23 ديسمبر، 2024 1:59 ص

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 12/20

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 12/20

طبعا في كل ما ذكر هناك شواهد – فيما يتعلق بالإسلام مثلا – من نصوص قرآنية وسُّنَّويَّة، ومن حوادث من السيرة، شواهد تدعم انسجام الإسلام مع ما ذكر، وشواهد أخرى تدينه في التعارض والتقاطع الجازم والحاد معها كلها أو بعضها. فالنصوص القرآنية والسُّنَّويَّة على نوعين: نوع موافق ونوع مخالف مخالفة واقعية، كما يعتقد ناقدوا الإسلام، أو مخالفة ظاهرية، كما كنت ما أزال أعتقد أو أراوح بين التصديق والشك، وقت كتابة هذا البحث، كما إني أعتقد في نفس الوقت بوجوب إبقاء البحث مفتوحا بدون عُقَد أو حساسيات مُسبَقة، وبدون تشنجات وتوترات، وبدون أحكام مسبقة، أو إطلاق وتعميم، وبدون وضع محظورات فكرية مسبقة، فلا تطلق أحكام الكفر والارتداد باتجاه، ولا أحكام الأصولية والظلامية بالاتجاه الآخر.

أرجع لأبيِّن فهمي أو تفسيري لحقيقة كون النصوص القرآنية والسُّنَّويَّة على نوعين؛ نوع موافق للأسس التي ذكرناها، ونوع مخالف لها، وهي ليست قليلة أبدا. فإني أجد في حال سلمنا بكون الإسلام دين الله أن الموافق لهذه الأسس، حتى لو كان أقل من المعارض لها، هو الذي يجب أن يُعتمَد مقياسا يُعوَّل عليه. أما المخالف لهذه الأسس من النصوص والروايات الدينية، فلا يخلو الموقف منها من أحد موقفين، إما أن تُرفَض وتُضرَب عرض الحائط، كما جاء في بعض روايات أئمة أهل البيت، وإما أن تُؤوَّل إلى النوع الأول من النصوص التي تُعتبَر بمثابة المعايير والمقاييس والمبادئ والقواعد والمنطلقات. أما إذا ثبت، حتى لو من قبيل فرض المحال إسلاميا، مع فرض أنه محال، ولعله غير المحال فلسفيا، أن دينا إنما يتبنى فعلا وحقا ومن غير شك التقاطع والتنافر والتعارض مع ضرورات العقل الأخلاقية، فسيكون ذلك دليلا على عدم إمكان نسبته إلى الله. ومن هنا فمن يصل إلى هذه الحقيقة المظنونة، فينفصل عن الدين تنزيها لله عن أن يُنزل دينا يتناقض مع ضرورات العقل الأخلاقية، وهكذا بالنسبة لتعارضات أخرى مر ذكرها، فإن مثل هذا الإنسان عرف ربه حق المعرفة، ونزَّهه عما لا يليق به، ولا يجوز عقلا له، ولذا من الواجب أن يكون مستحقا لحب الله وثوابه، حتى لو وصل إلى نتيجة خاطئة في الواقع برفض دين حق، لأنه عُرض عليه عرضا باطلا، أو فهمه هو من غير أن يتحمل مسؤولية خطئه في الفهم فهما باطلا، ولأنه نفر من حيث المبدأ والمنطلق من باطل، وانجذب إلى حق، وبالتالي نفر عما هو غير رباني إلى ما هو رباني، من حيث ما ظهر له، ولو اختلف عن الواقع الذي خفي عليه، وبالتالي بنفوره عما هو غير إنساني إلى ما هو إنساني.