24 ديسمبر، 2024 2:44 ص

ونحن نودع العام الحالي…  سنحاول أن نلقي نظرة  وعملية ُ جَردِ حسابٍ  سريعتين لأشُهُرهِ واسابيعهِ  التي مضت ومالذي تغير في أحوال العراقيين وامُورهم الحياتية والمعيشية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وفي كل مناحي ومفاصل ومؤسسات الدولة نحو الأفضل. ومالذي أستمر على حاله ومالذي تراجع وصار أسوأ  حتى من الأعوام الماضية.
مبدئياً نجحت الحكومة الحالية نجاحا وطنياً واضحاً وملموسا في القضاء على مظاهر التبعية الحزبية والمحاصصة الطائفية التي سيطرت لعقد من الزمان على المشهد السياسي العراقي منذ سقوط بغداد وانتهاء نظام البعث الفاشي القمعي،  وذلك من خلال جملة من الإصلاحات السياسية التي بدأت بها حكومة الدكتور حيدر العبادي منذ العام الماضي وتضمنت القوانين والتشريعات وحزمة الإجراءات التقشفية  وفرض الرسوم والضرائب ودمج الوزارت وتقليل الملاكات العاملة في مؤسسات الدولة خاصة الحزبية … وهو ما قلص  من نفوذ الأحزاب وميزانياتها الضخمة (الانفجارية) وسرح الكثير من الحكايات الشخصية والحرس الخاص الملحق بها و الذي كان يستهلك  جزاء ا غير يسير من  موارد الدولة..  وأطلقت العنان في إختيار الوزارء و المرشحين من (التكنوقراط والمتخصصين وأصحاب الكفاءات) وليس فقط بالاعتماد على مرشحي الأحزاب والكتل من (أصحاب  الثقة الولاء الأعمى) لهذه الشخصية السياسية أو تلك ولهذا المرجع الديني  دون ذاك أو لهذا الحزب وهذه الكتلة وليس تلك… صحيح أن الحكومة ظلت مقيدة اليدين بعد أن واجهت حربا شعواء من رموز وحيتان الفساد وواجهت ضغوط  داخلية و خارجية كبيرة جدا للإبقاء على هذا الوزير وتأجيل محاكمة ذاك المسؤول وعدم فتح ملفات خطيرة في الوقت الراهن،  أهمها على سبيل المثال لا الحصر الملفات والتحقيقات النيابية ولجان النزاهة البرلمانية في سقوط (الموصل) تحت إحتلال داعش دون مقاومة تذكر وانسحاب الجيش العراقي والقوات الأمنية منها بشكل مفاجيء ومريب!وهل كانت هناك مؤامرة خارجية لإسقاط الدولة العراقية كما برر المسؤولين حينها ! ؟ والأسباب والدوافع التي زجت ّْ بالآلاف من النساء الشباب والرجال  في سجون ومعتقلات بغداد وكل المحافظات الأخرى دون توجيه تهم ثابتة وموثقة ولا محاكمات عادلة ولا حتى شكلية خلال الحكومات السابقة ..  والتحقيق في كل جرائم القتل والاختطاف والتصفيات العرقية وانتهاكات حقوق الإنسان التي كانت ومازالت تجري بشكل منظم وممنهج  ومن يقف خلفها  ويتستر عليها ويغطيها أمنيا؟؟! وشهدنا ولأول مرة في العراق خلال هذا العام  تقديم وزراء لاستقالاتهم بشكل طوعي وشعورا منهم بالمسؤولية الأخلاقية وتحمل وزر الأخطاء والثغرات الأمنية كما فعل السيد وزير الداخلية والذي مازال منصبه شاغرا،  وكما فعل وزير الخارجية وأن لم ينفذ إستقالته ومازال يشغل المنصب ..  وكما أقيل السيد وزير الدفاع الذي تمت إقالته وسحب ُ الثقة ِ منه على خلفية تهم فساد وصفقات سلاح وجهها له البرلمان ودافع هو عن نفسه بأن الفاسدين  في البرلمان هم وراء إقالته لأسباب شخصية وخلافات حزبية،  واحتفى به الشعب فور كشفه لملفات الفساد التي أُريد َ توريطه بها واعتبروه منتصرا ً رغم سحبِ  الثقة منه ومازال منصبه شاغرا حتى الآن.
كما اعتمدت  الحكومة صيغة التوافق الوطني والمجتمعي في حلّ كل القضايا موضوع الخلاف بين الأحزاب والكتل السياسية  وأهمها الخلاف السياسي الذي عصف بالبرلمان خلال الأشهر الماضية  إثر طرح رئاسة الوزراء ملف الإصلاحات السياسية  وتغيير الكابينة الوزارية وتشكيل حكومة (تكنوقراط)..  وهو ما عرض مبنى البرلمان لهجوم المتظاهرين السلميين ودخولهم عنوة مقر البرلمان معلنين نفاذ صبرهم من مماطلة وتسويف الكتل والأحزاب في تمرير ورقة الإصلاح السياسي والتصويت على الكابينة الوزارية..، بعد عدة مُهلٍ زمنية قدمها  لهم زعيم التيار الصدري السيد (مقتدى الصدر) المشارك الأكثر بروزا ورمزية في التظاهرات الشعبية المليونية المطالبة بالإصلاح والتغيير السياسي ومعه جموع المتظاهرين  من التيارات المدنية والفئوية والعمالية والنقابات، وما تزال الحكومة ترواح مكانها منذ عودة الأمور إلى نصابها واستئناف جلسات البرلمان العادية والطارئة للتصويت على القرارات والتشريعات المهمة.  حيث واجهتها عقبة (الاستجوابات البرلمانية وجلسات سحب الثقة) التي وجه لها الشعب تهمة (التسيس وتصفية الخلافات الشخصية ومحاربة أجهزة الدولة  القوية واستبعاد الوزراء الشرفاء و المحايدين واقصائهم لدوافع سياسية وحزبية ضيقة)… وهو نفس الإتهام الذي وجهه السيد مقتدى الصدر لنواب دولة القانون الذين يسعون لأستجواب محافظ بغداد (السيد علي التميمي) على خلفية تهم فساد وملفات سؤ إستخدام السلطة وعقد صفقات غير قانونية..  وتهم أخرى عديدة بينما يدفع المحافظ بأن طلب الاستجواب مسيس ويقوده جناح وفصيل سياسي واحد ضده،  وأنه سيكون  الخصم و الحكم ويدبر لسحب الثقة منه مهما قدم من أدلة وبراهين تثبت براءته ونزاهته..  وكما حصل  في استجوابات سابقة.نجحت الحكومة أيضا نجاحا ً باهرا ً في إعادة هيكلة الجيش العراقي وتشكيل القوات الأمنية المساندة له  بكافة فصائلها وتشكيلاتها وتطوير جهاز الشرطة  وجهاز مكافحة الإرهاب ..  

وأعادت العلاقات بين المركز والإقليم وبدأت بلقاءا ت مكثفة مع رئيس الإقليم منتهى الولاية وكل السياسيين الأكراد لبحث المشاكل العالقة وحل الخلافات وادماج قوات البشمركة الكردية لأول مرة ضمن القوات النظامية في معارك تحرير نينوى …. وضَّم فصائل الحشد الشعبي والحشد العشائري تحت إمرة وقيادة القائد العام للقوات المسلحة، ومشاركتها في معارك تحرير محافظة الأنبار ومحيطها، ونجحت في تطهير الفلوجة من فلول ” داعش الإرهابيين المرتزقة “وأعادت النازحين منها وتعمل على إعادة تعميرها واندماجها في المجتمع، واحكام الحشد العشائري من أبناءها وشرطتها المحلية قبضتهم الأمنية والمجتمعية لمسك الأرض بعد إنتهاء معارك التحرير.  كما انطلقت بالجيش وتشكيلات جهاز مكافحة الإرهاب ومساندة فصائل الحشد الشعبي في طريق النصر نحو معارك تحرير (الموصل)  وتطهير محافظة نينوى وكامل التراب العراقي من دنس الإرهاب وشراذم التنظيم الإرهابي الاشرس وهاهو العام 2016 يوشك على الإنتهاء و توشك أن تنتهي معه أسطورة (داعش) على يد أبناء العراق العظيم وجيشه البطل.نجاح آخر لابد من ذكره هو التفوق الأمني والاستخباراتي الذي مهدت له الحكومة بإطلاق المنظومة الأمنية الحديثة وتزويد العاصمة بغداد (بكاميرات المراقبة)  مما يمكن معه الاستغناء عن المئات عن (السيطرات)  و الكمائن الأمنية التي سيطرت على حركة الشارع، وعطلت انسيابية المرور وحركة الناس بشكل طبيعي وأسهمت في ازدحامات واختنافات مرورية يومية في أغلب شوارع العاصمة..  والتي عكر صفو فرح العراقيين  بها وتنعمهم  جميعا ًبالأمان  الذي كنا نتوقعه منها ومن كوادرها المشرفة عليها و التي تلقت أعلى التدريب والتطوير الأمني عالمياً حادث الاختطاف الغادر الذي تعرضت له الصحفية العراقية (أفراح شوقي)  على يد عصابات إجرامية تنتحل صفة جهة أمنية واقتادتها إلى جهة مجهولة ومازال مصيرها مجهولا بعد مضي أيام على حادث الاختطاف الجبان الغادر.  مما طرح تساؤلات  وانطلاق مظاهرات شعبية  وفئوية ونقابية عن جدوى هذه المنظومة الأمنية الحديثة ومقدار الأمان والفرق الذي ستحدثه في حياة المواطنين وحفظ الأمن الداخلي؟؟!

