18 ديسمبر، 2024 8:45 م

وحش غريب دخل المطبخ العراقي

وحش غريب دخل المطبخ العراقي

شهد الوضع الاقتصادي  ابان الفترة التي اعقبت احتلال العراق للكويت  وما لحق بذلك الاحتلال من تداعيات ركودا وانكماشا  اقتصاديا   واضحا خاصة بعد فرض الحصار الاقتصادي الذي دفع الحكومة خلال تلك الفترة  السوداوية الى اتباع سياسة التقشف الاقتصادي ” شد الحزام على البطون ” ..  ولمعالجة العجز عن توفير المواد الغذائية الضرورية  الذي تعانيه العائلة العراقية  التي انهكتها الحاجة  شرعت الحكومة  بتوزيع  مفردات مواد غذائية  توزع شهريا عن طريق البطاقة  التموينية استطاعت  ولو بقدر سد جزء  كبير من احتياجات العائلة  وكان من  ضمن مفردات هذه المواد الدقيق ” الطحين ” صحيح ان هذه المادة كانت  دون مستوى المواصفات الصحية  لكنها كانت تلبي احتياجات العائلة في سد رمق جوع  ابنائها  .. ووسط هذه المعاناة  كانت العائلة محرومة من  تناول ولو  بقدر بعض انواع الفاكهة  او ما يطلق عليها  ” النمنمات ”  التي اعتبرت في حينها من المحرمات التي تستنزف دخل العائلة  لارتفاع اسعارها  حتى يقال ان رب الاسرة عندما كان  يذهب للتسوق لايتجرأ  النظر الى  ” التفاح او البرتقال او الموز او الرمان  وغيرها  من انواع الفاكهة  ” ويقال ان طول فترة الحصار انست بعض المواطنين اسمائها  فبات  يسمي النومي حامض برتقال والرمان سفرجل  والرقي بطيخ .. وكان اكثر ما يجذب نظر المواطن  ثمرة ” الباذنجان ” هذه الثمرة التي اسهمت في سد  احتياجات العائلة العراقية  لمليء بطون اطفالها  وانقاذهم من خطر المجاعة
اذن كان ” الباذنجان ”  ورغم لونه الاسود المقزز للنفس وقرنه  الاخضر بمثابة المنقذ   بسبب رخص ثمنه  فاصبح لهذا  الوحش  الاسود  روادا واتباع  ومريدين يسبحون بحمده  وفضله حتى بات سيد المائدة العراقية  وبات في غفلة من الزمن وحش الطاوة العراقية لاينافسه  احد خاصة  وان المرأة العراقية بما عرف عنها من تقتير وتدبير باتت اكثر خبرة عن  نظيراتها في دول المنطقة  لجعل وحش  الطاوة  ” الباذنجان ” اكثر  مقبولية في المائدة العراقية بعد ان  ادخلت في طبخه المطيبات  عند رقوده مبتسما  في” الطاوة ”  سابحا في  زيت الحصة التموينية لاينافسه احد  .. واختلفت الروايات في اصل زراعة ” الباذنجان ” على اعتباره من العناصر الدخيله  على   العراق دخل دون  تاشيرة  دخول ” فيزا ”  ويقال والعهدة على الراوي انه  جاء العراق من دول في شرق آسيا خلال فترة دخول المغول العراق  حيث كان  من  المؤن  التي  يحملها الجند  في تسفارهم وترحالهم على اعتبار انه  سهل الحمل ويؤكل نيا او مطبوخا  حسب مزاج الجند  الغزاة  ولربما  رافق  جند المغول في غزواتهم بسبب  قرب التشابه  بينه وبينهم  في الشكل والمضمون كونه يحمل قرنا  يتوسط رأسه  مما يعطي الجنود الطمأنينه في تناوله  لوجود صلة قرابة  في الشكل .. وفي روايات اخرى تقول  ان دخول ” الباذنجان ” للعراق جاء  نتيجة توافد افواج من  الزنوج  الافارقة  قدموا للعراق  ابان فترة حكم سلاطين بني العباس للعمل في  قصورهم  العامرة  قبل سقوط هذه الدول بيد هولاكو بعد ان قام بحملة قتل وتنكيل وترويع للسكان  ومن ضمنهم  حتما  الزنوج  ذوي البشرة السوداء التي هي اكثر قربا من لون  ثمرة ” الباذنجان ”  ومهما تكن  اصول ” الباذنجان ” ففي العرف الاقتصادي  يعتبر بطل قومي استطاع ان  يكون علامة دالة في سد  نهم العائلة العراقية  وان يوفر لها فرصا  لسد احتياجاتها  لكن  ” الباذنجان ” ورغم  ما يتحلى به من صفات  متواضعة  خلق لنفسه  عداوات غير مبررة مع زملائه  ” الخضروات ” والثمار الاخرى  حتى بات  مكروها  من قبلهم  لكنه كسب محبة العائلة العراقية  بسبب رخص ثمنه  وتواضعه  داخل المطبخ العراقي في تلك الفترة  التي كان يبحث فيها  رب الاسرة  عن طعام رخيص  لسد نهم الافواه الجائعة  وفق مبدأ البحث عن   الكمية اكثر من بحثه عن النوعية  مثلما هو حاصل اليوم  في مطبخنا السياسي  .. فالمواطن بات اليوم  اكثر تقبلا لالتهام  رغيف خبز  دون مستوى المواصفات الصحية   مغموس  بقطع من  ” الباذنجان ” متحملا لونه الاسود  مغموس بزيت الحصة وهو اكثر سعادة  من  حالة التطبيل والتزمير  داخل المطبخ السياسي العراقي  الذي يبحث عن المكاسب والمغانم  بدلا من بحثه عن وسيلة تسهم في  معالجة حالة الفقر  والحرمان