22 ديسمبر، 2024 3:04 م

وحقوق الدول المتضررة

وحقوق الدول المتضررة

المقدمة
فجأة وبدون مقدمات خرجت داعش الى الوجود كتنظيم قوي اجتاح نحو 35% من مساحة سورية، ولاحقا تمكن من السيطرة على ثلث مساحة العراق، وبسرعة وفجأة ايضا التحق بهذا التنظيم نحو 30 ألف مقاتل نصفهم تقريبا من غير العرب والمقاتلين المحليين.

هيكلية تنظيمية قوية ومتينة ونفقات كبيرة وتسليح يضاهي بعض الجيوش في المنطقة، حيث الدبابات وناقلات الجند وأسلحة مضادة للطائرات وصواريخ مضادة للدروع ورشاشات ثقيلة فضلا عن المتوسطة والخفيفة، وبدا الوجود المتوحش لداعش يطرح تساؤلات كبيرة حول تأسيسه والجهات التي تقف وراءه والغاية من إيجاده؟.

وفي ظل غياب الادلة الدامغة التي يمكن ان تكشف بما لا يقبل اللبس عن الدول التي تقف وراء داعش، يرجع الكثير من المتابعين الى التحليل والقراءة، لتحديد الجهات والدول المستفيدة من صناعتها، وبالعودة قليلا الى الخلف وتحديدا الى نهاية سبعينيات القرن الماضي حيث صنعت طالبان ومن ثم القاعدة بأموال خليجية وإرادة وتسليح غربيين يمكن القول ان السيناريو هو نفسه تمت به صناعة داعش وان اختلف الزمان والمكان.

الطريق الى “قندهار الشرق الاوسط”

تفيد إحصائية شبه رسمية بأن عدد المقاتلين الأجانب في صفوف القاعدة يبلغ نحو 30 ألف مقاتل نصفهم قدموا من دول غربية، ولم تكن مسيرتهم الى” قندهار الشرق الاوسط” محفوفة بالمخاطر فهي كانت تتم بطرق سهلة من بلدانهم الى مطارات دول اقليمية وبعد ذلك يتم تجميعهم وتدريبهم والزج بهم الى الحرب في سورية والعراق.

بعض من التحق بالتنظيمات المسلحة ومنها داعش كانوا قيادات أمضوا سنوات في معتقلات غربية مثل ابو بكر البغدادي، ففي ايلول الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ان رئيس اقليم كردستان زوده بأسماء المقاتلين الاجانب في صفوف داعش بضمنهم ألف فرنسي، فيما نشر مكتب الادعاء الألماني، نتائج تحقيق توصل لها أكدت أن أكثر من 320 شخصاً يحملون الجنسية الألمانية يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في كل من سوريا والعراق.

ولفت التقرير إلى أن أعداد الجهاديين الألمان المستعدين للقتال الى جانب داعش في تزايد مستمر مؤكدا تشكيل لواء في مناطق القتال باسم “اللواء الالماني” بزعامة الملا إبراهيم، وكانت زوجة ابراهيم تمارس عملا مهما في المانيا حيث تجمع التبرعات وتحولها له لإنفاقها على العمل الجهادي.

في غضون ذلك أعد معهد “كينجز كوليدج” الموثوق في بريطانيا دراسة خلصت الى ان عدد المقاتلين الأجانب ممن التحقوا بتنظيم داعش لغاية كانون الأول الماضي بلغ 11 ألف مقاتل يشكل الأوروبيون منهم أكثر من الثلثين.

وتشير تقديرات اخرى الى ان عدد البريطانيين المقاتلين في صفوف “داعش” يبلغ نحو 500 جهادي بريطاني، لكن تقديرات شبه رسمية افادت بان عدد المقاتلين في صفوف داعش من البريطانيين قد يتجاوز 4000 مقاتل.

ولم يختلف الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية حيث تشير تقديرات أجهزة الأمن الأمريكية إلى أن عدد المواطنين الامريكيين ممن يقاتلون في صفوف داعش لا يقل عن 100 مقاتل.

