لمن بقي يتذكر المطربة سميرة توفيق لاسيما من ابناء جيلنا الذي تعلم على “الصدعات” القومية فالماركسية وصولا الى الاسلامية , لابد ان يتذكر اغنيتها الشهيرة بمقاييس ذلك الزمان “وحدك ملكت الروح يا ابن العشيرة .. عاملها بالمعروف عندك اسيرة”. ولانها لابد ان تندب حظها العاثر بسبب “نكتة” ابن العشيرة بها مثلما ندبنا حظنا الاكثر “عثورة” بسبب سيل نكات ابناء عمنا اصحاب المشاريع الوطنية ممن تنتهي حدود مشاريعهم و”هنبلاتهم” عندما تبدا سلطة العشيرة فان سميرة توفيق تمضي قائلة “اكثر بعد ما كول ياسلوة العين .. كالوها بالامثال كلمن ضميرة”.
اذا كان لسميرة توفيق ابن عم واحد ثرم براسها بصلا لمرة واحدة , فان لنا في كل دورة برلمانية مئات ابناء العم الذين يعمل كل واحد منهم طبقا لنظرية “كالوها بالامثال كلمن ضميره”.. فمنهم من يريد الغاء الرواتب التقاعدية ومنهم يريد تقنينها بقانون ومنهم من يرفض بالمطلق حتى لا “يديح” هو “وجهاله”. المصيبة ان ابناء عمنا يختلفون عن ابن عم سميرة لانه ليس من اصحاب المشاريع الوطنية بل كل ما يفتخر به هو كونه ابن العشيرة فقط. مشاريع اصحابنا اوصلتنا الى عنان السماء تطورا وتقدما ومدنية وهي كافية لان تجعلنا مطربين نتغنى حتى بعيون بعضهم التي “تكتل مثل الجيلة” لكن السلوك العشائري لهم يتناقض تماما مع ما يدعون التعبير عنه من سلوك سياسي.
اخر اخبار ابناء “العشائرية السياسية” والتي انتجت بدورها مولودا اكثر سوءا هو “الطائفية السياسية” تشير الى ان النائبين اللذين تعاركا بالايدي مؤخرا في قبة البرلمان من اجل مشروعين احدهما وطني قوامه رفض تعليق صور زعماء اجانب, بينما الاخر ديني يؤمن برفع هذه الصور لان الدين عابر للحدود الوطنية .. تصالحا عشائريا. لا اعتراض لنا على المشادات الكلامية او حتى العركات بالايدي او بالكراسي فهمي مما هو متعارف عليه في برلمانات العالم فان الصلح العشائري موجود هو الاخر. لكن الفرق ان برلمانات العالم التي تشهد مشادات وعركات تظل في سياق اللعبة الديمقراطية. اما الصلح العشائري فيتعلق بعركات او مشادات تحصل بين افراد عشيرتين لا دخل للمشاريع الوطنية او الدينية بها لا من قريب ولا من بعيد.
ومع كل احترامنا للقبيلة وما يمكن ان تنهض به من دور فان مشروع بناء الدولة عابر ان لم يتناقض في اوجه كثيرة جدا في عالمنا المعاصر مع مشروع العشيرة ان كان لها مشروع اصلا. الصلح عشائريا بين نائبين كل واحد منهما منتخب عن 100 الف عراقي ويمثل كل مواطن عراقي في كل العراق يثير اكثر من علامة استفهام على صعيد استمرار هيمنة العشيرة على القرار الوطني في البلاد. والاكثر من ذلك ان هذه ليست هي الحالة الاولى التي انتهت فيها خلافات بين سياسيين عراقيين عشائريا خلال السنوات الماضية. ومن طريف ما يذكر ان الضغوط العشائرية وصلت الى كرة القدم حيث تم اعادة اللاعب كرار جاسم الى صفوف المنتخب الوطني نتيجة لهذه الضغوط.