22 ديسمبر، 2024 7:51 م

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 13/20

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 13/20

وبالنتيجة وكخلاصة للبحث، أقول إذا ما رجعنا إلى السؤال المطروح في العنوان «أيُّهُما في الدّين حاكِمٌ على الآخر: وَحْيُ السَّماء، أم عَقلُ وَضَميرُ الإنسان؟» لا بد من القول:
حيث لا يتأتى لكل إنسان على كوكبنا هذا، وفي عصرنا هذا، أن يؤمن بصدق رسل الله الخارجيين من البشر المرسَلين، لاسيما كونهم غير معاصرين لنا، ولكن يتأتى بكل تأكيد لكل إنسان عاقل وواع أن يُصدِّق رسول الله المرسَل إليه بشكل خاص وشخصيا من داخله، أي من لدن عقله وضميره، أو الفطرة الإنسانية التي فطره الله عليها، فعقله هو الهيئة التشريعية التي تُشرِّع له دستور الحياة، وضميره هو المحكمة الدستورية العليا التي تراقب مدى انسجام الأجهزة التنفيذية مع المبادئ الأساسية لهذا الدستور. فبالعقل والضمير يؤمن الإنسان، وعقلَه وضميرَه هاذين يُحكّمهما على مدى صدق الرسول الخارجي غير المعاصر. فقول القرآن: «إنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا وَالنَّصارى وَالصّابئينَ مَن آمَنَ بالله وَاليَومِ الآخرِ وَعَملَ صالحا فَلَهُم أجرُهُم عِندَ رَبِّهم وَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنونَ»، وفي آية أخرى «إنَّ الَّذينَ آمَنو والَّذينَ هادو وَالصّابئونَ [الصحيح الصابئين] والنَّصارى مَن آمَنَ بالله واليَومِ الآخرِ وعَملَ صالِحًا فَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنونَ»، يجعل العقل الفلسفي مُوصلا إلى الإيمان بالله كحقيقة فلسفية، وباليوم الآخر أو الحياة الثانية، أيضا كحقيقة فلسفية، لأن عدم وجود الحياة الثانية وضياع حقوق كل من ضاعت حقوقه عبر التاريخ الإنساني، بدون تعويض لهم في هذه الحياة، وعدم تدخل الخالق لتغيير هذا الواقع، يعني بالضرورة قبول الله بالظلم، وبالتالي اتصافه هو بالظلم، سبحانه وتعالى علوا كبيرا عن ذلك، وليحدد العقل للإنسان الخير من الشر، ويجعل ضميره رقيبا عليه، ليسير في خط العمل الصالح الخيِّر الإنساني، ويجتنب السير في خط العمل السيئ الشرّير غير الإنساني. وبالتالي فكل دين وكل مذهب وكل اجتهاد وكل استنباط وكل مدرسة فكرية وكل إيديولوجيا لا تنسجم مع ضرورات العقل الفلسفي أو العقل الأخلاقي المُحَسِّن والمُقَبِّح للسلوك، أو غير منسجمة مع الضمير الإنساني، الرقيب على إنسانية الإنسان، لا يمكن أن يكون دينا أو مذهبا أو اجتهادا أو استنباطا مقبولا، أو مدرسة فكرية أو إيديولوجيا مَرضيّة. وإذا كان للإسلام فهمان، فإني – أنا النوعي لا الشخصي كما يُعبَّر -، كنت أدين – يوم كنت مسلما ظنيا عقليا تأويليا – بإسلام العقل والعقلانية والإنسانية والاعتدال والمحبة والسلام، وأدعو إليه، وأكفر بإسلام الخرافة واللاعقلانية والتطرف والعنف والتباغض والاحتراب. وعلى ذكر الآيتين آنفا، أصبحت، بعدما تحولت إلى الإيمان العقلي اللاديني، أقول «إنَّ مَن عَملَ صالِحًا، سَواءٌ آمَنَ أَو لَم يُؤمِن، فَلَهُم أجرُهُم عِندَ رَبِّهم وَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنونَ».