(دخل عبدالملك مهرولا إلى الصالة فإذا بمروان جالساً على كرسيه الدوار أمام الطاولة الكبيرة التي تتوسط الصالة ويقابله في الطرف الآخر للطاولة، عبدالله جارهم، وعبدالله هذا ضخم الجثة بشكل واضح وقاسي الملامح ومقلوب الشفتين، على حزام خصره علب تبغ كثيرة، يصرخ ويرتفع صوته بشدة وهو يرتكز بذقنه – في جلسته – على يد عصا غليظة يمسك بها، بينما مروان يمسك بكتاب.. )
مروان : (مخاطباً جاره الرجل الضخم ويحرك كرسيه الدوار يميناً ويساراً) إن كتاب تشارلي ديكنز هذا ” وداعاً أيتها السيجارة ” هو أعظم كتاب ظهر في عالم الكتب للإقلاع عن التدخين وهو من أكثر الكتب مبيعاً في العالم
…….
عبدالله: (بصوت عالٍ ) بل وداعاً أيتها الحياة.. من قال لي اصدقك من من قال لي أقوم أعمل ثورة على علبة سيجارة واحدة ادخنها في اليوم؟
يصمت قليلا ثم يخرج علبة التبغ (ويشعل سيجارة).
مروان : ( يضع نظارته ) اسمع ما يقوله المؤلف في مقدمة الكتاب (يشير نحو
الكتاب ويبدأ القراءة ) وخلال الفترة التي كتبت فيها هذا الكتاب كنت أدخن 150 سيجارة يومياً، لكن ما إن ظهر كتابي هذا في السوق حتى اشتريته فوراً، وقرأته مرتين وبعد المرتين امتنعت عن التدخين نهائياً”…
( احتدت نبرة صوت الرجل الضخم وتململ بذقنه فوق يد عصاه الغليظة، بينما استمر مروان في القراءة..)..
مروان: ثم اسمع يا سيد عبدالله ماذا يقول الناشر على غلاف الكتاب الذي بيع من إلى الآن خمسة ملايين نسخة وترجم إلى خمسة وعشرين لغة..” إن هذا المؤلف العظيم والغائص في أعماق النفس البشرية والعليم بأسرارها لا يطالبك أبداً بقوة الإرادة للإقلاع عن التدخين، بل هو يتبع معك طريقة
جذابة وجديدة وغير تقليدية إطلاقاً تدفعك لأن تقول للسجائر ” bye ” ! فما الذي أغضبك منه يا سيد عبدالله ؟؟
عبدالله : (ينهض معلقاً عصاه الغليظة بذراعه وانقضت يداه على الكتاب وراح يقلب صفحاته بعنف شديد، ثم صاح في صوت مخيف) أقرأ يا مروان صفحة
10.. (و راح يضربها بكفه في عصبية شديدة وقد اشتد صراخه وتعاظم غضبه.. ثم يشعل سيجارة ).
مروان : ( أخذ يقرأ صفحة عشرة ) ماذا بهذه الصفحة يا عبدالله ما بها.. يقول المؤلف ” والآن فلنجرب، لنعقد امتحاناً بسيطاً لإرادتك.. أخرج سيجارة من العلبة…هل تشعر برغبة في إشعالها ؟؟ كلا… كلا.. لن أقول لك كن قوي الإرادة.. هذا كلام سخيف وغير عملي إطلاقاً.. يمكنك أن تشعلها لأن هذا ضروري لخطوات العلاج.. الآن خذ نفساً عميقاً.. لذيذة.. أليس كذلك ؟! أعرف هذا.. الآن أغلق هذا الكتاب واستمر في تدخين السيجارة دون أن تفكر في شيء مما قلته لك، على أن نلتقي في الصفحة القادمة بعد أن تنتهي من تدخين السيجارة.”.
عبدالله : (بغضب وقد انتهى مروان من قراءة الصفحة…) يقول المؤلف لك يا
مروان اقرأ الصفحة القادمة صفحة 11..(ويشعل سيجارة )..
مروان : (يفتح صفحة 11 ويأخذ في قراءتها ) ماذا هناك يا عبدالله يقول المؤلف “..أخرج سيجارة من العلبة…هل تشعر برغبة في إشعالها ؟؟ كلا… كلا
..لن أقول لك كن قوي الإرادة.. هذا كلام سخيف وغير عملي إطلاقاً ..يمكنك أن تشعلها لأن هذا ضروري لخطوات العلاج.. الآن خذ نفساً عميقاً.. لذيذة.. أليس كذلك ؟! أعرف هذا.. الآن أغلق هذا الكتاب واستمر في تدخين السيجارة دون أن تفكر في شيء مما قلته لك، على أن نلتقي على الصفحة القادمة بعد أن تنتهي من تدخين السيجارة.”
عبدالله : (صائحا) اقرأ صفحة 30 و40 و55 و100 و113و170و220…الذي يعجبك يا مروان… (يتنهد ويشعل سيجارة).
مروان : (يفتح صفحة 100 ليقرأ ) يقول المؤلف ” والآن دعنا نعقد امتحاناً آخر..