كل هذه مؤشرات على وجود تواطئ من قبل البلدان الاوروبية التي قدم منها الارهابيون باتجاه سورية والعراق، أو على الأقل فإن هذه الدول مسؤولة قانونا عن نشاطاتهم الارهابية من تنظيم وجمع التبرعات وادارة وسائل الاعلام الداعمة لهم والتي تمت على اراضيها.

خصوصا وانها تملك نظما أمنية رصينة تمكنها من كشف النشاطات المشبوهة على اراضيها، وما يعزز الرأي بوجود تواطؤ من قبل هذه الدول مع المجاميع الارهابية بحجة الاطاحة بالنظام السوري، انها كانت تجمع لها التبرعات وتطلق الارهابيين المحكومين وتسمح لهم باستخدام مطاراتها وجوازات سفرها للتوجه الى الشرق الاوسط بهدف القتال، وهذه الاجراءات كلها قادت الى صناعة تنظيم متوحش يطلق عليه “داعش”.

موقف القانون الدولي من الارهاب

من الناحية القانونية أدرجت الأعمال الارهابية على لوائح القوانين الدولية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وناقشت عصبة الأمم تجريم الارهاب سنة 1936 واعتمدت اتفاقية بهذا الشأن سنة 1937.

وبعد ذلك تبنى المجتمع الدولي 13 صكا قانونيا بخصوص محاربة الارهاب في الفترة بين 1963 و2004، منها الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الجرائم المتعلقة بالطيران المدني والاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الجرائم المتعلقة بوضع الضحايا ولاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب والقرارات التي اعتمدها مجلس الأمن في شأن مكافحة الإرهاب بناء على “الفصل السابع” من ميثاق الأمم المتحدة تفرض التزامات على الدول أعضاء الأمم المتحدة.

 ومن أهم القرارات التي أصدرها مجلس الأمن القرار رقم”1373″ لسنة 2001 والقرار رقم”1566″ لسنة 2004 وتدين القرارات جميع أعمال الإرهاب أياً كانت دوافعها. وأينما ارتكبت وأياً كان مرتكبوها بإعتبارها من أخطر التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن وتهيب بالدول أن تتعاون تعاوناً تاماً على مكافحة الإرهاب وإيقاف تمويله.

مسؤوليات مباشرة وغير مباشرة عن دعم الارهاب

في آذار/مارس الماضي، استفاقت بريطانيا على فضيحة كبيرة حين كشفت إحدى الصحف البريطانية عن ‏عشر مدارس على الأقل شرق لندن تدار من قبل متشددين اسلاميين وتغذي التلاميذ بأفكار يمكن أن تجعلهم ارهابيين، ومع أن هذه الفضيحة اطاحت ببعض المسؤولين، غير أنها تؤشر الى وجود خلل ما يجعل من بريطانيا بيئة مناسبة لنمو الأنشطة الارهابية، هذا الى جانب كونها مصدرا اساسيا للإرهابيين ممن قاتلوا في سورية والعراق.

إذن ما هو السرّ في كون بريطانيا تحتضن أنشطة مشجعة على الإرهاب كالتعليم المتشدد، وكيف لهذه الدولة القوية أن تغض الطرف عن تحركات يمكن أن تؤدي إلى تزايد العنف في مناطق مختلفة من العالم؟!.

وليس هذا فقط، بل أن فرنسا ودول أوروبية أخرى دفعت لتنظيمات القاعدة على اختلاف مسمياتها نحو 90 مليون دولار بين عامي 2004 و2011 لقاء تحرير عدد من المواطنين الأوروبيين المختطفين، كان نصيب فرنسيان منها 17 مليون دولار، وهو مبلغ كبير جدا وأعطى زخما كبيرا لتنظيمات القاعدة في الشرق الاوسط، ودفعها هذا المغنم للتفكير بعمليات أوسع في المنطقة بهدف جمع المال.

وفيما كانت دولة قطر تعمل تحت رمال أفريقيا لتصنع بوكو حرام وتجعل منها دولة خلافة في المناطق الهشة اقتصاديا وأمنيا في القارة السوداء، كانت تتحرك في منطقة أخرى من العالم الى جانب كل من تركيا وحتى السعودية والإمارات لتأسيس دولة خلافة أخرى في الشرق الأوسط، ونشطت شبكة واسعة من الاشخاص المرتبطين بهذه الدول لتجنيد الجهاديين وارسالهم الى تركيا لينخرطوا في دورات سريعة على أسلحة أمريكية وصينية قدمت لهم بأموال خليجية قبل ان يكونوا جاهزين لخوض المعارك في سورية والعراق.

