من المعلوم إن الأطباء يعملون في المؤسسات التابعة لوزارة الصحة , لكن هناك أطباء اختاروا العمل في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لغرض التدريس في كليات المجموعة الطبية , ولأن دراسة الطب تعتمد بشكل كبير على الجانب العملي وهذا يحتاج لمستشفيات تعليمية تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهي غير متوفرة في جميع المحافظات وأعدادها قليلة , لذلك سمحت وزارة الصحة لبعض مستشفياتها بالقيام بتدريب الطلبة – خاصة المراحل المنتهية – و أصبحت هذه المستشفيات تعليمية , مع ( تنسيب ) أطباء وزارة التعليم العالي للعمل في هذه المستشفيات للقيام بتدريب وتدريس الطلبة .
كلمة تنسيب وضعتها بين قوسين لأنها برأي كانت أغرب الحلول لقضية قلة المستشفيات التابعة لوزارة التعليم العالي , فأي تنسيب هذا الذي يمتد لسنوات طويلة قد تصل إلى 30 سنة أو أكثر , فمن المعروف بأن التنسيب يكون لمدة قصيرة لسدّ خلل ما في مكان ما , أما أن يبقى الطبيب منسبا من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى وزارة الصحة منذ تعيينه وحتى تقاعده فهو من عجائب الدنيا وغرائبها , لأنه سيكون نقل خدمات أكثر من كونه تنسيبا .
هذا الوضع – وأعني تنسيب الأطباء – رافقته سلبيات كثيرة تركت بعضها آثارها على الجانبين وولدت حساسة بين الأطباء العاملين في الوزارتين . فمثلا إن راتب الطبيب الذي يعمل في وزارة التعليم العالي أكبر من ذلك الذي يحصل عليه زميله في وزارة الصحة , وتقاعد طبيب التعليم العالي أكبر بكثير من تقاعد طبيب الصحة حسب قانون التقاعد الجديد . وهناك مشاكل سببتها تعليمات الوزارتين , فمثلا أصدرت وزارة الصحة قبل أربعة أعوام قرارا بتوقيع د. عامر الخزاعي قبل مغادرته موقع وكيل وزارة الصحة بأيام قليلة , نصّ على السماح للأطباء المنسبين من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بعدم أداء بصمة الحضور والانصراف , ومنع إدارات المستشفيات من متابعة دوامهم أو محاسبتهم عند ترك الدوام أو الغياب , وبالرغم من إن د. مجيد حمه أمين وزير الصحة السابق قد ألغى هذا القرار الغريب إلا إن البعض لا زال يتحجج به لغرض ترك الدوام وعدم الالتزام بأداء واجباته الوظيفية .
أطباء وزارة التعليم العالي لديهم أسرة في ردهات المستشفيات ويقومون بإدخال المرضى سواء من العيادات الاستشارية أو من عيادتهم الخاصة , حالهم في ذلك حال أطباء وزارة الصحة لكنهم غير مشمولين بالعمل في مستشفيات الأقضية أو التنسيب إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية مثل أطباء وزارة الصحة .. أطباء التعليم العالي مشمولون بالإيفاد خارج العراق من قبل وزارة الصحة لحضور الدورات التدريبية والمؤتمرات الطبية وورشات العمل , فيما لم نسمع يوما بأن وزارة التعليم العالي قد أوفدت طبيبا من خارج ملاكاتها إلى أية دورة تدريبية أو مؤتمر طبي خارج أو داخل العراق .. أطباء وزارة التعليم العالي يتمتعون بعطلة أمدها 60 يوما خلال شهري تموز وآب من كل عام ويتركون أعباء العمل في المستشفيات على عاتق أطباء وزارة الصحة خلال هذين الشهرين التي تصل فيهما درجات الحرارة إلى أرقام فلكية .. وزارة الصحة تمنح لأطباء وزارة التعليم العالي لقب ( استشاري ) الذي يمنح لصاحبه بعض الامتيازات المعنوية , لكن وزارة التعليم العالي لا تمنح أطباء وزارة الصحة ألقابا علمية كتلك التي تمنح لأطبائها . بالمقابل أطباء وزارة التعليم العالي يشعرون بأنهم يؤدون واجبات مضاعفة بقيامهم بالتدريس إضافة لفحص المرضى ومعالجتهم , فيما يقع على عاتق أطباء وزارة الصحة واجب الفحص والمعالجة دون التدريس والتدريب , ويشعرون بأنهم مغبونين في موضوع الإيفادات خارج العراق لقلة الإيفادات الموجودة في وزارتهم وميل وزارة الصحة لإيفاد منتسبيها بشكل أكبر .
إذن كل طرف يشعر بالظلم والغبن وهذا ما يحمل تأثيرات سلبية على عمل الأطباء في الوزارتين , وقد يؤدي لبعض الحساسية بين الطرفين , وهذا لا يصب في خدمة المؤسستين الصحية والتعليمية , ويؤثر على نوعية الخدمة المقدمة للمرضى والمراجعين وطلبة الكليات الطبية معا .
هذا التداخل غير موجود في الكثير من دول العالم التي جعلت كليات المجموعة الطبية تابعة لوزارة الصحة التي حملت أسم ( وزارة الصحة والتعليم الصحي ) , حيث تكون وزارة الصحة مشرفة بشكل كامل على كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والتمريض , وتكون هناك مديرية عامة في الوزارة لإدارة شؤون هذه الكليات , ويكون جميع الأطباء مسؤولين عن تدريس الطلبة وتدريبهم .
نضع هذا الرأي أمام السادة المسؤولين في وزارتي الصحة والتعليم العالي والبحث العالي وأمام لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي عسى أن يخضع للدراسة والنقاش خدمة للصالح العام .