23 ديسمبر، 2024 1:32 م

وزارة المالية في العهد الملكي ودعوة رفع الاثقال‎

وزارة المالية في العهد الملكي ودعوة رفع الاثقال‎

يحكى ان دعوة وجهت لاثنين من رباعي العراق لتمثيله في مبارات رفع الاثقال في الويلايات المتحدة  وذلك في الخمسينات ، وكانت الشؤون الرياضية في حينه من اختصاص وزارة المعارف ، وان من شروط هذه الدعوة ان يتكفل الرباعان او الدولة باجور الطائرة من بغداد الى الويلايات المتحدة ، ولاجل المشاركة تقدم الرباعان بطلب الى السيد وزير المعارف لغرض صرف المبلغ من خزينة الوزارة ، غير ان وزير المعارف اعتذر عن الصرف لان ذلك خارج صلاحياته ، وحول الطلب حسب الاختصاص الى السيد وزير المالية ، والذي بدوره طلب مقابلة الرباعين ، وحدد السكرتير اليوم ، فلما دخلا على الوزير وكان يقرا الطلب بامعان ، وعند مثولهما امامه ، رفع راسه باتجاههم، بعد قراءة الطلب ، فسالهما لماذا تريدان الذهاب الى الويلايات المتحدة ، اجاباه لرفع الاثقال  اجابهما على الفور (لا ترفعوها خلوهة ابمكانها) وهمش على الطلب (يرفض) خارج قانون الموازنة العامة، اردت بهذه القصة القصيرة ان اوضح مدى اهمية الموازنة العامة لاي بلد من بلدان هذا العالم  ، وان اشير الى احترام الوزير لاختصاصه بالنسبة لوزير المعارف ، وان قانون الموازنة حده حد السيف ، وان تمسك دوائر الدولة بمفردات وابواب الموازنة ، دلالة على مدى تقدم هذه الدولة او تللك ، وان تنفيذ الموازنة يجب ان يعود الى وزارة المالية من خلال الحسابات الختامية نهاية العام المالي الذي كان في العهد الملكي في نهاية نيسان من كل عام  ، وهذه القصة لا تقتصر على الحكومة بل على البرلمان ، ويحكى ان وزارة ياسين الهاشمي صرفت اثناء الحركات العسكرية في الفرات الاوسط عام 1936 مبلغا قدره 21000 دينار مكافات نقدية الى قسم من منتسبي الجيش والشرطة بنسب  شهر واحدلكل واحد منهم ، ولم يك هذا المبلغ قد اجيز في الموازنة العامة ، ولم تصدر الوزارة مرسوما يجيز لها الصرف بموجب المادة 26 فقرة 3 من الدستور.
وعنما جاءت وزارة حكمت سليمان الى الحكم ، قدمت الى مجلس النواب لائحة قانون يجيز لها الصرف ، اعلن مجلس النواب في جلسة 16/3/1937 احالة الموضوع الى اللجنة المالية لتدقيقه ، وعند عرض التقرير للموافقة على الصرف النائب ذيبان الغبان اعترض قائلا وهو نائب عن الكوت  ان المجالس النيابية اساس تشكيلها هو محافظة اموال الدولة والميزانية ، والمجلس هو وكيل دافع الضريبة (فاذا يصرف الوزير بكيفه فاين تبقى قيمة للمجالس النيابية ) فلما كان هذا الصرف ليس بمرسوم او لم يكن في الميزانية ، فهذا المال يجب تضمينه الوزارة السابقة مشتركا ومنفردا لان المادة 97 من الدستور هي لا تجيز تخصيص راتب او اعطاء مكافاة او صرف شئ من اموال الخزينة العمومية الموحدة لاي جهة الا بموجب القانون ، وانا بصفتي نائبا اتهم الوزارة السابقة لانها خالفت الدستور، هذه القصة حقيقية جاءت في الصفحة 314 _ 315 من كتاب الحياة النيابية في العراق للمرحوم الاستاذ حسين جميل، اردنا بها ان نوضح مدى التزام النائب والبر لمان بمسالة الحفاظ على المال العام ومدى تمسك الدوائر بقوانين الميزانية وان الخطا يتحمله الوزير لا الدولة ، وان المصادقة على ميزانية العام الجديد لا تتم الا بتقديم الحساب الختامي للعام ألسابق ، فيا حبذا ان تاخذ حكومات اليوم العبر من السوابق وان تعمل على وضع ميزانيات واقعية وان تطالب الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة ضرورة احترام وتنفيذ بنود الميزانية وتقديم الحسابات الختامية في مواعيدها  .