تهتم دول العالم كثيرا بمكافحة بل بمحاربة آفة المخدرات لانها تفوت على المجتمع ظهور علماء و ادباء و فنانين بسبب ضياع الجيل وغرق عقولهم في فترة المراهقة خصوصا -أي مرحلة التشكيل العمري للطموحات والمستقبل والهوايات بالدراسة أو الإكتساب والمران- ففي فترة تحفز الخلايا والهرمونات والمزاج والاحاسيس يتجه من تولدت في جيناته بوادر ابداع او موهبة او فن الى اي مرمى يمتص ويحتوي تلك الفورات والتحفيزات ، فإن وجد رفيق سوء يجره ومكان تفريغ يحتويه أسهل من مراكز رعاية الابداع والفنون ، ترك ذلك وضيع نفسه مع رفيقه بين تجار هذه الآفة التي تفتك بعد ذلك به وتغيبه عن الوعي وتنسيه الطموح والهدف ويخسره المجتمع ،
وقد كان العراق بوجود حاكم مهووس بالوطنية والعزة ثم تلبس لباس الدين والإيمان -مدعيا أو صادقا- لاندري ولكن الذي ندريه انه كان جادا وحازما ، فكان العراق خال تماما من المخدرات وقد تربت اجياله على عكس كثير من الدول ، على ان المخدرات عيب بل انهم يسمعون عنها بالافلام فقط لذلك ترى اكثر المعترضين اليوم والناصحين والمستنكرين هم من اجيال قديمة ، بينما لا ترى شابا بعمر الثانوية ينتقد ذلك او يستغربه حتى و ان لم يكن مشاركا الا اذا كان ابن ابيه تربية وخلقا.
الأجيال مابعد ال 2003 -وقدوم الديموقراطية الامريكية المعلبة والتربية الإيرانية المفصلة – تربت وضمن خطة ايرانية محكمة على ان الامر طبيعي ولا غرابة فيه ، وكان العمل في العراق مختلفا كثيرا من اجل ايجاد ونشر هذه الآفة لذلك عملت الحكومات الاولى وباوامر ايرانية على تاسيس “وزارة” خاصة بالمخدرات وتهريبها او بالاحرى “استيرادها” في البداية فلم يعد هناك اي تحرزات ضد دخولها فصارت سلعة تستورد ثم تروج وتباع تحت انظار الدولة وبرعاية ودعم المسلحين المتنفذين ، ثم تطورت بعد ذلك واصبح لها منافذ ثابتة للتوزيع ورسوم للادخال وعمولات على التوزيع تجبيها الأحزاب وتعتبر من مدخولاتها الثابتة والمهمة بالاضافة الى تهريب الدولار وغيره.
بقي الحال هكذا ولايمكن لاي كان ان يعترض الى ان بدا الامر بالاختباء قليلا تحت الضغط الدولي في فترة العبادي حيث تدخلت الدول المحاصرة لايران لمنع اتخاذ الاخيرة من العراق طريقا ومخزنا ومركزا للتوزيع الى المنطقة والعالم ، وبدات هنا الوزارة شبه الرسمية للمخدرات تتفكك وتتحول تلك التجارة الى شبه ممنوعة او لنقل بدقة “غير مقبولة” في اغلب الاوساط السياسية والاجتماعية ولكن بقيت القوانين التي تحاربها وتحاكم مروجيها ومهربيها معطلة تماما ، الا من حالات معينة تمسك وتحاسب ذرا للرماد ،
تلك القوانين التي تحولت من “إعدام” للمهربين والمروجين والمتعاطين ومن يجالسهم ويسهل لهم ايام صدام الذي كان يعدم حتى اقرباء من يثبت تعاطيه للمخدرات ، الى احكام خفيفة اغلبها غرامات ، واليوم في هذه الحكومة اجد ان السوداني يضع ضمن اولوياته محاربة تلك الآفة ولكن كمثل اي موضوع تعبت عليه إيران فانه يواجه ضغوطا وصراعا من داعميه في حزبه اولا في الداخل ومن الخارج بطبيعة الحال .
والذي نظنه حصل فعليا هو الغاء هذه الوزارة السرية وتفكيكها ، اما اين سيذهب منتسبوها ومن يعيلون عوائلهم وسياحتهم وترفهم على اكتاف المغرر بهم من الشعب المسكين ممن ضيعته المخدرات فلا ندري حقيقة كيف سيؤول بهم الحال ، لكننا نشد على ايدي هذا الرجل والحكومة الجديدة ونؤيد خطواتها ، لان مدارسنا وجامعاتنا قبل حوارينا ومحلاتنا الشعبية اصبحت تعج بالمتعاطين لدرجة اننا صرنا لا نستغرب من رؤيتهم يدخلون الصفوف الدراسية كل يوم بعد ان يكملوا تعاطيهم المخدرات في الحمامات والحوانيت والباحات الخلفية لابنية المؤسسات التعليمية المتردية اصلا، والإدارات لاحول لها ولاقوة