وقد كشفت المخابرات اليمنية مؤخرا عن مخطط خطير تديره قطر لتكرار سيناريو الموصل والانبار في اليمن تكون مناطق البيضاء والضالع ومارب وشبوه، مسرحا له، ولم تخف قطر دعمها السياسي والاعلامي والمالي للجماعات الارهابية، وكانت دائما تصرّح بهذا الدعم.

فيما كشف مسؤول الاستخبارات بالجيش السوري الحرّ أن ضباطا في المخابرات القطرية يشرفون على معسكرات لتدريب ما يسمى بـ “الجيش المصري الحر” بمنطقة خليج البردي بليبيا على بعد 60 كيلومترا من محافظة مرسى مطروح المصرية، ويوجد بها جهاديون من مصر وتونس والمغرب ومالي والسودان.

وتشير مصادر أخرى إلى أن قطر تُدير معسكرات أخرى للإرهابيين في كل من ليبيا وسورية وتركيا والمناطق الخاضعة لسيطرة داعش في العراق، وأيضا في مناطق معزولة في كل من تونس والجزائر.

وبعدّ فإن هذه الدول وغيرها مسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر أحيانا عن دعم التنظيمات الارهابية وتمويلها وأيضا بإيجاد الغطاء الشرعي لها، خصوصا بوجود المئات من رجال الين في دول الخليج والأردن ممن يشرعنون القتل وأعمال العنف التي تنتهجها هذه التنظيمات.

حق التعويض عن الاعمال الارهابية

لم ينزل الارهابيون من السماء ليقاتلوا في كل من سورية والعراق، بل هم من جنسيات معروفة ويتلقون دعما من دول لا تخفي موقفها الداعم لهم، مثل تركيا والسعودية وقطر والامارات والبحرين والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى.

وقد كان دعم المجاميع الارهابية نتيجة واضحة لموقف كل هذه الدول الداعم لمساعي الاطاحة بالنظام السوري أول الأمر، وقد اجتمع اصدقاء سورية عدة مرات وأقروا دعما ماليا واعلاميا ولوجستيا للمعارضة السورية التي ضمت فصائل ارهابية.

ففي ايلول الماضي فقط خصص اصدقاء سورية مبلغ 90 مليون دولار لدعم المعارضة السورية وكانت مكاتب تجنيد الارهابيين تنشط في كل الدول الاوروبية والمغرب العربي والدول الخليجية ويتم نقل الجهاديين الى تركيا والاردن حيث يخضعون لدورات سريعة للتدريب على السلاح ومن ثم يدخلون الى سورية والعراق.

وبهذا تعتبر الدول التي دعمت هذه المجاميع مسؤولة مسؤولية تامة عن صناعتها وعن كل ما تسببت به من اضرار للعراق وسورية، استنادا الى ما تقدم من بروتوكولات وصكوك دولية والى الوقائع الدولية، فمثلا اسفرت الحرب العالمية الأولى عن إلزام المانيا بدفع تعويضات لصالح الحلفاء حسب معاهدة فرساي التي وقعتها ألمانيا مع دول الحلفاء عام 1919 عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.

 وحملت معاهدة فرساي ألمانيا وحدها مسؤولية الحرب العالمية الأولى وألزمتها بدفع التعويضات اللازمة لما سببته من خسائر لدول الحلفاء والشعوب في الفترة ما بين 1914 و1918. وحددت لجنة من الحلفاء في باريس في 29 يناير 1921 ان تدفع ألمانيا 269 مليار مارك خلال 42 قسطا سنويا.

ومن بين وقائع التعويض الدولية الأخرى، ما ترتب على اتفاقية لوكسمبورغ بين إسرائيل وجمهورية ألمانيا الاتحادية في 1952 والتزمت ألمانيا فيها بدفع تعويضات لليهود الناجين مما عُرف بالهولوكوست ولإسرائيل باعتبارها ترث حقوق الضحايا اليهود والتي تعتني بتأهيل أغلبية الناجين منهم.