بينما فشلت في التنبه للحادث الإرهابي الجبان بحق الصحفية صاحبة القلم الوطني الشريف والتنبه  قبله لعشرات الحوادث الأخرى المشابهة التي تتعرض لها العاصمة بغداد وكل مدن العراق بشكل شبه يومي مابين تهديدات مكتوبة وعنف وإطلاق رصاص وحوادث سرقة.. و ثارات عشائرية وتفشي السلاح خارج إطار الدولة والقانون وتغول المليشيات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة والقانون..  ولعل حادث اختطاف الكاتبة الصحفية (أفراح شوقي) يعد من أسوأ الحوادث الأمنية التي انتكست بها الأسرة الصحفية والإعلامية كلها  في نهاية هذا العام وستساهم في صبغ ملامح العام القادم بلون قاتم ومأساة،   حتى محاولات (الصيد في الماء العكر) التي تنتهجها بعض الأحزاب السياسية والدينية واغتنام فرصة الغضب الشعبي الذي أثاره حادث اختطاف الصحفية العراقية( أفراح شوقي) وما آثاره من ردود أفعال واستنكار وطني وعربي وعالمي واسع .. وبيانات إدانة وتوجيه التقصير الأمني للحكومة…  مغنما ً ودافعا ًً شخصيا ً من قبل البعض للهجوم على الدولة ومحاولة هزها والتقليل من كل إنجازاتها، وتقديم (المرشح الانتخابي)  البديل القوي هازم الجريمة المنظمة وعصابات الإجرام …. هو محاولة بائسة و جزء من المشهد  ا العبثي الكارثي الذي عشناه هذا العام ويصب في خانة التشاؤم والتطور غير المبشر للأسف الشديد.حصول بغداد على ترشيح الإبداع الأدبي،  وفوز نقيب الصحفيين العراقيين برئاسة الإتحاد العام للصحفيين العرب، وفوز الشعب العراقي بجائزة أكثر الشعوب تعاطفا ً وإنسانيةً..  وتصدّر العراقيين مواقع التواصل الإجتماعي في جذب إهتمام العالم لقضايا بلدهم و حصد إهتمامه ودعمه لمعارك التحرير التي يخوضها  ضد الإرهاب والتطرف وقوى الظلام جعل من العراق بؤرة الأهتمام و الالتفاف الإنساني  ووجد  تضامنا ًمن كل منظمات العالم المدنية والراعية لحقوق الإنسان وحرية الصحافة وحفظ التراث العالمي… حيث نجحوا أيضا في الفوز بترشيح الاهوار وتسجيلها ضمن لائحة التراث الإنساني العالمي وحمايتها كمحمية طبيعية نادرة وتطويرها واهتمام العالم بها وسياحتها … ناهيك عن الجوائز الأدبية والثقافية التي فاز بها مبدعين عراقيين ومبدعات.  
