23 ديسمبر، 2024 6:29 م

وزارة الخارجية العراقية الزوايا الحادة والمنفرجة

وزارة الخارجية العراقية الزوايا الحادة والمنفرجة

من الأمثال العربية المأثورة ” التكرار يعلم الحمار”، وهذا المثل فيه الكثير من الصحة والمصداقية، ففي زيارة في الثمانينيات من القرن الماضي لأحد أقاربنا في ناحية ابي صيدا في محافظة ديالى، قطفنا الكثير من البرتقال في بستانهم وحملناه على حمار لهم، وما ان اتنهينا من تحميله حنى ضربه قريبي ضربة خفيفة على ساقه فذهب الحمار وحيدا في طريقه الى البيت، وبعد حوالي ساعتين عاد الينا بعد ان أفرغوا حمولته وكررنا الحال معه. نتيجة تكرار العملية فيما فقد تعلم الحمار واجبه دون الحاجة الى أحد يرافقه في الذهاب من البستان الى البيت والعكس، وقد فطن العرب الى ظاهرة التكرار ودورها في التعليم مع البشر وغيرهم، واستخدموا الحمار في المثل دلالة على أنه من اكثر الحيوانات حمقا، مع ان هذا الأمر غير صحيح علميا.
رباط كلامنا في إعلان وزارة الخارجية العراقية لأكثر من مرة بأنها تسعى جاهدة الى تحسين العلاقات مع الدول العربية، بعد ان انفردت ولاية الفقية بالعلاقة الحسنة مع العراق وأخذت تملي على وزارة الخارجية العراقية أوامرها، والوزارة كالعبد الذليل يطيع الأوامر طاعة عمياء، بعض النظر عن المصائب التي تنجم عن هذه التبعية والتي تتناقض مع مصلحة العراق ومع محيطه العربي، وتتعارض أيضا مع مفهوم السيادة والكرامة الوطنية التي اختفت آثارها في البلد على أيدي حكامه الجدد، علاوة على أنها تتناقض مع علاقات حسن الجوار، وتؤكد ان سياسة العراق الخارجية مرهونه بتوجيهات الولي الفقية واذرعه الطويلة في العراق بشكل مطلق.
علاوة على ان الوزارة نفسها ليست لها قيمة داخل العراق نفسه، فالكثير من الزعماء السياسيين والنواب وزعماء الميليشيات الرسمية يطلقون تصريحات نارية ضد دول الجوار دون أي إعتبار للوزارة، علاوة على تهديدات تصل احيانا الى إعلان الحرب عليها، وبالتأكيد لا توجد دولة في العالم يصرح فيها أي كان دون على كيفه دون الرجوع الى الوزارة صاحبة الشأن، وهذا ما عبر عنه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في تصرح له بتأريخ17/1/2017 ” إفتقاد العراق لسياسة خارجية موحدة تجاه الإصطفافات الإقليمية والدولية”، سيما بعد ان استنكرا أقزام ايران في العراق كنوري المالكي وعمار الحكيم إعدام ثلاثة إرهابيين في البحرين، مما يدل على على التسيب والفوضى، لذا فقد انحصرت سياسة العراق الخارجية في زاوية حادة وحرجة مع العرب، وزاوية منفرجة مع ولاية الفقيه.
