23 ديسمبر، 2024 9:51 م

… أينك أيها النوم اللذيذ ؟ وبدأ ينام … فتخيل في منامه فتاة جذابة عذبة ، باهرة الفتنة والجمال ، ذات ابتسامة مشرقة ، وقد وقع نظره للوهلة الاولى على شفتيها المغمورتين بحمرة وردية داكنة ، تشبه زورقين يبحران بعيدا ، فأحس برغبة عارمة في رؤية اللون الحقيقي لهذا البحر الغامض وشم عطره ولمس زبده وتذوق ملوحته ! تخيلها تسقط من الفضاء هاربة الى مركبته الفضائية ، طالبة باستعطاف وحنو آسر أن يحميها من المهاجمين الأوغاد : انهم وحوش فضائية تشبه السلاحف والديدان والحشرات ، وقادرة على التخفي بمهارة فائقة ..فاحذرهم ! فوعدها بأن يستبسل بالدفاع عنها ، وهرب بمركبته الفضائية الصغيرة متملصا ، ثم تاه بقصد في سماء مليئة ” بالتاكسيات والمركبات الطائرة الصغيرة “، وربما لأول مرة في حياته تمتع بشجاعة وجرأة نادرة ، وومض بريق ذكائه ، واستوعب هندسة الأطباق الطائرة التي طالما استعصت على فهمه التقليدي للبعد الثلاثي ! وطار مسرعا لشقته في الدور المائتين لاحدى العمارات السكنية الشاهقة ، وهناك اتصل بصديقه الحكيم ، فأبلغه هذا الأخير بثقة المطلع على خفايا الامور بأن الفتاة الجميلة ستسعى جاهدة لانقاذ كوكب الأرض من كويكب ناري متوهج قادم ، ومن سيطرة لاحقة لكائنات “حشرية” شريرة تسعى لأن تستولي على الأرض بعد تدميرها ونجاحها بالقضاء على الجنس البشري ! وحذره بأن هذه الكائنات الفتاكة فد انتشرت في كل مكان بشكل متخفي ، فتذكر السلوك الغريب لعمال المطعم الذي تناول فيه وجبة الغداء ، وبدا الأمر وكأنهم يخفون شيئا ، وتذكر وكأنه شاهد زوائد هلامية تتحرك داخل ملابس أحدهم ، وكيف بدا لسان عاملة الكاشير أطول من اللازم ! ياللهول ! يبدو أن السيناريو الكارئي يتحقق ، حيث زاره شخص انيق غامض في المساء ، تأمل وسامته المصطنعة ، وكأنه يخفي خلفها كائنا حشريا مليئا بالزوائد الدودية ، وحتى زوايا دوران رأسه بدت لبرهة وكأن حركتها دائرية وغير انسانية ، شل بدنه وكيانه رعب قاتل ، وطلب من الفتاة مسبقا ان تختبىء بحذر وان تكون جاهزة للهروب بسيارته الطائرة ، وهمس لنفسه بهدؤ وكأنه يصلي ويستعين بالله الواحد القهار من الشيطان الرجيم :

* نحن نعرف انك تخبىء تلك الساحرة الجميلة … سلمها لنا وستنجو بنفسك ! من أنت حتى تتحدانا ، سنقدم لك عرضا لن ترفضه (تذكر العبارة الشهيرة لمارلون براندو في فيلم العراب الشهير ) : ستصبح ملكا لأحد كواكبنا البعيدة ….لا املك وقتا طويلا للتفاوض معك ، فاستغل الفرصة والا….

* لا اريد أن اصبح ملكا على احد ، فأنا لست طموحا ولا احب السلطة ، وكل ما أتمناه ان أعيش مغمورا بالسكينة غير مدين لأحد ، وأن اموت انسانا عاديا ، وان ادفن في جوف الأرض واتحلل كغيري من البشر ، فأنا أعشق كوكب الأرض ، وفيها سأجد ملاذي وراحتي الأبدية …

* هنا امتعض زعيم الشرار الذي يتمتع بهيبة خاصة ونظرات مخيفة بالرغم من وسامته المصطنعة ، فقد كان طويل القامة ، ذو لحية صغيرة ملفتة للانتباه وحاجبان كثان ، فأجاب بحدة غير متوقعة :

* هذا هراء بالتاكيد … أنت شخص فاشل بلا طموح ، وأشعر انك تضيع وقتي الثمين …كيف اختارتك هذه الساحرة اللعينة من بين ملايين البشر لتنقذها ؟ يا لتفاهة النساء وغموضهن العجيب ! ثم تابع وكأنه قرر مسايرته للحصول على الفتاة الرهينة :

* اسمع : لولا الشر ما وجد الخير ، وما معنى حياة رتيبة لا تحديات فيها ولا شر ومشاكل ؟ وكيف ستقدرون الخير والجمال بدون شر وقبح ؟ ثم اضاف بجرأة من يطرح فكرة جديدة :

* صدقني … ان العالم بلا شيطان لا يطاق !! واستطرد بدون تردد :

* لأنه ببساطة سيصبح عالما مملا ساذجا ، لا معنى فيه لشيء ، والأشرار أمثالنا يقدمون خدمة لعالمكم البائس من حيث قدرتهم على بعثرة الأشياء المنظمة والرتيبة وكذلك الأفكار والعقائد وطرق العيش ، اننا نخلق ما يسمى الفوضى الخلاقة او اللاخلاقة ان شئت ! ونعطي أمثالك من الأخيار والأدعياء الفرصة الذهبية لاعادة اصلاح وترتيب الأشياء المبعثرة ، لكي نعود ونبعثرها وهكذا دواليك …ثم انظر حولك أيها المتحذلق : من يحكم عالمك “البائس –غير المتوازن” غير الانتهازيين والساسة الأشرار الكاذبين والمتشدقين وتجار العقائد … وبالرغم من شرهم وافتضاح أمرهم فهم دبلوماسيون وناعمون ومنافقون ، ويخفون دوما وراء الهدؤ والابتسامة المرسومة شرا مستطيرا وجشعا هائلا : فهم يخططون لسرقة موارد الطاقة واراضي الغير وثروات العالم ويعشقون الهيمنة والتسلط والنفوذ ، وحتى الفضاء الخارجي لم ينجو من هيمنتهم !

* انهم باختصار يهيئون العالم للخراب الكبير القادم … ليوم القيامة الكارثي … ونحن سنكون ارحم منهم ومن عشقهم المزمن للحروب والكوارث والنكبات … فلماذا لا تخرج من شرنقتك وبطولتك المزيفة وتنضم لهؤلاء الأوغاد وتقبل بعرضنا المغري لك قبل فوات الآوان ! وحاول الشرير أن يحبب له فعل الشر فقال منهيا خطبته :

* نحن “كالأطفال المشاغبين ” ما زلنا نملك موهبة الاندهاش ازاء الأحداث والأشياء ، أما انتم بني البشر فقد تبلد حسكم وأصبحتم ترون كل الأشياء بديهية وروتينية !! وكاد الشرير أن يقنعه بحججه الباطلة المتلاحقة كسيل ماء متدفق ، وأنهى خطبته بشعار غامض ملتبس :

* اذن دعنا أخيرا نتفق على أن لا نتفق !

* لكن “ضميره اليقظ وحسه الانساني الراقي وسحر الفتاة الخفي” أنقذته جميعا من دوغماتية الشرير الكاسحة ، فاستعان بآية الكرسي ، رافضا اكاذيب الباطل ، وقرر أن يرفض العرض المغري وان يستبسل بالدفاع عن الحسناء ” منقذة الأرض ” !!