22 ديسمبر، 2024 7:45 م

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 2/20

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 2/20

وهذه الثنائية التي ذكرتها في الحلقة السابقة، أي العقل والعاطفة، يعبر عنها بمتقابلات ثنائية مختلفة، منها: الذكاء والعاطفة، الإدراك الذهني والإحساس الوجداني، الفلسفة والأخلاق، التعليم والتزكية أو التربية، العقلانية والإنسانية، أو ما يستخدم مع الأطفال في العراق بثنائية العاقل والحبّاب. وعندما نتحدث عن هذه الثنائية بوصفها السلبي، نجد أمامنا كصفات للأشخاص المتصفين بانحدار البعد العقلي أو البعد العاطفي: الضال والمغضوب عليه، الجهول والظلوم، حسب المصطلحات القرآنية، أو الغبي والخبيث، الأحمق واللئيم، اللاعقلاني واللاإنساني.

والإنسان الذي تتكامل إنسانيته، يتجسد هذا التكامل في بعديه، فيكون راشد العقل، ويقظ الضمير، من هنا استخدمت ثنائية العقل والضمير الإنسانيين، اللذين يمثلان ثنائية المضمون الداخلي لشخصية الإنسان. وهذه الثنائية تشخصان الاستقامة في البعد العقلي بإصابة الصواب، وفي البعد الضميري بإقامة العدل. والصواب أو الصدق من جهة، والعدل والقسط من جهة أخرى يمثلان عاملي الاستقامة على الطريق القويم، هما يمثلان عنصري اكتمال الحق، الذي لا يكون مطلقا إلا في عالم الغيب وبالنسبة للكائن المطلق وحده، والذي يعبر عنه القرآن بقول: «وَتَمت كَلِمَةُ رَبِّكَ صدقًا وَّعَدلًا»، أي تمت بالمستوى المطلق، بينما يتحرك الإنسان في عالمه النسبي نحو ما هو أصدق وأصوب، وما هو أعدل وأقوم، دون تحقيق الصواب المطلق والعدل المطلق. والعقل والضمير يمثلان الميزان الذي يزن الإنسان به صدق المفاهيم وعدل المواقف.

واختلفت المدارس الكلامية (مدارس علم الإلهيات) أو مذاهب العقائد أو الأصول في الإسلام، فمنها ما اعتمد العقل كحاكم على صحة العقائد، وهؤلاء سُمّوا بالعقليين، وأهم المدارس العقلية مدرستا المعتزلة والإمامية، بينما اعتمدت مدرسة الأشاعرة الوحي ميزانا وحيدا، أو أساسيا وحاكما، لحسن السلوك الإنساني وعدل الحكم الإلهي، فقالوا إن ما يأمر به الشرع حسن، وما يفعله الله – بما أخبر به القرآن حصرا – هو عدل، ولا يملك العقل الإنساني صلاحية ولا قدرة الحكم على ذلك، بينما تبنى العقليون الحسن والقبح العقليين، أي قدرة العقل مستقلا على الحكم بحسن وقبح الأشياء، كتحسين العقل للصدق والعدل، وتقبيحه للكذب والظلم. ولكن علماء الكلام من مدرسة أهل البيت لم يُوفَّقوا جميعا، ولا في كل الحالات، في الالتزام بتأصيل مرجعية العقل، بل هناك شيعة أشعريون في منهجهم من حيث لا يشعرون، كما يمكن أن نتصور وجود سنة عقليين. وإذا كان المعتزلة قد وفقوا أكثر من الإمامية في اعتماد العقل، إلا أن مشكلتهم أنهم بالغوا في التأويل.