لم تخرج سياسة العراق الخارجية عن توجيهات ولاية الفقيه منذ تسلم شيعة السلطة الحكم من الامريكان ولحد اللحظة، ويمكن الرجوع الى مواقف العراق العربية في المنظمات الدولية والعربية والخروج بحقيقة لا تقبل الجدل وهي ان العراق يدور في الفلك الايراني وليس العربي. وعندما صرحت وسائل الأعلام الإيرانية مؤخرا بأن وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري يقوم بوساطة بين إيران والمملكة العربية السعودية تهدف الى تحسين العلاقات بين البلدين، استغربنا من هذه التصريحات غير المنطقية، فلا الوزير المهووس ولا وزارىته التابعة لولاية الفقية جديرة بهذه المهمة التي تستوجب من الدولة الوسيطة ان تكون محايدة على أقل تقدير وتتمتع بعلاقات متوازنة بين الدولتين المتصارعتين. وفي الوقت الذي أكد فيه الوزير الجعفري هذه الوساطة بقوله ” أن خطوات الوساطة مستمرة منذ العام الماضي، ونقلت رسائل شفوية بين مسؤولي البلدين خلال الشهور الماضية في محاولة تقريب المواقف بينهما”، إنبرى وزير الخارجية السعودي لشؤون الخليج العربي
ثامر السبهان في تصريح له بتأريخ 16/1/2017 لصحيفة الحياة كذب فيها تصريح الجعفري، منوها أن بلاده” لا تحتاج إلى وساطة مع إيران، وعدم اطلاعه على معلومات تتعلق بالوساطة بين البلدين. لم يردنا شيء بما يتعلق بوجود رسائل وساطة بين الرياض وطهران، والسعودية لا تحتاج إلى وساطات مع إيران، لأن الايرانيين يعلمون ماذا عليهم أن يعملوا ويفعلوا إذا أرادوا تحسين العلاقات مع المملكة”. صدق لودفيغ فيتغنشتاين بقوله” لا شيء أصعب من تجنب خداع المرء لنفسه”. كما ان الرئيس الايراني حسن روحاني أكد في 17/1/2017 بأن ” هناك ما بين 8 ـ 10 دول تحدث فيها مسؤولون معنا حول الوساطة مع السعودية” بمعنى ان الجعفري تحدث مع طرف واحد هو ايران ولم ينقل رسائل كما زعم.
ما يؤكد قول السبهان هو بيان الإستنكار الذي أعلنته وزارة الخارجية العراقية بشأن إعدام ثلاثة إرهابيين في البحرين، ولا أحد يجهل العلاقات بين السعودية والبحرين، فقد ذكر بيان لوزارة الخارجية العراقية في 16/1/2017 ” ان الوزارة تستنكر عملية الإعدام التي نفذت بثلاثة من شباب البحرين الذين كانوا رهن الاعتقال جرّاء مشاركتهم في حركة المطالبات الشعبية بالحقوق المشروعة
وهذا يمثل خرقاً واضحاً لحقوق الإنسان، واستمراراً لمنهج التعامل القمعي مع هذه المطالبات، إضافة إلى تغييب أبسط الحقوق القانونية في إجراء محاكمة عادلة لهم في وقت تتعالى فيه صيحات العالم لاحترام حقوق الإنسان”. الحقيقة ان البيان أعلاه بيان مشوه ومشبوه وبعيد عن الحقيقة فهؤلاء الذين تم إعدامهم والذي اعتبرهم البيان” اعتقلوا جرّاء مشاركتهم في حركة المطالبات الشعبية بالحقوق المشروعة”. إنما إعتقلوا وحكوموا وأعدموا ليس بسبب هذه المشاركة، فمثل هذه الأعدامات تحدث في العراق فقط، الحقيقة أن السلطات في البحرين اعلنت تنفيذها الاعدام رميا بالرصاص بتهمة قتلهم ضابط شرطة إماراتي وشرطيين بحرينيين في هجوم بعبوة متفجرة عام 2014 وهذا ما لم يشر اليه بيان الوزارة في محاولة لطمس الحقيقة وتشويه سمعة البحرين إنسجاما مع الموقف الإيراني المعادي لهذه الدولة الشقيقة.
