23 ديسمبر، 2024 2:04 ص

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 10/20

وحي السماء أم عقل وضمير الإنسان 10/20

7. العدل الاجتماعي
وهذا يتعلق على الأغلب بشكل خاص بالأحكام الشرعية لكل دين، فإذا كانت تتعارض مع مفهوم العدل الاجتماعي أو العدل الإنساني، فيدعو ذلك الدين إلى التفاضل بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو النسب، دون اعتماد معايير صحيحة للمفاضلة، بحسب الميدان الذي تجري فيه المفاضلة، كالاختصاص حيث يكون التعويل على الاختصاص، والكفاءة، أو النزاهة، أو الخبرة، أو الاستقامة، أو العدالة، بحسب ما يتطلبه كل موضوع وكل حاجة وكل ميدان من ميادين الحياة الإنسانية. فالشريعة التي لا تعتبر الناس سواسية كأسنان المشط، أو التي تؤسس لمبدأ أفضلية الرجل على المرأة، أو العربي على غير العربي، أو الأبيض على الأسود، أو المنحدر إلى قبيلة أو أسرة – حتى لو كان الانحدار إلى نبي أو وصي أو قديس – على غيره، أو تسمح بانعدام المساواة في الحقوق أو الفرص، فمن غير شك تكون هذه الشريعة غير عادلة، وبالتالي لا يعقل أن تُنسَب إلى الله سبحانه وتعالى. ولكن من المؤكد أنه لا يكفي مجرد التصور عن شريعة ما بأنها تجانب العدل بين الناس، من خلال نظرة إجمالية سريعة وسطحية، من أجل رفضها، أو وصمها بمجانبة العدل، بل لا بد من التثبُّت من عدالة أو عدم عدالة تلك الشريعة بشكل أكثر عمقا وأوسع إحاطة. وهنا لا يُعوَّل على اجتهاد فقهاء تلك الشريعة، والذين من الممكن أن يصيبوا أو يخطئوا في استنباط الحكم الشرعي، ولا على تلك النصوص غير الثابتة نسبتها إلى ذلك الدين، كما هو الحال في الإسلام بالنسبة لأحاديث وسنة الرسول وأهله بيته للاختلاف الواقع فيها، بل لا بد من الاقتصار على النصوص المتفق بالإجماع على نسبتها إلى ذلك الدين، وهذا ما ينطبق على القرآن بالنسبة للإسلام، وهو حمّال أوجه – حسب تعبير تلميذ القرآن علي بن أبي طالب -، متعدد الفهم والتأويل، مليء بالمتشابهات. وهنا يثير الكثيرون ما يستندون إليه من آيات الأحكام، التي يستنتجون منها عدم مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة، وبين الحر والعبد، وبين المسلم وغير المسلم، وبين (السيد) و(العامي)، أي المنحدر إلى الرسول نسبا، وغيره. ولذا نحتاج إلى دراسة هذا الجانب دراسة موضوعية معمقة، كما يجب دراسة ما يتبناه بعض المفكرين الإسلاميين، في عدم ثبات الأحكام الشرعية ذات البعد الاجتماعي، ومرحلية الأحكام التي يُستوحى منها عدم المساواة، باعتبارها كانت تمثل خطوة إصلاحية أولى، ولم تغلق الطريق أمام استكمال أشواط تطوير الأحكام الاجتماعية إلى ما هو أكثر عدالة وعقلانية وإنسانية. والمطلوب من المؤمنين أن يتفهموا إثارة هذه التساؤلات، ولا يتحسسوا منها، فهي تساؤلات مشروعة، بل لا أشك في أنها تساؤلات وشكوك يحبها الله، ويحب كل من يثيرها، إذا سلمت منطلقاتهم. فالإنسان الذي يرفض الانقياد لدين يتوهم أنه يفضل الرجل على المرأة، والحر على العبد، والقرشي على غيره، والمسلم على غير المسلم، إنما ينطلق في رفضه من أسس محبوبة عند الله سبحانه وتعالى، لأنها أسس القسط والعدل والمساواة والسلام والمحبة والإنسانية والعقلانية. فمن غير المعقول أن الله لا يحب إنسانا تنجذب نفسه وترتاح وتسكن إلى كل هذه الأسس الربانية المتعالية وتنسجم وتتناغم معها، وتنفر من نقائضها.