23 ديسمبر، 2024 1:12 ص

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 3/20

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 3/20

العقل يجب أن يكون المُعوَّل عليه في معرفة الصواب من الخطأ، فالعقل هو الذي يُعرَض عليه ما يُدَّعى ابتداءً بأنه يمثل وحيا إلهيا، من أجل أن يختبر مدى إمكان أو وجوب التصديق بهذه الدعوى، أي دعوى إلهية عقيدة وشريعة ما. وإلا فيكون هناك بمصطلح المناطقة دور في الاستدلال، مما يعتبره المناطقة أي الدور محالا عقلا. والدور يعني أن هناك طرفين في معادلة ما، لا يكون أي من الطرفين إلا بالثاني، وبالتالي لن يكون أي منهما، كأن يكون كل منهما علة للآخر، وفي نفس الوقت معلولا به. والدور هنا يعني أننا من أجل أن نثبت بأن القرآن كتاب الله، نستدل بقول القرآن بأنه كتاب الله، بينما يجب أن يكون الحاكم أو الشاهد أو الدليل على إلهية القرآن شيء آخر من خارج القرآن. فهذا الأسلوب من الاستدلال على الآخر يشبه حالة وقوف متهم أمام المحكمة، تريد المحكمة منه دليلا على براءته، فيقول إني بريء بدليل إني أُبرِّئ نفسي.

وحيث هناك تشكيك بصدق كون الإسلام دين الله من خلال إثارة مجموعة من تشريعات أو مقولات ميتافيزيقية، يرى المشككون تناقضها إما مع العدل أو مع الحكمة والعقلانية، أو مع موازين المثل والقيم الإنسانية، أو مع الحقوق البديهية للإنسان، أو مع الحقائق العلمية. ولو ثبتت هذه التناقضات يكون من المُحال أن يصدر هذا التناقض عن الله سبحانه وتعالى، فيكون الحكم، بأنه بما أنه محال على الله أن يصدر منه ما يجانب العقل والعدل والرحمة والإنسانية، فتكون نسبة الدين الذي يشتمل على ما يجانب ما ذكرنا إلى الله أمرا محالا، ويكون إنكار ذلك الدين هو الدين في الحقيقة والجوهر، لأن هذا الإنكار يكون عين التنزيه لله سبحانه وتعالى عن النقص، كالظلم والخطأ في إصابة الصواب واللاعقلانية. لذلك لا بد من اختبار كل دين، بما في ذلك الإسلام، بعرضه على مجموعة معايير. وابتداءً لست – حالي آنذاك – بصدد إثبات صدق أو عدم صدق الإسلام، بقدر ما أريد أن أثبت هذه الأسس والمعايير، وبالتالي وفي حال اكتشاف تعدد الإسلام، حيث نجد إسلاما لا يتعارض مع هذه الأسس، وآخر يتعارض معها، لا بد من تحديد مع أي من الإسلامَين، أو الإسلامات المتعددة، سنكون.