ولكن بعيدا عن تقييم الفريقين الثالث والرابع، أحب أن أقول كلمة لكل من الفريقين:
أقول للفريق الثالث: نحن، أعني المسلمين الظنيين الذين كنت أنتمي إليهم وقت كتابة هذا البحث، لا نستخدم ثقافة التكفير، ولا نقول أنكم لستم مسلمين، لأنكم لا تؤمنون بالإسلام الذي نؤمن نحن به، وإنما أقول لكم: يا أيها المسلمون الذين فهمتهم إسلامكم على هذا النحو، لا نفهم الإسلام كما تفهمون، ولا تفهمون الإسلام كما نفهم، ولن نفهم الإسلام كما تفهمون، ولعلكم لن تفهموا الإسلام كما نفهم، لكم إسلامكم ولنا إسلامنا، واليوم أقول لكم دينكم ولنا إيماننا اللاديني.
أما الفريق الرابع، فأقول لهم، ربما أستطيع أن أدخل معكم في سجال طويل، وآتي لكم بكل الحجج والأدلة على صحة هذا النوع من الفهم للإسلام، وأناقش كل النصوص وكل حوادث السيرة النبوية أو التاريخ الإسلامي، لأثبت لكم تارة إما عدم صحة رواية ما، أو إمكان فهم نص على غير ظاهر المعنى، وذلك على ضوء النصوص الأخرى، وفي النهاية إما سأقنع بعضكم بحقيقة ما يتبناه الإسلام، أو أجعل البعض الآخر حتى مع عدم قناعتهم التامة سيحترمون كوننا، نحن دعاة هذا الفهم، إنما نبني قناعاتنا وفهمنا على قاعدة رصينة متينة، ولا ننطلق منها من فراغ، أو من رغبة في ليّ النصوص إلى حيث ما نرغب ونحب، وربما لا أنجح في هذا البحث، بل يقودني شخصيا إلى قناعة جديدة. أبقيت على هذا النص رغم تحولي عنه، لكني أعلق عليه كيف كنت أظن أني سأقنع آخرين برؤيتي، ولم تقنعني رؤيتي تلك إلا لأشهلا محدودة جدا.
ثم وحيث أنه لا يوجد يقين مطلق بنسبة المئة بالمئة، أقول لكلا الفريقين، أن الإسلام إذا ما كان في حقيقته هو ما يفهمه الفريق الثالث، فسيكون ذلك بالنسبة لي دليلا على عدم إمكان نسبة الإسلام إلى الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا عما يصف المتطرفون والعُنفيون والإرهابيون، وتعالى علوا كبيرا عما يصف المخرِّفون والمشعوذون. عندها سأكفر بهذا الإسلام. ولكن حيث أن هناك ظنا راجحا جدا، عندي وأمثالي آنذاك، وبأدلة ظننتها قوية وكثيرة، بصدق القرآن، وصدق نبوة محمد، وصدق الإسلام، وبما أن هناك – على فرض وجود إسلامَين اثنين – ما كان يدعم عندي آنذاك مقولة الإسلام الإنساني والعقلاني، أو الإسلام المدني في مقابل الإسلامَين السلفي والسياسي، حسب تقسيم الكاتب أحمد القبانجي، لا أملك إلا أن أعتنق هذا الإسلام، والساحة الإنسانية تتسع لكل أنواع الفهم وكل الأديان والمذاهب والعقائد والإيديولوجيات والثقافات، شرط التزامنا بأمرين؛ بقواعد العقلانية، وبمثل الإنسانية، عندها كن أنت ما تكون، ولأكن أنا ما أكون، ثم لأكن في وقت لاحق على غير ما كنت وقت كتابة البحث، ولن تكون هناك مشكلة بيننا، إن شئتَ حاورتَني، وإن شئتُ حاورتُك، وإن شئنا ترك كل منا الآخر على قناعته وانتمائه، ولوازم كل من تلك القناعة والانتماء، بما في ذلك ذينك القناعة والانتماء اللذين اعتمدتهما لاحقا عند تحولي إلى عقيدة التنزيه، التي أسميتها في وقت لاحق بلاهوت التنزيه.
وأختم هذا البحث بقاعدة عقلية مستوحاة من حديث ينسب إلى نبي المسلمين:
«إنما الأعمال بالنيات» = ثواب العمل بحسب دوافعه.
لأقول:
«إنما القناعات بالمنطلقات» = قبول الإيمان بحسب منطلقاته.
وكما إنه إذا كان معيار تقييم العمل هو النية والدافع، فإن معيار الاعتقاد والإيمان والاقتناع بأية قناعة هو المنطلقات التي قادت إلى ذلك الإيمان وتلك القناعة. فإذا سلمت المنطلقات، أثاب الله عليها، حتى لو أخطأ صاحبها في النتائج، باستثناء ما فيه ظلم للناس واعتداء عليهم.
أخيرا أسأل الله، أن يعيننا، ليكون العقل من يصوغ أفكارنا، والضمير من يرسم مسارنا، أن يكون العقل من يعلمنا الكتاب، والعقلانية من تعلمنا الحكمة، والإنسانية من تزكينا. وآخر قولي أن الحمد لله الكامل المطلق العادل الرحيم الحكيم العليم القدوس السلام المؤمن.