مجاهدة.. جاهدة في تربية خمسة أبناء: (قيس.. ونبيل.. ونبال.. وابتهال.. ومنهل ).. مثلما كانت الزوجة الصالحة تشد أزر زوجها.. الشخصية الهادئة المعروفة بنزاهتها ووطنيتها.. وظلت تلكم الام والزوجة والمربية لأجيال عراقية عديدة.. ولم تتغير أبداً عندما أصبحت سيدة العراق الأولى.. بقيت حرم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف تلك المعلمة التي تحبها كل الطالبات.. وكل الجيران.. ومن ثم كل العراقيين.. استمرت بتلك المعاني والممارسات.. المرأة والام المتواضعة.. وزوجة الرئيس العراقية الاصيلة.. التي لم تغيرها المناصب والمواقع القيادية.. كزوجها الرئيس المتواضع الانسلان العراقي الاصيل ..
ظلت أم قيس تشعر بالفخر والاعتزاز كعراقية.. وكحرم الرئيس العراقي.. رافقت زوجها في زيارته الرسمية لإيران في زمن الشاه.. مثلما رافقته في زيارته الى مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.. وكذلك ورافقته في زيارته المشهورة الى فرنسا في زمن الجنرال شارل ديغول.. ومثلت أفضل تمثيل.. واعطت للمرأة العراقية الاصيلة في سلوكها الحضاري.. وفي ذوقها الرفيع وملابسها الوطنية الأصيلة.. فكانت خير من مثل المرأة العراقية.. لتضيف الى هذه الزيارة المكانة للمرأة العراقية.. مثلما أعطى المرحوم الرئيس عبد الرحمن عارف لهذه الزيارات مكانة للعرق في دول العالم ..
الحاجة (أم قيس) زوجة الرئيس عبد الرحمن عارف أسمها: (فائقة عبد المجيد فارس العاني).. وهي من مواليد مدينه عنه – الأنبار العام 1924.. أكملت دراستها الابتدائية في الفلوجة.. ثم ارسلها والدها الى دار المعلمات في بغداد.. وقد تم تعيينها بدرجة (معلمة) في مدرسة الخالدية في كركوك العام 1944.. وذلك بعد مرافقتها لزوجها في تنقلاته العسكرية ضمن صفوف الجيش العراقي.. ثم انتقلت بعد أعوام إلى بغداد للعمل في مدرسة (الخنساء الابتدائية) في شارع الضباط بالأعظمية.. ثم الى مدرسة (14 رمضان) بمدينة اليرموك في بغداد.. التي ظلت تمارس التعليم فيها حتى العام 1966.. وهو العام الذي أحيلت فيه إلى التقاعد ..
كان والدها المرحوم عبد المجيد فارس مديراً لمدرسة ابتدائية في الفلوجة.. ثم عمل مديراً لدائرة انحصار التبغ في الموصل.. انتقل بعدها إلى دائرة انحصار التبغ في البصرة ..
واجهت أم قيس الحياة بكل حلوها ومرها.. كما إنها واجهت أصعب الظروف.. وأكثرها قسوة وضراوة بعد الإطاحة بحكم زوجها.. لكنها لم تتحدث أبداً عن مسلسل المنغصات والمضايقات.. التي التصقت بحياتها وبأسرتها.. إذ تمكنت بحكمتها.. وبإيمانها الراسخ بقدرة الله وعظمته أن تتغلب على كل الصعاب.. وأن تتجاوز العقبات المميتة.. فاختارت العيش بهدوء مبتعدة عن زخرفة السياسة وزيفها..
هذه الشجاعة والصبر على الملمات..والإيمان بالله.. وحب الوطن والعراقيين غرستها في تربية أبنائها.. فربيتهم تربية عراقية أصلية..
فوقف الشعب العراقي إلى جانبها في رحلاتها الاضطرارية خارج الأرض التي ولدت عليها.. وخارج التربة التي تربت في مرابعها.. حتى وافتها المنية في الثامن من حزيران الجاري (2016).. في الأردن بين أولادها وأحفادها.. ورافقها جمع غفير من المحبين والمخلصين إلى مثواها الأخير ..
سيدتي (أم قيس) .. نامي
لسان حال أبناؤك يردد سوية ً:
رفعنا رأسنا في السماء..
فرأينا وجه أمنا في حلل .. ورأينا نور البدر يرسم طيفها.. والبسم منها كالدرر..
أطرقنا رأسنا في سكون .. و الدمع قد ملأ الجفون ..
والفكر منا في شتات.. ما بين الذكرى والممات ..
في حضن تلك الغالية.. وتارة والدمع منها هاوية ..
ما بين همسة صوتها .. ودفء يديها الحانية..
تضحك.. وتحكي قصة.. وأخرى من مواقفي الباكية ..
ونمضي في تلك الربوع .. فيفوح عطر لها في آنية ..
وتظل تلك الذكرى بنا تدور!!
حتى ساعة وداع كانت فاصلة ..
فيلجم الكون السكوت.. و يكذب علينا الباقية !!
حقاَ أفقدناك أمي يا ترى ؟! ..
أم أننا في الحلم الحالمة !!
وقع المصاب و كل شيء منا في وجل !!
أين أين الغالية ؟!
فزادت دموعنا في نحيب ..
و رفعنا رأسي ثانية !
ورفعنا الكف منّي في خضوع ..
يا ربُّ ارحم ارحمها أمنا الغالية.. أم العراق ..
وبعد : ماذا أقولُ : لهذه الأم الحنونة الطيبة المضحية الصالحة ؟ التي أفنت حياتها في تربية خمسة وتعليمهم ليكونوا قدوة في مجتمعهم ؟.. ومثلت الام العراقية خيرتمثيل : تبقين سيدتي : الشمعة التي لا تنطفئ.. وأنتِ في مثواكِ الأخير.. (أم قيس .. الجنة تحت أقدامكِ) ..
إن عزاءنا فيك شهادة الناس فيك.. فمن تلقى خبر رحيلك إلا ذرف الدمع.. وتوشح الحزن ألماً لفراقك.. وحسرة على غيابك..واسترسل بذكر محاسنك.. وانهال بالدعاء والمغفرة لك.. نسأل الله أن يتغمدك بوافر جناته، ويلهم أهلك الصبر والسلوان.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.