جاء اليوم الذي يحق لنا القول فيه “بالدموع وحدها تصلح الكتابة”، ودّع الوسط الثقافي العراقي والعربي، الأديب الكبير جمعة اللامي، في تشييع مهيب انطلق من مبنى اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، بحضور جمع غفير من الأدباء والمثقفين ومسؤولين، ليكون له وداع يليق بمكانته، وحجم منجزه، وعمق أثره في ذاكرة الأدب العربي الحديث. فقد ترجل فارس القصة، وغاب الجسد، لكن بقيت كلماته شاهدة على حضور لا يُمحى، وروح أودعها في السرد واللغة، وفي الوطن الذي أحبه حتى الرمق الأخير، كان جمعة اللامي أديبا استثنائيا، لم يكن يكتب الحكاية فحسب، بل كان ينحتها نحتا في صخر الوعي، ويصبها في قوالب من الألم والأمل، ويغزل منها صورة العراق، ذلك الوطن الذي ظل يؤرقه ويضيء مخيلته في آن،وقد شاء القدر أن تفيض روحه في ديار الغربة، في دولة الإمارات العربية المتحدة التي احتضنته في أعوامه الأخيرة، لكنه عاد، كما يعود الأوفياء، محمولًا على الأكتاف، ليُدفن في تراب الوطن الذي طالما تغنى به وكتب لأجله ومن أجله، وإن كان الموت قد أطفأ وهج الجسد، فإن الوطن لم يُطفئ جذوة الوفاء، ليُعاد إلى أهله، وقرّائه، ومحبيه، في مشهد وفاء قلّ نظيره، إنها خطوة لا تعبّر عن مجرد إجراء إداري أو مبادرة إنسانية، بل هي فعل ثقافي بامتياز، يليق بمبدع بحجم جمعة اللامي، الذي يمكن أن نطلق عليه بحق لقب “أديب بحجم وطن”، لا لتوصيف حجم منجزه الأدبي فقط، بل لما مثّله من رمزية عالية في وعي العراقيين، وفي ضمير كل قارئ عرف معنى أن يكون الأدب مقاومة، والكلمة مِعولًا لحفر الحقيقة، لقد تحوّل مبنى اتحاد الأدباء، في لحظة الوداع، إلى محراب يليق بكاتب أنجبته الأرض، وربّته المعاناة، وخلّدته السطور. كان الوجوم مخيمًا على الوجوه، وكانت العيون تفيض بصمتٍ نبيل. ولم يكن المشهد مجرد جنازة، بل كان بمثابة محطة تاريخية في وداع جيلٍ من الأدباء الذين صاغوا ذائقتنا وهويتنا الثقافية على مدى عقود
هكذا غاب جمعة اللامي، لكنه ترك من ورائه إرثًا لا يُنسى، وشواهد من الحروف لا تموت، وستظل مؤلفاته، ومواقفه، ومقالاته، حيّة في ضمير الأمة، تنبض بالحياة كلما همس قارئ بسطر من سطوره.