نسأل وزارة الخارجية العراقية: اليس العراق من الدولة الرائدة في الاعدامات العلنية ويأتي بالمرتبة الثالثة بعد ايران والصين، ناهيك عن الإعدامات السرية والإختفاءات الفسرية والجثث مجهولة الهوية والتي يعرف العراقيون الجهات الرسمية التي تقف ورائها؟ ثم ما هي العقوبة في العراق لإرهابيين يقتلون ضابط وشرطيين عراقيين؟ اليس الإعدام واعتبارهم إرهابيين؟ أما موضوع حقوق الانسان فهو يثير السخرية ولا يحتاج الى تعليق! في نفس اليوم الذي صدر فيه بيان وزارة الخارجية، طالب النائب العراقي كامل الغريري رئيس الوزراء العراقي بالكشف عن السجون السرية التي يعتقل فيها المئات من أهل السنة من قبل قوات شبه رسمية (ميليشيات الحشد الشعبي) في الفلوجة والرمادي ومناطق أخرى من العراق، منوها ان السجناء لا يعرف مصيرهم وان الجهات الأمنية لا تكشف عن الميليشيات التي قامت بإعتقالهم.
كالعادة إنبرى التابع الذليل نوري المالكي ليعلن ايضا إستنكاره لعملية الإعدام معتبر الإرهابيين من” المعارضين في البحرين والمطالبين بالديمقراطية والحقوق المشروعة للشعب البحريني الصابر بالطرق السلمية”، بالنسبة للمالكي ربما نسى ما فعله ” بالمطالبين بالديمقراطية والحقوق المشروعة للشعب العراقي الصابر بالطرق السلمية في الفلوجة والحويجة وغيرها”؟ إنها محاولة لتلميع جلده الباهت لدى الولي الفقيه لا أكثر. وسار أبن المرجعية عمار الحكيم على طربق ابيه الروحي الخامنئي فإستنكر الإعدام أيضا! وتلاه مقتدى الصدر الذي سبق بأيام ان أجاب عن استفسار لأحد أتباعه بأنه يرفض التدخل في الشأن السوري، لكنه تدخل في الشأن البحريني!
وفي الوقت الذي يتوضح فيه ضعف السياسة الخارجية بقيادة الجعفري، نرى على العكس منه في إقليم كردستان، فقد صرح (محمد حسين رجبي) قائد الحرس الثوري في 16/1/2017 بإن” وجود أكثر من ثلاثين قنصلية وممثلية أجنبية في اقليم كردستان أمر غير طبيعي، سيما أن غالبية
القنصليات الموجودة تعمل في مجال الاستخبارات، وان السعودية تحاول من خلال قنصليتها في إقليم كردستان خلق مشاكل بإيران، لذا نطالب باغلاق قنصليتها باعتبار شعب كردستان ليسوا بحاجة إليها”.
وجاء الرد الصاعق من الإقليم في بيان بتأريخ 16/1/2017 نصه ” احد مسؤولي جيش الباسدار الايراني صرح مؤخرا بان وجود 36 قنصلية في اقليم كردستان امر غير طبيعي، وطالب بغلق القنصلية السعودية في اربيل! أن وجود القنصليات والممثليات الدبلوماسية للدول في اقليم كردستان يخضع للقوانين بالعراق وكردستان، وأن جميع انشطة هذه القنصليات والممثليات الدبلوماسية هي في اطار هذه القوانين ولا يحق لاي كان ان يطالب بغلق اية قنصلية في الاقليم. ان هذا التصريح ليس الاول من نوعه لمسؤولين في جيش الباسدار حول اقليم كوردستان، وهو تدخل غير مبرر للشؤون الداخلية للعراق واقليم كردستان، وان حكومة الاقليم تعمل دائما على اقامة علاقات ودية مع دول الجوار والعالم، معربة عن املها بموقف ايراني جدي من تلك التصريحات غير المسؤولة وان تحرص على عدم تكرارها، فهي مرفوضة وغير مقبولة”.
نقول للجعفري هل تستطيع الرد بمثل هذه القوة على ولاية الفقيه؟ الجواب معروف سلفا!
وأخير نذكر الجعفري: خشيتم تعيين العميد الركن (عبد العزيز الشمري) سفيرا سعوديا في العراق لأنه يشكل خطرا على البلد، لكنكم لم تعارضوا تعيين (ايرج مسجدي) العميد في الحرس الثوري، مجرم الحرب والمطلوب دوليا سفيرا في العراق! فعن أية وساطة تتحدث يا رجل؟ أن فن التملق هو الخداع بعينه.