19 ديسمبر، 2024 3:06 ص

وديع شامخ….. ما يقوله التاج للهدهد في مراتب الوهم

وديع شامخ….. ما يقوله التاج للهدهد في مراتب الوهم

صدرت للشاعر العراقي المغترب وديع شامخ  مجموعتان شعريتان هما ( ما يقوله التاج للهدهد ) عن دار التكوين 2008 ط1دمشق ، و ( مراتب الوهم ) عن دار الينابيع 2010 ط1 دمشق.
 الملاحظ على المجموعتين انهما صدرتا في زمنيين متفاوتين ، على الرغم من الإشارة التي وضعها الشاعر في الورقة التعريفية الأخيرة في مجموعته ( ما يقوله التاج للهدهد ) التي تؤشر على أن المجموعة ( مراتب الوهم ) كانت مخطوطة أثناء صدور المجموعة الأولى ، وهذا يؤكد ما سنطرحه على طاولة استغراق الشاعر في تعليق الأمل على غربته الجسدية أولاً وآخراً في طرح نصوص  هاتين المجموعتين إشكالية الجسد المغترب الجوال في بلاد الأجانب و كيف يعاني من عدم التعرف الثقافي والاجتماعي عليها ، وتبدو نصوص المجموعة الأولى لصيقة بهذا الاتجاه ، أي عناية الجسد باغترابه ، ففي ( الوجود في ظلمة النفق ص5).كل يوم أشطب عاماً من التقويم أرفع مظلتي خوفاً من
سقوط رأس اليوم الجديد على حلمي
رأسي حائر يحمل هذه الحواس المعطلة
الفم البليد ، ينطق ما تقوله الأذن
فجور العين تفوح روائحه من الأنف الباشط
جثة متعفنة تقود رأسي إلى متاهة اليوم التالي
وغربة الشاعر من غربة جسده ، وهو ( خارج النفق ص 7) لا يفرق بين أعضائه
بين الرأس والجسد والقلب
لا بد من فض الاشتباك
من يسأل وردة الليلك عن سوادها ؟
من يوقظ زهرة الصباح ؟
أيام رأسي تتكوم على متاهة الجسد
وغربة الجسد تنتقل إلى المكان والزمان المحددين لصورة الجسد المغترب كما في ( لحظة مكتنزة لرأس ماطر ص23).
في مساء المرايا العامر بالصدى، يقدم رأسي على طبق
من نشوة
ارقص أيها المساء
ارقصي ايتها الفضة المسكوكة على الشفاه
هز أردافك يا ذهب ، فالليلة ليست سواها
انتفخي يا أوداج البوق ، الليل طويل ، وليونة الجسد لاتقارع صحوة القيصر
وتتضح معالم الغربة خارج الجسد المفجوع بالنأي في ( ملامح سيئة الصيت ص33).
في الغرفة المشبعة بثاني أوكسيد الكاربون
والنوافذ مقفلة على أبوابها
تتشظى اليد لتعبث بخصلات الشعر المنهوك
أمام رأس مستباح
تتلوى كأفعى درداء خارجة من شرنقة الحواة
في فيء سفاهة حناجرهم
ويعدد الشاعر الأعضاء الجسدية التي تتعرض للاستباحة | أنغ ص34 أذن ص 35 عين ص 36 لسان ص 37 فم ص 38.ويظل الهدهد إشارة على مفترق التاج والسفر وغربة الجسد المنقول بسرعة البرق أو ألمح منه ، ليكون ( عظم الهدهد ص 53) مدخلاً لسحر الجسد النبوي
خرجنا من رحم صخري أعمدة للهياكل المقدسة
كلما زارنا نبي  يحرق الله تل ذنوب
لا ذنب لنا بسماع هسهسة الخبز المنتحر في التنور
نشم رائحة الهدهد المذبوح وسط قبورنا
وفي الغربة الجسدية يقع الاختيار على ثلاث خطايا في ( مراتب الخطيئة ص59).
تجلس على هرمي
وترث ثلاثاً
القلب حين ينشد الرحيل
الفم حين يذهب إلى حدائق الحس
الأيادي التي تلوح للحياة الثانية
وتبقى الذكرى هي الحالة النفسية الشاخصة هناك في غربة الكل ، بما فيهم الجسد وأجزاء الجسد وفي ( أتذكرك تماماً-كحمى طازجة -وأهذي ص 63) خلاصة لهذا المعنى
أتذكر يدي التي أسرت على معارج هضبتيك
دنت وتدنت من منحدر الكلام إلى غابة الطلاسم
((لا تزن يا صغيري))
–حرام
أتذكر لسانك الأحمر يهمزني — يلثمني ويرشني
بفاصل من الوصايا
لا تقتل
أتذكر  رضابك الذي جف على شمس حريقنا
نسيت ان القبلة في محضر الكلام خطيئة
وتتكشف الغربة الواسعة في حياة الشاعر الجسدية قبل الروحية كما في ( حين يتكلم الرمل في حضرته ويصدأ الكلام ص 81).
