23 ديسمبر، 2024 1:17 ص

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 6/20

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 6/20

3. الحقائق التاريخية الثابتة
في حال ورود روايات تاريخية في كتاب (مقدس)، أثبت علم الآثار على نحو القطع واليقين عدم حدوثها، فمن غير شك يكون ذلك دليلا على عدم صدق نسبة ذلك الكتاب إلى الوحي الإلهي. أما إذا كان نفي حدوث تلك الحوادث فقط على نحو الظن دون القطع، فلا قيمة لدليل النفي، إلا إذا تضافر مع أدلة أخرى كثيرة، يكون اجتماعها مبررا للشك في صدق دعوى ذلك الدين، ولكن يبقى ذلك مما لا يمكن القطع فيه. نعم يمكن أن يكون الرفض مقبولا ومبرَّرا بحكم تضافر مؤشرات النفي بشكل يجعل التصديق أمرا صعبا. ويستحيل عندها على الله، حتى مع فرض صدق الدين، أن يعاقب إنسانا لم يؤمن بسبب هذا التضافر لمؤشرات النفي ومبررات الرفض. وهذا سيأتي تفصيله أكثر في بحث التعارض مع العدل الإلهي. قد يرى البعض تعارضا مع الحقائق التاريخية في قضية خلق آدم وحواء كأول إنسانين، مع اكتشاف آثار لوجود الإنسان بحقب زمنية أطول بكثير من عمر البشرية المفترضة منذ آدم وحواء. ولكن هذا التعارض غير ثابت، لأن وجود سلالة آدم وحواء، لا يعني بدء النوع البشري من ناحية التركيب البيولوجي، بل بدء ذلك النوع البشري الذي تكامل رشده وعقله، بحيث أصبح مكلَّفا بالمصطلح الديني، أو مسؤولا أمام عقله وضميره بالمصطلح الأعم. ولو إن هناك الكثير مما يُسجَّل من ملاحظات على قصة آدم وحواء القرآنية، وإن كانت أقل لامعقولية من نفس القصة في العهد القديم، لعدم اعتماد القرآن فكرة خلق حواء من ضلع آدم، أو تحميلها مسؤولية ما يسمى بالخطيئة الأولى، ثم هذه المحاولة مني لإعطاء القصة معنى رمزيا، لم يقل بها أي من المفسرين، وليس هناك ما يشير إليها ولو من بعيد في القرآن، لكنها كانت محاولة مني في حينها للخروج من المأزق.
4. ما لم يحصل من نبوءات المستقبل

الكتب (المقدسة) كما تروي لنا حوادث حدثت، أو يدعى حدوثها، تروي لنا نبوءات عن حوادث يراد لها أن تحدث مستقبلا، أي بعد نزول ذلك الكتاب (المقدس). فإن حصل الحدث الذي نبأت به، لاسيما إذا كان حدثا استثنائيا، وكانت قد ذكرت عنه تفاصيل، أو مكان أو زمان حصوله، فيكون ذلك بمثابة دليل من أدلة صدق ذلك المصدر، ويكون الدليل أقوى، كلما كانت درجة غرابة واستثنائية ولا توقع الحدث أشد، ولو إن المتنبئين طالما صدقت نبوءاتهم دون أن يدّعوا النبوة أي بعثهم أنبياء من قبل الله. وبعكسه إذا ما جرى تنبؤ لأمر حدد زمان حصوله، أو كل من زمان ومكان حصوله، ومر الوقت الموقت له في الرواية (النبوءة) الدينية تلك، دون وقوعه، فيكون ذلك دليل عدم صدق المصدر. ولكن مع عدم ذكر الزمان، يكون من الصعب تكذيب النبوءة، لمجرد عدم وقوعها حتى لحظة التكذيب، أو التشكيك، ومن هنا نجد أن النبوءات الدينية تتجنب ذكر التوقيت زمنيا، بل توقت نبوءتها حدثيا، أي بقرن حصول النبوءة بحدث تعقبه أو تتزامن وإياه، وهنا أذكر على سبيل المثال ما كتب من كم هائل عما يسمى عند الشيعة بعلامات الظهور، أي الأحداث السابقة لظهور إمامهم الثاني عشر المهدي الغائب المنتظر، رغم عدم ثبوت ولادته أصلا.