لقد اصبح جليا خلال الأيام الأخيرة أن هناك عدة قوى في الساحة العراقية بدأت بترتيب وتنسيق اوضاعها واعادة هيكلة التحالفات فيما بينها لمواجهة مايسمى بأستحقاقات المرحلة القادمة بدون اهداف واضحة المعالم مما يعمق الضياع ويضيع اي امل بالخلاص. ومع اني اكاد اجزم بان من الصعوبة بمكان التكهن بما ستؤول اليه الامور سياسيا فان من الضروري محاولة التطرق الى نقطة تعتبر, بتقديري, بمكان السويداء في قلب المرحلة القادمة. الكل يعرف بان الانتخابات المسخرة التي تمت اخيرا عمقت الانقسام الطائفي من خلال طرق الترويج لمرشحيها واسلوب ادارتها البائسة وغير النزيهة والنتائج التي خرجت بها اعطت هذا الانقسام طابعا مؤسسيا وشعبيا ولااتحرج من وصفه بعد الان بالابدي. الكارثة هي بالتاكيد احدى افرازات مرحلة مابعد الاحتلال وقدوم احزاب الشؤم الطائفية معه و السياسات الخرقاء التي مورست طوال الاعوام الماضية. والنتيجة كما نرى هو ان الطائفية تجذرت واصبحت اقوى من مفهوم الوطن والوطنية.
الكثير من الناس (وسياسي العراق في مقدمتهم) لم يفقهوا بعد بان المرحلة التاريخية التي تمر بها شعوب الارض وتداعيات العولمة جعلت العالم مسرحا مفتوحا ليس فيه مكانأ للمقدسات اذا لم تعطي هذه مردودا ملموسا اوله الكرامة للانسان المعاصر. ولنقولها بملء الفم واللسان بان الوقت الذي كان الشعب العراقي فيه يغني “موطني موطني”. قد ولى ولن يعد. فلا يغرنكم طيب الناس وصبرها فللصبر حدود والمثل العراقي يقول “من كثر الدكاك ينفك الّحيم”. لقد كتبت سابقا بان لامعنى ولاقيمة لوطن لدى مواطن يقهر ويذل كل يوم ويستغل ويحرم من ابسط حقوقه الانسانية. وبان لاوزن لوطن اذا لم تستطع ان تجد فيه مأوى يسترك ويستر اطفالك. ولا طعم لوطن اذا كانت فيه اقلية مارقة تسرق وتسيطر على خيراته وانت لاتستطع حماية نفسك ومالك وزرعك وعرضك و فيه لاتستطع توفير الطعام ولقمة العيش لك ولاهلك. نعم ماذا يعني الوطن عندما تجبر ان تعيش فيه وبين ثناياه لاجئأ ومتغربا او ان تجبر بالاغتراب والرحيل الى المنافي البعيدة؟ وماهي مشروعية ومنطق الطلب من الناس ان تقدس جلاديها وتعيش عبيدا في اوطانها وهي تعامل كالقطعان بل كالجرذان وكيف بعد ذلك ان نتوقع منها ان تكون صادقة في وطنيتها وتغني نشيد “موطني موطني” صباحا ومساءأ؟ هذه استنتاج منطقي وقراءة نفسية واجتماعية للواقع المعاش.
من المفروض ان يكون لدى قادة المجتمع قابلية رؤية و تشخيص الجوانب المصيرية لحاضر ومستقبل اوطانهم قبل غيرهم والقدرة على حدس وجدان مواطنيهم. أين قادة العراق الجدد من ذلك. ألا يعرف هؤلاء السياسيين بان اذلال الناس بالشكل الذي نشهده وقتلهم والتنكيل بهم و الاستهتار بمقدساتهم يجعلهم بعيدين كل البعد عن ان يكونوا عبادة الاوطان. أن التطورات في الاشهر الاخيرة أسقطت فعلاً حساسية التعرض لوحدة العراق سواءا ممن قالها من خلف البراقع او ممن قالها بلا براقع او اقنعة.
والى من لازالت لديهم اذان وقبل ذلك ضمائر ووطنية اقول ان امل الحفاظ على وحدة العراق قد وصل الان الى النزع الاخير و الحل هو بالتاكيد ليس استعمال القوة لشد اوزاره بل بسياسة الحكمة والحكم الوطني الصادق و باحترام انسانية البشر وكرامتهم. وهذا ليس بالامر السهل وربما اصعب مافيه ان قيادات وفروع و كيانات المؤسسة العسكرية الهجينة تعيش وضعا فوضويا مستقلا ليس لاحد من الساسة, القائد العام اوغيره, السيطرة الحقيقية عليها. ولان هذه المؤسسة غير منظبطة فقد تلعب دورا مدمرأ لاتحمد عقباه. اربط نهاية هذه الكلمة ببدايتها فاقول ان انقسامات وحزازات الكتل وتخندقها لايؤهلها للاسف للعب دور قارب النجاة خاصة وانها تدور حول نفسها تسيرها مصالها و أحقادها ضد بعضها البعض وهي تعيش في واد والعراق واهله في واد اخر. لكننا مع ذلك نأمل, ولو اننا نبدوا كمن ينفخ في قربة مثقوبة, اقول لكننا نأمل, من هذه الكيانات السياسية والجدية منها بشكل خاص, بان تجعل من وحدة العراق واهله هدفها رقم 1 وهدفها رقم 2 وهدفها رقم 3.