القضايا التي بقت على حالها هذا العام ولم تتحسن هي بقاء العراق كأخطر ِ أخطر دولِ  العالم وأسوأ مكان للعيش من حيث الأمان والخدمات العامة حيث احتفظ بتربعه عرش قائمة الدول الخطرة والفاشلة أمنيا للسنوات الخمس الأخيرة..  واحتفظ أيضا بأسوأ منظومة تعليمية وخروج العراق من التصنيف العالمي للتعليم وخروجه حتى من ذيل القائمة المصنفة لأحسن دول العالم الثالث في التعليم،  (وتشاركه جائزة أسوأ نظام تعليم وأكثرها فسادا مناصفة مع مصر).. أوضاع النازحين والمهجرين خارجيا ًوداخليا ً.. فقد  ازداد  عدد النازحين من المحافظات التي احتلها داعش  وتفاقمت اعدادهم و أوضاعهم سوءا ًمع إنطلاق معارك تحرير الموصل إلى مئات الآلاف يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.  ولاتكاد الخيم الرثة المنصوبة لهم تأويهم،  ولا مساعدات الأمم المتحدة ودول الجوار تسد رمقهم ولا المساعدات الطبية تكفي  جراحهم النازفة ومآسي هم وتداويها ..  حتى الآلية التي تنتهجها الحكومة في تقديم المساعدات الإنسانية لهم  تجري وتطبق بشكل مهين ولا آدمي بحقهم حيث التوزيع العشوائي وتجمهر النازحين خاصة كبار السن منهم والنساء الضعيفات وتحلق الأطفال (الجوعى و المرضى والبردانين) حول عدد من العسكريين وهم يلقون عليهم الغذاء وقناني المياه بشكل غير منظم ومهين من حيث لايقصد ون..  صحيح أن أعداد النازحين كبيرة وخرجت عن سيطرة وحسابات وتوقعات المسؤولين خاصة في مثل هذه الظروف الجوية الصعبة..  إلا أن هذا ليس عذراً ابدا ً على بقاء الإهمال وقلة الإهتمام والتوزيع العشوائي الهمجي للمساعدات عليهم،  والاجدر أن ينكفيء المتخصصون على وضع آليات جديدة  للإشراف على مخيمات اللاجئين وتقديم المساعدات الغذائية  والطبية وغيرها لهم بشكل يكفل كرامتهم الإنسانية ويحقق مبدأ العدالة والاكتفاء ولو بادنى مستوياته.  خاصة وأنهم يتلقون مساعدات مالية وعينية وغذائية ضخمة من الأمم المتحدة واغلب دول الجوار وبعض الجهات اتخذت منها “سبوبة وتجارة ” ويهمها أن يبقى حال اللاجئين كما هو كي يزداد غنى وثراءا ًً ونفوذا ًوسلطة….على الصعيد العالمي شهد العام الحالي صعود المرشح الرئاسي الجمهوري (دونالد ترامب)  لسدة الرئاسة وتغلبه بطريقة غامضة ومفاجئة وغير متوقعة على مرشحة الحزب الديمقراطي (هيلاري كلينتون)،

وما سيعنيه جلوس شخص عنصري ويميني متشدد على مكتب الرئيس في البيت الأبيض وتقلده سلطة إدارة العالم سيما وأنه أحاط نفسه بحكومة (يمينة متشددة تتلاءم مع طموحاته المالية وخيالات السيطرة  المطلقة التي تراوده ).. حدث آخر لايقل أهمية فاجأ به الرئيس أوباما  (الرئيس الأمريكي الجديد) و العالم قبل مغادرته منصبه لانتهاء مدته الرسمية  بإعلانه الموافقة على قرار مجلس الأمن بوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والمطالبة بتجريمها وكل الآثار المترتبة عليها والعودة إلى الحدود المعترف به دوليا قبل 1967 وهو المشروع الذي تقدمت كل من السنغال وفنزويلا ونيوزيلندا وماليزيا  ونال تصويت الأغلبية.  بعد أن تراجعت عنه مصر وسحبه زعيم الإنقلاب العسكري (السيسي) بعد تعرضه لضغوط من إسرائيل ومن الرئيس الأمريكي المرتقب( ترامب) وبعد أن وصل إلى مسامعه منهما أن الرئيس( أوباما) لن يستخدم حق النقض (الفيتو) على مسودة القرار بعد طرحه كما كان يتأمل. (الرئيس الإنسان أوباما ) أختار أن يسعد ملايين الفلسطينيين المظلومين وملايين العرب كما اسعدهم بمواقفه المشرفة من ثورات الربيع العربي قبل مغادرته،  ولولا الضغوط والتردد الذي شابَ مواقفهِ الأخيرة وخاصةً موقفه ِمن الثورة السورية ونضال الشعب السوري ضد نظام الأسد الفاشي القمعي.، لكان وضع الشعب السوري الآن وقبل سنوات أفضل كثيرا مما هو عليه.على المستوى العربي نجح لبنان في الوصول إلى توافق وطني وانتخاب رئيس شرعي للبلاد بعد فترة طويلة من الفراغ الدستوري وتعطيل مجلس النواب،  كما نجح العرب وخاصة دول الخليج ومجلس التعاون الخليجي في فك الحصار الإيراني المضروب حول العراق وإعادته للحاضنة العربية وفتح القنوات الدبلوماسية وعودة السفراء العرب للعاصمة العراقية بعد عقود طويلة من القطيعة كما نجحت كل دول الجوار إيران وتركيا والسعودية  والأردن والكويت بعودة علاقات حسن الجوار وإقامة علاقات اقتصادية وتبادل في الخبرات والبعثات للنهوض بالعراق ثانية من كبوته والحروب العديدة التي خاضها ومازال دفاعاً عن وحدته وسيادته وأمن وأمان شعبه ودول المنطقة والمضي بمشروع المصالحة الوطنية الحقيقية ووضع أولى لبنات الدولة  المدنية الديمقراطية الحديثة .