد ما يقترف من تجاوزات على الحريات المدنية وحقوق الإنسان في ظل عملية سياسية غير مستقرة ومشوهة . فمنذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003، لازالت الأوضاع الأمنية خطيرة سببت في مقتل آلاف من أبناء شعبنا ، وباتت حالة فقدان الأمن والحرب ضد الإرهاب وفسح المجال للمليشيات الطائفية مرتكزا للسلطات ومبررا للتجاوز على الحقوق المدنية والسياسية .
اخيرا امام السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي وبعد حادثة الاعتداء المشين لحماية السيد محمد مهدي البياتي ( وزير حقوق الإنسان ) على شرطة المرور في 31-01-2015 ، فرصة لترشيق حكومته والاستغناء عن ( وزارة حقوق الإنسان ) كرقم فائض يستهلك الكثير من الموارد المالية ويرهق الميزانية العراقية التي تعاني العجز ، بالمقابل تفعيل المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق ووفق قانونها رقم 53 لسنة 2008 واعادة الاعتبار لها لتواكب الحدث العراقي وتوظيفها لصالح الاغراض والمصالح التي تأسست من اجله وبالاخص تعميم ثقافة حقوق الإنسان والحريات الاساسية ومساعدة ضحايا انتهاكات وخروقات حقوق الإنسان في العراق والمساهمة في تخفيف الاعباء التي يعانيها المهجرين والنازحين العراقيين ضحايا ارهاب تنظيم الدولة – داعش – .
نكرر على السيد حيدر العبادي اهمية الغاء وزارة حقوق الإنسان (الفضائية ) والتركيز على عمل المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، كما نؤكد على ضرورة عدم خضوع إدارة مؤسسات الدولة العراقية لمعيار المحاصصة الطائفية – العرقية ، فمفهوم المساواة في المواطنة يجب أن يكون معيارا لترسيخ مبدأ دولة المواطن والعدالة ، والدعوة إلى الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية واحترام حقوق الإنسان .