22 ديسمبر، 2024 8:49 م

وجوه الاستشراق وقراءة د. ادوارد سعيد

وجوه الاستشراق وقراءة د. ادوارد سعيد

اختلف المفكرون حول بداية استخدام هذا المصطلح والاختلاف جاء من معنى الاستشراق، فلربما الكل على صواب حول بدايات استخدام الاستشراق وفق تعريفهم له ، ومن هذا المصطلح ظهرت لنا ايديولجيا ابطالها شرقيون يدرسون المستشرقين كيف قراوا الشرق ولعل الدكتور ادوارد سعيد ابدع في هذه الدراسة لسعة اطلاعه بل انه يستشهد بافكار العشرات من المستشرقين والتي تدل دلالة واضحة على كثرة اطلاعه وقراءته لمؤلفات هؤلاء المستشرقين .

هنالك غايات من اجلها يقتحم الغربي الشرقي وهذه الغايات يمكن تمثيلها بالحسنة والسيئة وحب الاطلاع ، فالحسنة وهي التي تستحق عن يسمى صاحبها بالمستشرق هو من يقرا ويدرس ثقافة الشرق بكل علومها وتاريخها ومن ثم ليعتنقها اي يعتمدها في حياته دينيا ومجتمعيا ، واما السيئة فهم الذين يقتحمون علوم الشرق او يتلصصون على علوم الشرق بمختلف المسميات لاجل غايتين ليس اكثر الاولى تدنيس وتحريف تراث الاسلام من خلال الاستحواذ على علوم الشرق بالمخطوطات الاصلية والقيام بتحريفها ومن ثم عرضها من خلال مكتبات الغرب للشرق فينخدع الشرقيون في دراستها ويصبحون اداة لنشر تحريف الغرب كما حرفوا مقدمة ابن خلدون بتغيير كلمة (الاعراب) بكلمة (العربي)، والغاية الاخرى هو الاستفادة من علوم الشرق دينية وغير دينية ومنعها عن اصحابها الشرقيين ليصبح لهم الكعب المعلى في قيادة العالم ، واما حب الاطلاع فهذا ديدن المثقفين الذين يرغبون بالاطلاع على ثقافات العالم ومنها الشرقية لمعرفتها وتقييمها وفق رؤيتهم بعيدا عن النزعات النفسية اتجاه الاسلام .

المعيار الاخر الذي يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار ماهو المجال الذي يقتحمه الغربي حتى يقال عنه مستشرق ؟ فهل يقتحم المجالات التي ينفرد بها الشرق مثلا الديانة والعادات والتقاليد ام انه ياخذ علوم جابر ابن حيان والرازي وابن الهيثم وابن سينا والرماحي وغيرهم ؟، وهذا المجال اخذ هويته حسب ما يصدر عن المستشرق من اراء بخصوص دراسته الشرقية .

معيار اخر اخذ تاثيره على تحوير الافكار تحت مصطلح التنوير ، وهذا التحوير عن طريق اسلوبين بالاغلب الاعم الاول هو الترجمة، فالترجمة تؤثر بشكل قوى على العقول التي تقراها والمترجم له الدور القوي في ترسيخ مفاهيم معينة وفق نزعات شخصية او تنظيمية مدروسة وموجهة للغرب يساعدهم على ذلك ان القارئ العربي لا يتتحقق مما يقولون ويكتبون بل انه ينبهر بها , وكتاب الاستشراق للدكتور ادوارد سعيد ترجم مرتين ، المترجم الثاني اصاب في تبريره للترجمة حيث قال ان اسلوب طرح الافكار تختلف من جيل الى جيل فعملية الترجمة هي نقل اصل الفكرة دون تحريف وفق اسلوب يستسيغه القارئ اليوم . وكثيرا من الكتب التي ظهر تحريفها مع تعدد ترجمتها ومنها كتاب ادوارد سعيد كما ذكر المترجم د محمد عناني .

وقد ابدع الدكتور سعيد في قراءة عقول المستشرقين وكيفية ترسيخ مفاهيمهم في عقول القراء فقد ابدع المستشرقون وبكل تقنية عالية في استخدام الرواية هذا الفن الادبي الذي اخذ مجاله في حيز القراءة والتاثير .

من خلال قراءة ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق وضمن فصل عنوانه حدود اعادوا رسمها وقضايا اعادوا تعريفها ودين جعلوه علمانيا ص198 وقد استشهد بالمفكر الروائي جوستاف فلوبير ( ت 1889) وبطلي روايته بوفار وبيكوشيه، فيقول عنه سعيد استخدم اسلوب الفكاهة والسخرية في حواراتهما لينقل عقل القارئ مما هو فيه من افكار او فراغ فكري الى ما يريد ان يحمل من فكر، فكان يريد نقل ثقافة اسيا ( الهند) الى فرنسا

وهنا لابد لي من الاشارة الى اسلوب الرواية فانها تعتمد على دراسة طبيعة المجتمع النفسية ومعرفة غرائز المجتمع وباي شيء تتاثر فيستخدمها الراوي مهما كانت حتى ولو ضد افكاره يستخدمها كوسيلة للعبور من خلالها الى ما يريد اولا ولتشويهها ثانيا ، والاشارة الاخرى دائما الافكار السلبية فيها بعض الفقرات ايجابية او حسنة اي لا توجد ايديولوجيات 100% سلبية والا رفضت ولكن المحطات الايجابية هي لتغطي على سلبية الافكار فيجعل ابطال الرواية يتحاورون بالافكار الايجابية للفكر الاخر التي تتفق وطبيعة نفس المجتمع فيتعاطف القارئ مع ابطال الرواية بحيث انه لا يشعر وبشكل تلقائي يبرر جرائم ابطال الرواية ويتقمص افكارهم في حياته ، هذا الاسلوب تستخدمه افلام هوليوود الاكشنية في تعبئة عقول الشرقيين بما يريدون فالبطل الذي يقتل المجرم يغتصب ويسرق فيتعاطف معه المشاهد لان صورة البطل في ذهنهم انه ضد المجرم فتبقى هذه الصورة لتبرر كل الادوار الدنيئة التي يقوم بها فيكون الاجرام عمل طبيعي في تفكير الشرقي وهذا ما ادى الى تمزيق جزء كبير من نسيج الافكار الاخلاقية التي رسخها الاسلام في المجتمع الاسلامي .