اتفق العقلاء منذ القدم على أهمّيّة القطاع الصحّيّ في الحفاظ على جسم الإنسان وعقله للاستمتاع في حياة طيّبة هانئة، وأنّ منْ لا يتمتّع بصحّة جيدة لا يجد طعماً لكلّ ملذّات الحياة المتنوّعة.
الواقع الصحّيّ في العراق منذ العام 2003 يشهد تراخياً وانحداراً مخيفاً جعل المواطنين العراقيّين يسعون للبحث عن ملاذات صحّيّة خارجيّة ليجدوا عندها الدواء الشافي لعللهم وأمراضهم الغريبة التي خلّفتها أسلحة الاحتلال الأمريكيّ الفتّاكة، وزادها ضراوة الإهمال الحكوميّ لقطاع الصحّة الحيويّ!
منذ سنوات نلاحظ أنّ المواطن العراقيّ يفضّل العلاج في مستشفيات الأردنّ وتركيا والهند وغيرها من دول العالم على العلاج في المستشفيات العراقيّة؛ ومن بين أهمّ أسباب الدفع بهذا الاتجاه هو عدم ثقة المواطن بالمستوى الطبّيّ، واستمرار جريمة الإهمال الصحّيّ، وبالذات في المستشفيات الحكوميّة، التي لم تعد بالمجان بل تستحصل الكثير من الفقراء دون مراعاة لواقعهم المعاشيّ المتردي!
وقبل اقل من أسبوعين كشف السفير العراقيّ لدى الهند أنّ “أكثر من (60) ألف مريض عراقيّ يأتون للهند للعلاج سنوياً، وأنّ أوضاعهم مأساويّة، وهم يباعون من جهة إلى أخرى(عبر الشركات الوسيطة)، ويتعرضون للنصب والاحتيال”!
ويوم الثلاثاء الماضي تابعت تقريراً مصوّراً عن مستشفى الفلوجة (60 كم شمال غرب بغداد)، كشف أنّ نحو خمسة عشر بالمائة من أطفال المدينة يولدون بتشوّهات خلقيّة، مثل الولادة بعين واحدة، أو بنصف رأس، أو بلا فم وأذنين, وكذلك ارتفاع نسب الأمراض السرطانيّة نتيجة الأسلحة الخطيرة التي استخدمها الاحتلال الأمريكيّ وآثارها التي ما زالت عالقة في أنقاض المدينة المدمّرة!
هذه الحالات المؤلمة الخطيرة التي جعلت الأهالي في استنفار كبير تستوجب إعلان حالة الإنذار القصوى لإنقاذ المواطنين ليس في الفلوجة وحدها بل في عموم محافظات الأنبار وديالى والموصل وغيرها من المدن التي كانت مسرحاً لعمليّات عسكريّة!
المذهل أنّه – ووسط أمواج هذه الكارثة الوطنيّة التي تطيح بعشرات الحكومات في بلدان أخرى- نجد أنّ وزيرة الصحّة السابقة عديلة محمود متفرّغة للمحاكم بعد أن رفعت قضيّة سبّ وتشهير ضد النائب جواد الموسوي عضو لجنة الصحّة البرلمانيّة!
ويوم الأربعاء الماضي رأى القضاء العراقيّ أنّ كلام الموسوي حول الفساد في وزارة الصحّة وسوء الخدمات في المستشفيات، لا يخرج عن” دائرة حرّيّة الرأي التي كفلّها الدستور لجميع العراقيّين ولا تمثل تشهيراً وبناءًا عليه لا تستحقّ الوزيرة أيّ تعويض”!
فهل الشغل الشاغل لبعض الوزراء هو ملاحقة المنتقدين للحصول على تعويض، أم يفترض أن يكون همّهم تقديم الأفضل للمواطنين وبالذات في وزارتي الصحّة والداخليّة وغيرهما من الوزارات المتعلّقة بحياة المواطنين؟
غياب الدولة من الشارع العراقيّ، وانتشار مظاهر القوى الإرهابيّة جعل الكوادر الصحّيّة العراقيّة يضطرّون للهجرة إلى بريطانيا والأردنّ وأمريكا وغيرها من الدول؛ وعليه يتوجّب على الحكومة ووزارة الصحّة – في الظرف الحاليّ على الأقلّ- العمل على:
العناية بالكوادر الطبّيّة لتقديم الأفضل للمواطنين، وسنّ القوانين الحامية لهم من اعتداءات بعض القوى المليشياوية والعشائرية، وإنزال أقسى العقوبات بحقّ المعتدين – وبالذات في حالة الأخطاء الطبّيّة- لأنّ الخطأ الطبّيّ وارد، ولو بنسب قليلة.
استقدام أطبّاء أجانب من الدول المعروفة، وتكون لهم مراكز في المدن التي تضرّرت كثيراً، وتركّز على اختصاصات السرطانات والتشوّهات الخلقيّة والأطراف والعيون وغيرها من الاختصاصات على أن يتمّ إجراء غالبيّة العمليّات داخل العراق، وأن تتكفّل الدولة بتوفير الأجهزة الطبّيّة اللازمة، وبكافّة المصاريف.
تشجيع أصحاب المستشفيات الخاصّة على استقدام أطبّاء أجانب من مختلف الاختصاصات، وأن تقدّم لهم الدولة التسهيلات اللازمة لتشجيعهم على تخفيض تكاليف العلاج.
سنّ قانون التأمين الصحّيّ المجّانيّ، أو الرمزيّ لعموم المواطنين.
أظنّ أنّ هذه الخطوات وغيرها يمكن أن تخفّف عن كاهل المواطنين، وأن تزرع الابتسامة على وجوه المرضى وعوائلهم.
فهل ستعمل وزارة الصحّة على تنفيذ هذه الخطوة الإيجابيّة، أم أنّ الأمر يحتاج لتريّث لحين انتقال المرضى للعيش بين الأموات؟