وفي إطار هذه الاتفاقية دفعت جمهورية ألمانيا الاتحادية لإسرائيل ما يقدر بـ 3 مليارات مارك ألماني غربي في غضون 12 عاما ما بين عام 1953 و1965، كذلك التزمت حكومة ألمانيا بدفع مرتب شهري لكل يهودي أينما كان، إذا أثبت تعرضه لمطاردة الحكم النازي في أوروبا منذ 1933 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي واقعة دولية أخرى تؤكد حق العراق بطلب التعويض من الدول الداعمة للإرهاب والمساهمة بإيجاده وصناعته، عما لحق به من أضرار، يمكن أن نشير الى تعويضات يدفعها العراق الى دولة الكويت عن اجتياح نظام صدام حسين لهذه الدولة.

فمنذ 1993 يدفع العراق تعويضات دورية للكويت بسبب احتلال صدام لهذا البلد وتدميره سنة 1990 وتجاوز حجم هذه التعويضات 50 مليار دولار عدا الفوائد المترتبة عليها، وعلى الرغم من سقوط صدام غير ان العراق تحمل هذه التعويضات.

الاستنتاجات

من هنا يمكن للعراق ان يطالب بتعويضات عن الاضرار التي لحقت به جراء ما ارتكب من عمليات قتل وتدمير طالت العراقيين ومدنهم، مستندا الى قرارات الامم المتحدة التي ألزمت دولا اخرى بالتعويض بسبب اعمال قامت بها وترتب عليها ضرر لحق بدول أخرى وبأشخاص آخرين، فحادثة لوكربي مثلا والتي وقعت في 1988 واتهم بها مواطن ليبي ترتب عليها دفع ليبيا لنحو ثلاثة مليار دولار كتعويض لذوي الضحايا ممن كانوا في تلك الطائرة وعددهم 259 شخصا.

ولم تثبت التحقيقات بهذه الحادثة بشكل جازم أن من يقف وراءها قد تلقى دعما من قبل الحكومة الليبية، ومع ذلك أجبرت ليبيا على دفع التعويض، لذا من حق العراق أن يكون فاعلا في المطالبة بحقه بالتعويض لاسيما وان المجاميع الارهابية التي دمرت اجزاء واسعة من هذا البلد قد تلقت دعما سياسيا وماليا واعلاميا من دول معروفة.

التوصيات

1- يتعين على الدول المتضررة من الأعمال الارهابية ومنها العراق اعداد ملف خاص بالأعمال الارهابية التي تعرضت لها يتضمن حجم الخسائر وحجم التعويضات المطلوبة.

2- يمكن لهذه الدول انتداب محامين دوليين لتولي هذه المهمة فتصبح القضية قانونية بحتة وتخرج هي من دائرة أي حرج سياسي قد يترتب عليها خصوصا وان دولا متضررة من الارهاب ومنها العراق تحاول لملمة علاقاتها مع محيطها والعالم وقد تشعر بالحرج حين تقاضي دولا تدعم الارهاب.

3- اللجوء الى فضاء القضاء الدولي لمقاضاة داعمي الارهاب لايهدف فقط الى المطالبة بالتعويض انما لهذه الخطوة اهمية بالغة تتعلق بهيبة الدول المتضررة وسيادتها.

4- يُنتظر من المنظمات الحقوقية والمدنية أن تنهض بمسؤولية التثقيف باتجاه تشجيع ضحايا الاعمال الارهابية على المطالبة بحقوقهم ورفع دعاوى قضائية ضد الجهات والأشخاص والدول التي يعتقدون انها مسؤولة عما لحق بهم من أضرار.

5- مواجهة الإرهاب يجب ان لا تتوقف على الدول فقط، بل يمكن للناشطين في مجال حقوق الانسان جمع الأدلة والوثائق التي تدين داعميه من الداخل والخارج، وملاحقتهم قضائيا.

……………………………………

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات…

هـ/7712421188+964

هـ: عباس سرحان/7800005641+964

http://adamrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights