25 نوفمبر، 2024 7:09 م
Search
Close this search box.

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 14/20

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 14/20

بهذا حددنا الأسس التي أرى أن يجري وفقها تقييم كل دين، والحكم له تصديقا، أو عليه تكذيبا، أو لا له ولا عليه ترددا أو تحفظا، نتناول الإسلام كإسلام، وحقيقة تعدد المذاهب والمدارس والرؤى والاجتهادات والملل والنحل والفرق والأحزاب، بحيث نكاد لا نجد إسلاما واحدا، بل هناك ثمة إسلامات. صحيح إن الإسلام في حقيقته، إذا ما مثل رسالة الله حقا، واحد غير متعدد، ولكن هذه الواحدية متحققة، إذا ما افترضنا تحققها، في عالم التجريد، أما في عالم الواقع، فيكون من المكابرة إنكار وجود أكثر من إسلام. أعلم إن البعض سيقول، لماذا تقول هناك إسلامات، ولا تقول هناك اجتهادات ورؤى وطرق فهم متعددة للإسلام الواحد، فأجيب بأن التفاوت يبلغ درجة من الحدة، بحيث أرى القول بوجود إسلامات هو الأكثر تعبيرا عن الواقع، من الكلام عن تعدد الاجتهادات، أو اعتبروه تعبيرا مجازيا كصيغة من صيغ المبالغة اللغوية.

وإذا تكلمت عن إسلامات، فدعونا نتكلم عن إسلامَين، لا بمعنى حصر التعدد في اثنين، بل تعبيرا عن وجود نوع من ثنائية ومن تقابل في كل نقطة يتناولها الإسلام. والثنائية تطرح عادة للمقارنة بين قطبين متطرفي التباعد، مع فرض وجود مساحات ودرجات متفاوتة ومتدرجة من اللون الرمادي الواقعة بين الأبيض والأسود الواقعين في أقصى كل من الطرفين. ومن الطبيعي إني عندما أتكلم عن إسلامين، فلا أتكلم عن إسلام سُني وإسلام شيعي، أو إسلام خلافة وإسلام إمامة، أو إسلام شورى وإسلام ولاية فقيه، بل يجري الكلام عن ثنائيات أخرى، كما سنرى. إذن مع فرض وجود إسلامَين، فكيف نحدد الموقف منهما.

هنا كنت وقتها أقول: إذا وقفت على خط الخيار بين إسلامَين: سأجدني ارتددتُ عن إسلامٍ، واعتنقتُ إسلاماً، وقلتُ: «لا» لإسلامٍ من إسلامَين، وقلتُ: «نعم» لإسلامٍ من إسلامَين، وكفرت بإسلامٍ، وآمنتُ بإسلامٍ.

عن أي من الإسلامَين أكون يا ترى ارتددتُ، وأياً منهما أكون اعتنقت، وما معنى قولي أني: أشهَدُ ألا إلهَ إلا اللهُ بـ (لا شرطٍ)، وَأشهدُ – إذا شهدتُّ – أن َّ مُحَمَّدًا رَّسولُ اللهِ بـ (شرطِ «لا»).

ثم دعونا نرجع فنطرح التساؤل: هل هناك حقا إسلامان، وليس إسلام واحد، ولو من حيث الواقع الخارجي، أو كما يُعبَّر من حيث الظاهر، وليس من حيث الحقيقة المجردة، أو من حيث افتراض تلك الحقيقة.

إني بهذا الطرح كنت أحاول أن أبلور رؤية أقدمها عن واقع القلة من المسلمين الذين اعتنقوا إسلام الحب والرفق والرحمة والسلام على ضوء «لا يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم في الدّينِ أَن تبَرّوهُم وتُقسطوا إِليهِم»، وغيرها من نصوص الرحمة والسلام، وواقع أولئك المسلمين الذين اعتنقوا إسلام العداوة والبغضاء والغلظة تجاه من رأوا أنهم أعداء الحق على ضوء «وَأَعدّوا لَهُم مَّا استَطَعتُم من قُوَّةٍ وَّرِباطِ الخيلِ تُرهِبونَ بهِ عَدُوَّ اللهِ وَعدُوَّكُم»، وعلى ضوء «وَبَدا بَينَنا وَبَينَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغضاءُ أَبدًا»، كما ينقل القرآن عن إبراهيم، وغيرها من نصوص المواجهة العنيفة، فأقدم هذه الرؤية إلى ناقدي الإسلام الذين يعتقدون أنه دين التطرف والعنف والإرهاب، وإلى المدافعين عنه بنفي كل ذلك عنه وتنزيهه عن كل ذلك، لتصحح هذه الرؤية بتقديري ما كنت وقت كتابة البحث أجده من خلل في المنهج عند الفريقين، وأعني المبالِغين – ولا أقول المتطرفين – من الفريقين.

أحدث المقالات

أحدث المقالات