18 ديسمبر، 2024 6:48 م

وداعا شهر رمضان ..الصوم بين زمنين

وداعا شهر رمضان ..الصوم بين زمنين

“اهلا رمضان اهلا .. جانه رمضان جانه .. مرحبا مرحبا شهر رمضان .. نحبو برشا برشا رمضان .. جيتو جيتو بخير رمضان ” وغيرها من جمل الترحيب التي تطلقها افواه المسلمين من المحيط الى الخليج بمقدم الشهر الفضيل ..
والان لنسأل هل ان محبة المسلمين ولهفتهم لمقدم للشهر الكريم جاءت لمكانة الشهر عند الله وكون ايامه ولياليه ما هي الا نفحات ايمانية وروحانية معطرة باذكار الباري ولعظمة الليلة التي يفرق فيها كل امر حكيم وجعل ايامه مغفرة للذنوب ونهاره مراجعة للنفس فيما ساعات ليله تستطيب فيها الروح ، ((اَم )) … وهذه ال (( أَم )) اجدها ستزعجكم ، قبل ان اعكر صفو صائمينا ، قبلها لأرجعكم الى زمن صدر الاسلام فتخيلوا صحراء الجزيرة العربية ، وعند ساعات الهجير اللافحة وحبات الرمال الناعمة توغز الوجوه وتعمي العيون ، يعيشون حياة بدائية ، فلا من مكيفات هواء ولا اشجار وارفة ولا مساكن مغلفة بالمرمر او الاجر على اقل تقدير ، بيتوتاتهم من طين ان لم يكن فقرائهم يلوذون الخيمة متخذيها مسكنا دائميا لهم ، ولا هناك من وسائل نقل حديثة اذ حتما لا طائرات تقلهم ولاهناك من سيارات ولا بواخر او مناطيد ، ايضا مجال الاتصالات لم يكتشف بعد فلا توجد لديه خدمات انترنيت 5G ولا حتى Zero G ولا فضائيات تعرض لهم باب الحارة او ابو جحيل او ليالي الحلمية وفوازير رمضان ، واما من ناحية طعاهم وشرابهم فان ما يتناولوه من اطعمة لا يعدو عن خبز ولبن وتمر ولحم على قِلّتهِ اي لا وجود للكنتاكي او البيتزا ولا الشاورما او اللزانيا ولا الاستيك المشوي والمسحب او الكباب لا وجود ايضا للمطاعم والكافيهات فلا من اركيلة بطعم الليمون نعناع ولا بالباونتي ولا ولا ، واما ان رغبوا قضاء ليلهم بسعادة وفرح فهم يذهبون الى زعيم القبيلة لمسامرته وهؤلاء شريحتهم هي من الوجهاء والتجار الكبار فيقضون ساعات الليل ” يكرعون خمر اللازورد ويمزمزون باللحم المقدد فالكرزات والجاجيك والتشيبس واللبلبي المطبوخ ب “مي الفروج ” لم تكتشف بعد ، واما شريحة الفقراء وبعد افطارهم يقصدون بيوتات المرح والترح والوناسة وهي بيوت مترامية هنا وهناك يتلذذون فيها بالنساء والغلمان وشرب الخمر ، واما تراويحهم كانت النقر على الدفوف وهز الوسط ودعائهم فيها سلام وئام ليبقوا على هذه الحال حتى يأتي حجي “بلال الحبشي” ليقض اسماعهم بإقامة الآذان ، هنا ارجوكم تخيلوا أمية وابو جهل وعكرمة او ابو سفيان وهم يستمعون لصوت العبد بلال والذي امسى حرا بليلة وضحاها ليس هذا فحسب بل اصبح يأمرهم التوجه الى اقامة الصلاة وهو بالامس القريب كان عبدا مطيعا ينفذ كل ما يطلبه سيده منه دون ان ينبس ببنت شفة او يعترض فالسوط حاضر ان فعلها حيث ستفتح ببشرته السمراء اخاديد الدماء ف ” الله يساعد جبدتك يا ابو سفيان يمكن بساعته ودك تصعد لبلال وتشمره من السطح ” .
لنتكلم بمنطق الان ونقول ان المسلمين في صدر الاسلام كانوا حين يسمعون بمقدم الشهر الفضيل يصيب الكرب قلوبهم وتنمغص وهم في حالة من الجزع والنفور ، فكيف نسمع منهم قول ( اهلا اهلا رمضان ) هذا ان لم يكن بعضهم يقول ” لا مرحبا بقدومك فلا ترحيب له ولا هم يحزنون .
