23 ديسمبر، 2024 3:45 م

رغم إنّ جمال الورد لا يحتاج إلى شهادة، لكنّنا نتمايل طربا كلّما نسمع رائعة بيرم التونسي التي لحّنها زكريا أحمد، وغنّتها أم كلثوم في عام 1946 م ” الورد جميل”

“الورد جميل .. جميل الورد

الورد جميل وله أوراق .. عليها دليل من الأشواق

إذا أهداه حبيب لحبيب .. يكون معناه وصاله قريب ..”

وهكذا تنساب كلمات بيرم التونسي جميلة مثل الورد الذي تغزّل به في الأغنية التي ارتبطت بذهني بصوت ملحنها الشيخ زكريّا أحمد إذ غنّاها عام 1960 ، قبل وفاته بعام واحد ،وسجّلها التلفزيون المصري، واعتاد تلفزيون بغداد ، أيّام زمان، عرضها بالأبيض والأسود ، وكنّا نستمتع بأداء “شيخ الملحنين” العفوي ،والتلقائي، والطربي إلى أن يبلغ المقطع الأخير الذي تقول كلماته :

“شوفوا الياسمين جميل نعسان

حلي له النوم على الأغصان

بكل حنان تضمه الايد

وبه تزدان صدور العيد”

فالورود هي أجمل الهدايا ،وأرقّها في العيد ، ولها عدّة دلالات، قد تمتدّ إلى كلّ نوع ،ولون ، في قصيدة ايليا أبي ماضي “هديّة العيد” التي غنّاها المطرب “ناظم الغزالي “يتساءل :

أيّ شيء في العيد أهدي إليك

يا ملاكي، وكلّ شيء لديك؟

فيخيّر حبيبته بين عدّة أشياء يهديها لها في العيد ،وحين يجعل الورود خيارا في البيت الرابع يرى إنّ أجمل الورد عنده الذي نشق من خديها ، لكنّ هذا لم يمنع الشاعر العماني الراحل حميد الجامعي “أبو سرور” من ارسال وردة لمن يحب في مناسبة العيد في نص له عنوانه “وردة العيد” الذي بثّ من خلاله كلّ ما يريد قوله رغم قصر ،فهو يتألّف من ثلاث أبيات فقط هي :

وردة العيد والهنا وصلتني

في جناح البريد تبدي ابتسامه

قبلت ثغرها النقي شفاهي

وهي ثملى فلونت أحلامه

فاحفظيها حتى يوافي جناحي

تحت هدي السماء يرسي خيامه

ففي هذه الأبيات اختزل تجربة إنسانيّة واسعة ،من خلال نص سيبقى شاهدا على زمن كانت به العواطف صادقة ،وعفويّة، واليوم أعادتني تلك الكلمات إلى زمن الورود التي كانت تجفّف ، وترسل عبر الرسائل البريديّة ،في ذلك الزمن لم تكن الرسائل الإلكترونية عرفت طريقها إلى أعيادنا ، لتحوّل أفراحنا بالعيد ،وأمانينا إلى كلمات مطبوعة ، وصور، ورغم أن ورود أعياد أيّام زمان كانت تذبل بعد ساعات أو أيّام قليلة ، إلا إنها تظل تحتفظ برائحة مخثّرة تخترق أغلفة الطرود البريديّة ، إذا كانت مرسلة من أماكن بعيدة ،عكس الورود المطبوعة على البطاقات الالكترونيّة ،أو ايقونات الرسائل القصيرة في برامج التواصل الاجتماعي التي بلا لون، ولا طعم ،ولا رائحة ، وتتناثر بسخاء في كل رسالة ،وبالوان ،وأشكال مختلفة ،وتهدى بشكل عشوائي ،لكن وردة عيد “أبي سرور” ، تظلّ تحتل ّ مكانة في نفس المرسل إليه ، كتلك المكانة التي احتلّها طرد الزهور المجفّفة الذي وصلني من كاتبة صديقة كانت تدرس في لندن أواخر الثمانينيات ،فوضعتها على رفّ من رفوف مكتبتي ، ومن الغريب أن تلك الزهور ظلّت تنشر رائحتها سنوات ، عكس ورود هذه الأيّام التي سرعان ما تختفي بحركة واحدة لا تستغرق أكثر من ثلاث ثوان حين تتراكم الرسائل على الرسائل، والورود على الورود بخاصة في أيام أعيادنا هذه الأيّام ، لكن مع ذلك تظلّ وردة عيد ” أبو سرور” تفوح عطرا ، ونظلّ نردّد مع أمّ كلثوم رائعة بيرم التونسي ” الورد جميل …جميل الورد” .