إن المجتمعات الحديثة تعيش اليوم عزلة مريرة بسبب سلطة الاقتصاد الرأسمالي الذي اثر على شكل العلاقات الاجتماعية،وهذا بدوره جعل شكل العلاقات بين الناس منغلقة ،مما دفع الانظمة المتقدم الى التفكير بكسر عزلة الانسان،وقد وجدت ان تكنلوجيا الاتصال هي الوسيلة المهمة في كسر هذا الانغلاق،فجاء التلفاز والانترنيت في اشاع التواصل بين بني البشر،وربما العولمة وطروحاتها تتجه نحو هذا الامر من خلال اشاعة ما يعرف بمصطلح القرية الصغيرة.
على هذا النحو جاءت الصورة لتلعب دورا كبيرا في تشكيل القناعات،واذ يشهد هذا العالم رغبة في الاستحواذ، فقد سعى رجال السياسة الخارجية لاغلب الدول الى تسخير سلطة الصورة من اجل تمرير القناعات سواء كانت قومية ام طائفية ام اثنية تنعكس على الشارع وتؤثر في قرارات الناس وقناعاتهم…
يتم اليوم استغلال الفضائيات لغاية لها علاقة بالعرق والطائفة واللون،وهي تنعكس وتضغط من اجل اللعب على مستوى خرق التعايش السلمي بين الناس،وهذا ما سوف يؤثر سلبا على حياة التنوع عند اغلب البلدان.
فضائيات طائفية تمرر خطابها لاناس لا يؤمنون بقيمة التنوع ويقتربون من الظل الايدولوجي الذي يرتبط بقناعتهم…
وقد يؤشر هذا الامر في ضوء حاجة هذه الفضائيات الى رؤوس امال كبيرة الى الاستعانة باطراف خارجية من اجل تمشية وضعها،مما عزز من قيمة التدخل الخارجي عند اغلب البلدان التي تشهد انفجارا اعلاميا..
نشهد اليوم حربا صورية تؤثر على قناعات الناس وتغيير من قيمة الحياة من مستوى الى اخر.
وهناك شيء اخر يضاف الى ظاهرة الفضائيات التي بدأت تحجم من حركة الانسان وتجعله في منطقة صغيرة،وهذا لا يختلف عن طروحات العولمة والبيت الصغير،ومع هذا بدا الانسان اليوم غريبا ومحاصرا بجهاز صغير يملي عليه قناعة الفضائية التي ترغب بتمرير رسالتها.
مثلا: الكثير من الشعوب العربية اليوم لم تعد تنظر الى اسرائيل بوصفها عدوة للشعوب العربية ،وانما راحت تنظر الى دول اخرى بوصفها اكثر خطرا من اسرئيل..وهذا يدل على اشكالية الدولة الحديثة في بناء الانسان المعاصر.
ساعات تمضي والعمر يتساقط في بئر النسيان،والسياسي الاحمق يؤجج الوضع ليقدم حفلة شواء خرق التعايش السلمي،ونحن بين هذا وذاك ذاكرة تذهب مع القطارات التي تمضي ولا تعود…
عشر سنوات والحمقى يكثرون ليزيدوا من وضعنا تعاسة،ونشهد مع كل دورة برلمانية مهراجا يصفق ويزمر ويستعين بفضائيات تغذيها الدول الاقليمية التي لا ترغب للمشروع الديمقراطي الجديد في التقدم والتطور.
بالأمس كنت اشاهد مؤتمرا صحفيا عن طريق (اس ان جي ) من خلال فضائية الجزيرة في تركيا لطارق الهاشمي عن الوضع في العراق ليقدم هذا الارهابي تصورات مغلوطة عن الواقع العراقي،وبعد انتهاء كلمته توقف النقل عبر الاقمار،او بالأحرى انتهى المؤتمر برمته…وهذا ما يجعلني اضحك لانني اتذكر حماقة الاعلام في تمرير ما يريدونه بطريقة طفولية ساذجة..تذكرني بصورة الصنم الذي لم يكن يقبل بالظهور على التلفاز الا شخصه الموقر..
هذه الصنمية بقيت تلاحق بعض البرلمانيين الذين يؤسسون لأنفسهم هالة من خلال ضخ الواقع بالمزيد من الاحتقان..وربما تجربة حيدر الملا واضحة حينما شن ويشن باستمرار هجوما على وزارة التعليم العالي وشخص الوزير بحجج ما قام به الاستاذ في جامعة ديالى من تصرفات غير مقبولة تؤجج الوضع،وكان لمجلس الجامعة ان اتخذ موقفه المعلن عبر موقع الجامعة الالكتروني…في فصل هذا الاستاذ وابعاده عن الوزارة ومزاولة التعليم…
هل يعقل ان يقوم شخص الوزير بكل شاردة وواردة في وزارة ضخمة مثل التعليم وهو المخول لرؤساء الجامعة في حل الاشكاليات التي تعترض الجامعة…
الوزير يا سيادة النائب المحترم…يمنح صلاحيات الى رؤساء الجامعة ليقوموا بواجبهم المهني..فلا تفتش عن اخطاء لا تليق بالناس من اجل اشعال الحرب الطائفية…
يكفى عبثا…لاننا لن نسمح بان يسرق احدهم اعمارنا مرة اخرى