كان المسلمون الملتزمون لنقل وليس المنافقون او اصحاب المصالح او من أولئك الذين اعتنقوا الاسلام ” على الهوبعة ” فهم اعتنقوه لا من وعي او دراية او ايمان حق به ، هؤلاء تكون ساعات صيامهم صعبة جدا ولذا فقدوم الشهر كان يُشكّل لديهم تحد كبير يحتاج الى الصبر وقوة التحمل ووفرة في المال خصوصا ان اتى ايام الصيف الحارة ، واما في ايام الزمهرير فتصوروا حال فقرائهم كيف يكون وتيارات البرد تمخر عباب اجسادهم التي تلتحف مأزرا بسيطا مع ان فيهم من لايمتلك حتى ذلك المأزر فيبيت وجميع فرائصه تهتز من البرد فلا دفء يتلذذ به وان حضن زوجه حتى الصباح .
لآتي بكم الآن الى حيث المكان الذي تركت فيه سؤالي عن ال (أَم )والتي قلت انفا انها ستزعجكم !! . فما بات ظاهرا ان اغلب المسلمين ينتظرون الشهر الكريم بفارغ الصبر كونهم يرغبون باستحصال الاجر والثواب خلال ايامه فهي تحمل من فضائل تذهب لغفران الذنب غير انها باتت اليوم اياما يسهل معها الصيام دون عناء فهي “جميلة جدا ومريحة و ” حلوة قوي ” على قول اخوتنا المصريين ، بل هي باتت ايام متعة وفرفشة ” غير مهتمين بالجوع ولا العطش فالمكيفات ” تضرب على بطونهم بايام الحر ، حتى ان بعضهم صار ينام النهار باجمعه واما ليلهم ف ” سهر وسرمحه ” او تكون عبارة عن جلسات رمضانية يطوفون حول بلدانهم لما تمر به من واقع مر لبعضها او كما يقال ، يتلذذون بأكل لحوم اخوانهم باستغابتهم ، او لا يقضون لياليه بعقد الصفقات وعمل البزنس وتخللها اكلات البقلاوة والحلويات بانواعها ، ثم هناك من تستطيب ليله باللهو بلعبة البوبجي او الخماسي او ممارسة لعبة المحيبس ” وجسده مُقْشَعًر من برودة الجو فيضطر لتدفئته بالبطاطين .
اليوم يتسلى الشباب المسلم العابد الزاهد بعد ان ” ضرب التشريب والمسكوف او الكنتاكي او اي من مأكولاتنا الحالية بالذهاب للكوفيات وممارسة لهو الاركيلة ووناسة سماع الاغاني او بالتسمر على التلفاز ليشاهد المسلسلات والبرامج الرمضانية ، ومع انه يحاول الالتزام بالشهر الفضيل غير انه بعض الاحيان يضعف ف ” تجد عينياه وَدَتا لو تخرج من محاجرها وهو يشاهد المطربات الحسناوات او المشاهد القريبة من الخلاعة ، ولو لا حضور ” هادم اللذات – زوجته ” لكان وقع في المحظور ، ومع وضعه المأساوي وكم المعاناة النفسية التي هو يعيش لحاظها فحال لمح زوجته اقتربت منه ، يذهب للتنمر او التذمر امامها بالقول ” هاج شوفي بله هاي برامج مال رمضان ميستحون ميكولون هذا شهر فضيل وشهر بي حرمة وهو رحمه وخير وعبادات ليختم جنجلوتيته ب الله واكبر ” بينما هو بداخله يفور كما ( تركيبة التمن – الرز ) وهي على النار من شدة وجعه وهو يشاهد دخول الجمال ” ممثلة او مطربة ” كله على القباحة كلها ” زوجته – مراتو ” ، واما ان كان الرجل متقدما بالسن و ” زكورتي – أعزب ) فهنا مشافت عينك الا النور او حسب مايقال فحدث ولا حرج وربنا يكون بعونو بقه .
الحراك الحضاري لابد منه فلا ثابت يستطيع الصمود والديمومة ولابد والزمن ان يدور دورته والحال يتغير والثقافات تتبدل والحضارة تدخل علينا رغم انوفنا لكن لابد والمقارنة بين فترتين ومنه نستطيع الجزم من ان المسلم بصدر الاسلام ولما تكون اركان صيامه قائمة كان يتحصل الأجر أكثر مما يتحصله المسلمون في الوقت الحاضر وان اقام جميع اركان الصيام وادى جميع العبادات ، فنتيجة لقساوة الطبيعة اولا ثم قساوة النفس البشرية وارضاخها وهي صاحبت الانفة لتتساوى مثلا مع عبد كان بالامس القريب يداس صدره باقدامه او يشبعه جلدا بسياطه . ثم مقدار تضحيتهم واقصد زعماء ووجهاء قريش بمكانتهم وقوة جبروتهم بوقتها وايضا لا هناك من وسائل ترفيه وكحضورها الان كل هذا جعل منا ان نفاضل بين مقدار ما يتحصل مسلمو صدر الاسلام والمسلمون بزمننا الحالي من اجر ، والاجر على قدر المشقة كما يقال ووداعا شهر رمضان .