يغادرنا العام 2023 وقد تعلّمنا منه الكثير، وممّا ثبت في هذا العام، أنّ لوائح حقوق الإنسان التي يتباهى العالم الغربيّ مجرّد أكذوبة كبرى، “فحقوق الإنسان” فيها ازدواجية يفرضها القويّ على الضّعيف، وتخضع لمقاييس الدّين، والأعراق، ولون البشرة، وأوّل ضحاياها العرب والمسلمون الذين تجري شيطنتهم في الغرب ضمن برامج وأجندة مدروسة. وقد ثبت في هذا العام أنّ الدّيموقراطيّة التي ينادي بها الغرب لها مقاييس لا يتقبّلها عقل سليم، فأيّ نظام يكون ديموقراطيّا -حسب مقاييسهم- بمقدار ما يخدم مصالحهم ولو على حساب شعبه ووطنه، وثبت في هذا العام 2023 أن لا قيمة للقانون الدّولي ولقرارات مجلس الأمن الدّولي، ولاتّفاقات جنيف الرّابعة، لأنّ القويّ هو من يفرض القوانين التي تخدم سياساته ومصالحه.
وفي هذا العام 2023 تأكّد للجميع أنّ الأنظمة العربيّة والإسلاميّة في غالبيّتها لا علاقة لها بالعروبة ولا بالإسلام، وما هي إلّا مجرّد حفنة من من الأتباع والعبيد يأتمرون بأوامر الدّولة الأعظم، تماما مثلما هي أوروبا، التي تدّعي الحضارة! فما أنظمتها سوى بوق يردّد صدى السّياسة الأمريكيّة، وهم مسلوبو الإرادة لا حول لهم ولا قوة.
وتأكّد في هذا العام أنّ رونالد ترامب الرّئيس الأمريكيّ السّابق صادق عندما وصف خلفه جو بايدن رجل يغفو وينام، لكنّه وللأمانة التّاريخيّة يستجمع قواه العقليّة عندما يتعلّق الأمر بالصّراع الشّرق أوسطي، وفي تصريحاته حول ضرورة استمرار الحرب لقتل الآلاف من الشّعب الفلسطينيّ دون أن يرفّ له جفن. وثبت للجميع أنّ هذا الرّئيس وسابقيه يكذبون على شعبهم وعلى الشعوب الأخرى، ولا عهد لهم ولا ذمّة، وأنّهم هم المسؤولون عن إراقة الدّماء الفلسطينيّة والإسرائيليّة، لأنّهم يرون أنّ مصلحة أمريكا في إدامة الصّراع الشّرق أوسطيّ من خلال إسرائيل قويّة وعرب ضعفاء، وما حديثهم عن حلّ الدّولتين إلّا أكاذيب تأتي في سياق فنّ إدارة الصّراع، فالرّئيس بايدن الذي وعد ناخبيه وأتباعه من الحكّام العرب في العام 2020، أنّه سيعمل على تحقيق السّلام من خلال حلّ الدّولتين، لم يجرؤ على تنفيذ وعده بقضيّة بسيطة هي إعادة فتح القنصليّة الأمريكيّة في القدس الشّرقيّة، وسيسجّل التّاريخ أنّ العلاقات بين أمريكا وإسرائيل أكبر بكثير من علاقات استراتيجيّة، فأمريكا دخلت الحرب الدّائرة على قطاع غزّة بشكل مباشر وعلنيّ للمرّة الأولى، وجرّت معها دولا أوروبّيّة وأعضاء في حلف النّاتو للمشاركة في هذه الحرب، وهذا يثبت أنّ إسرائيل ليست قاعدة عسكريّة أو حاملة طائرات أمريكيّة متقدّمة في الشّرق الأوسط فحسب، بل هي الولاية الأمريكيّة الحادية والخمسين غير المعلن عنها بشكل رسميّ. وتأكّد في هذا العام أنّ العالم الغربيّ بقيادة أمريكا يتجاهلون السّبب الرّئيسيّ للحرب الدّائرة على قطاع غزّة، وهو احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في العام 1967.
ويبدو أنّ طاحونة الإعلام الغربي الهائلة تدعم وتروّج بقوّة السّياسات الاستعماريّة التي تدعو إلى شيطنة العرب والمسلمين، وهذا ما دفع أحد الأمريكيّين لقتل طفل فلسطينيّ عمره ستّ سنوات في شيكاغو، وإصابة ثلاثة طلّاب جامعيّين فلسطينيّين في ولاية أمريكيّة أخرى بإطلاق النّار عليهم؛ لأنّهم وضعوا الكوفيّة الفلسطينيّة على رقابهم!
ولا يخجل قادة ” الأنظمة الدّيموقراطيّة” وهم يرون دماء آلاف الأطفال والنّساء التي تسفك، والدّمار الهائل الذي يلحق بالأبنية السّكنيّة والمستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس التي تتعرّض للقصف الجوّيّ والمدفعيّ، وكذلك قطع الماء والدّواء والغذاء والكهرباء عن مئات الآلاف من البشر، فهم لا يرون أنّ دماء البشر متساوية.
وبدا واضحا في العام 2023 أنّ غالبيّة الشّعوب العربيّة والإسلاميّة التي تحكمها أنظمة مستبدّة، لا تزال تسبح في بحور الجهل والتّخلّف، وأنّها لا تعلم مدى الضّياع الذي تعيشه.