وهو يطارد حلماً هرب منه
تسكن في خاصرتي شوكة لامعة
كلما أغذ السير
تهش كلاب لذاتها وتمنحني نعمة التقوس
شوكة من فضة الصمت ، تخزني كلما هم فمي بارتداء الذهب
شوكة تعلمني ان الشفة المتورمة بالشبق تشطرها
سكين النوايا
ويفصح الشاعر وديع شامخ عن نية غربة الجسد في نص ( ما يقوله التاج للهدهد ص 94) مروراً  بنصوص مجموعته ( مراتب الوهم ) التي تعنى بذات الشاعر المغترب هناك روحياً ، وهي استكمال للأولى
طلسماً أطوح الهواء -وأتنفس المساءات الثقيلة بجناحي
وكأي عابر إلى المستحيل
لا بد من ستارة وغشاوة عيون
وعظم هدهد وكرسي
أما في نصوص مجموعة ( مراتب الوهم)فينصب اهتمام الشاعر على غربته الذاتية، وإحساسه بأن القطار قد فاته في اللحاق بهموم الوطن ، ليتقمص الوهم بمراتبه الدنيا ، فأول مرتبة من مراتب وهمه في ( بهجة على جناح الفجيعة ص 5)حيث تكمن الذات الحالمة بعد غياب الجسد في غربتها
أمامي على منضدتي وخلف ظنوني كانت الأقلام
مصفوفة والنوافذ مغلقة
أريد أن أكتري ساعة لفرحي من اليوم العزيز على
الساعات على ناسها النائمين على مقامة الوقت
اليوم أريد أن أكذب ظنون قلمي ووشاية عمره الغاطس في حبر الشبهات
والشاعر يشعر بمرارة النأي الروحي عن الوطن ، مثلما يدرك فداحة غربة الجسد ، لهذا فهو   ( يتجلى في صمته والبئر توقظه ص 11) للدلالة على الخيانة المتعمدة للروح مقابل الجسد التي يشعلها الإحساس بالغربة
لم أضع حبرأً على شفتي ، حينما قبلتك
دمي الذي رسمتك به صار تاجاً
لم أضع مشرطاً على الجرح عندما كنت أدون باحتراقي
تاريخ الجنون
لم أضع باباً لامتحانك في الدخول-
أنا الواقف على بئر الأسئلة
الوصايا تمزق ستار الوهن ، والوهم وبقايا النائم فينا من مساء الأبدية-
ويقر الشاعر بأن الغربة خارج الوطن لم تدرك للحلم بقية كما في ( أيام على أسفلت البلاد ص22).
إلينا ونحن نسير بالحلم إلى نهاية الهذيان-
مثقل بالحلم مزحوم بأيام تتناوب على انتصاب قامتي11 من شارع إلى جدار أتهجا تاريخ المدن
ماشياً أقطع الوصايا
وكعكة ميلاد  الديناصورات
والشاعر (بينلوب |عوليس تأملات متقابلة ص 41) يقتله الانتظار وطول  أمد الحظوظ
أقرأ الحظوظ وأمارس عادتي الملكية على طوابير الانتظار
البحر يمدني بسائل الاسترخاء
عوليس يشحذ أحلامي بالعاشقين
والعبيد يرفعون أغلالهم تحية للوافد الجديد
وينتهي الشاعر وديع شامخ إلى نتيجة مهمة وهي:  ان الغربة الروحية أعمق وأكثر حلمية في حالة المفاضلة بين الوطن والمشاعر في الجري وراء حلم عدم العودة في ( وبين عراق وسؤال ص67).
كانت الريح تستجدي العصافير
والقبور بلا شواهد تتضرع ليومها أن يكون بوسع نسمة
وبين عراق وصديق أتعثر بالطلاسم
أتعثر بالشمس وهي تضل طريقها للصباح
بين عراق وحلم
إذا الوطن في الغربة هو عبارة عن مرتبة من مراتب الوهم كما يقرر الشاعر في ( وطن أم حلم | منفى أم منأى ؟ ص73).
للوطن مرايا وسقوف وجدران وسطوح، وللمنافي شموس
وأقنعة
الوطن – الصورة الأولى والشجرة الأولى والغرسة القلقة
في حقل الكائن الغائم ـ القلق
المنفى هو الأرض المفترضة لهطول ما احتبس وهو
اللسان العارف والقصة والشهقة وبقايا الطفح الأحمر
على الروح
هو الهروب بالحلم إلى أقصاه
بمعنى ان الغربة والإحساس بالغربة ومحاولة التغلب على آثارها بالنجاح والخيبة هو كـ( نص في الأزمة ص81).
تلك العقوق وارثة السيادة أفاقت من سباتها لتعرف الألم
من جديد ، تمسك بأوراقها الثبوتية وتعلن التوبة العاشرة
من أين لي بمنكر ونكير وأكتاف العافين أوسع من
أحكام التوبة

أحدث المقالات

أحدث المقالات