..أخرج سيجارة من العلبة…هل تشعر برغبة في إشعالها ؟؟ كلا… كلا ..لن أقول لك كن قوي الإرادة.. هذا كلام سخيف وغير عملي إطلاقا ..يمكنك أن تشعلها لأن هذا ضروري لخطوات العلاج.. الآن خذ نفساً عميقاً.. لذيذة.. أليس كذلك ؟! أعرف هذا.. الآن أغلق هذا الكتاب واستمر في تدخين السيجارة دون أن تفكر في شيء مما قلته لك، على أن نلتقي في الصفحة القادمة بعد أن تنتهي من تدخين السيجارة.”
عبدالله : (صائحاً ويشعل سيجارة ويأخذ نفساً عميقاً) اقرأ صفحة 230 آخر صفحة في الكتاب..
مروان : (يفتح صفحة 230 ليقرأ ما كتبه المؤلف ويتحرك بكرسيه الدوار يميناً ويساراً ) ” والآن تعال نجرب حظنا في امتحان آخر…أخرج سيجارة من العلبة…هل تشعر برغبة في إشعالها ؟؟ كلا… كلا.. لن أقول لك كن قوي الإرادة.. هذا كلام سخيف وغير عملي إطلاقاً.. يمكنك أن تشعلها لأن هذا ضروري لخطوات العلاج.. الآن خذ نفساً عميقاً.. لذيذة.. أليس كذلك ؟! أعرف هذا.. الآن أغلق هذا الكتاب واستمر في تدخين السيجارة دون أن تفكر في شيء مما قلته لك، على أن نلتقي من جديد على صفحة 10 بعد أن تنتهي من تدخين السيجارة “.
مروان : (متسائلا في دهشة) ما الذي يغضبك في هذا الكتاب العظيم يا عبدالله ؟!
عبدالله : (بأسى وحزن ) لقد قرأت كتابك هذا ست مرات في ستة أيام متوالية، وكنت أدخن علبة واحدة في اليوم فأصبحت أدخن 220 سيجارة في اليوم بعدد صفحات الكتاب ابتداءً من صفحة 10، فالمؤلف مصمم على أن
أدخن السيجارة التي أخرجها من العلبة مع كل صفحة بحجة أن هذا ضروري… فهذه طريقة علمية حديثة تستحث الضغوط على الإرادة، ولهذا…. (يصمت قليلاً ثم يندفع وهو يبكي ) مشكلتي الآن أنني اعتدت على تدخين 220 سيجارة في اليوم فماذا أفعل ؟؟
مروان : (مبتسماً وبهدوء شديد) لا شيء.. فقط اقرأ الكتاب من جديد..
(في نفس اللحظة كان عبدالملك ينظر إلى عبدالله وهو يبكي ثم اقترب منه وهمس في اذنه أضربه بالصميل وأنا سأحل لك مشكلتك وبدون أي كتب)
(في هذه اللحظة و في أقل من ثانية، أمسك عبدالله بعصاه الغليظة وهوى بها في ضربةٍ واحدة على رأس مروان فتكوم على الأرض، ثم أنصرف عبدالله مزمجراً.. ).
عبدالملك : (يصمت لحظات مرعوباً خشبية أن يكون مروان قد مات ثم لم يلبث لاحقا لعبدالله)
توقف عبدالله في الطريق بعد ان سمع نداءات متكررة لعبدالملك:
عبدالملك: اوه اوه لقد برد قلبي بما فعلته بمروان والان عليك أن تتبع مشورتي حتى تتخلص من السجائر للأبد..
عبدالله: أولا عليك أن تعلم أنني لا أملك أي مال يكفيني للتدخين فإن كانت هناك أي اضافات فأنا في غنى عنها..
عبدالملك: ولا تكاليف ولا هم يحزنون (في تلك اللحظة كان عبدالله منتظر بشره ما سيقوله عبدالملك فما كان منه إلا أن أدخل يده إلى جيبه وأخرج كيسا من الشمة ) تفضل هذا الكيس وهو على حسابي فقط كل ما عليك فعله هو أن تتبردق كلما شعرت بحاجتك للتدخين ولن يمر سوى أسبوع فقط حتى تكون قد اقلعت عن السجائر للأبد.
عبدالله: هل أنت متأكد يا عبدالملك..؟
عبدالملك: أكيد يا ذاك وانت بتشوف النتيجة ونلتقي بعد أسبوع..
(يفترقان ويذهب عبدالله إلى حال سبيله..)
بعد أسبوع كان عبدالله قد أدمن على الشمة لكنه لم يتمكن من الاقلاع عن السجائر فكان يدخن مائتان وعشرون سيجارة ويتعاطى عشرة اكياس شمة وقد شهد أناس يعرفونه أنهم وجدوه يتسول ليغطي احتياجاته..
لقد تخلى عبدالله أيضا عن طرح الاسئلة التي قد تجعله يفهم لماذا فعل به مروان وعبدالملك ذلك به رغم أنهم جيران إلا أنه بعد ان باع منزله بسبب السجائر والشمة جاء إليه من يخبره بأن المشتري كان مرسلا من مروان وعبدالملك وقد تشاركا واستثمرا موقع منزله وصارا اثرياء جداً جدا..