وجدتُ في المجموعة الشعرية ( وجهتي ووجهتها ) للشاعر علي رحماني أن هناك أشياء كثيرة تُرحل قسريا من مناطق الوعي الى مناطق اللاوعي بفعل تأثير الموجودات العينية وقدرات القوى
الخازنة لإطلاق الحرية للاضطرابات النفسية وحسب تدرجها للوصول الى مناطق التعتيم وبالتالي فأن الإنفعال سيشكل حالة متقدمة لتكون المشاهد والصور الشعرية في أوج إشباعها مضافا لذلك
مايضيفه الفعل الزمكاني عبر تعاقبه الآني أو الموروث من حاجة النص لإستكمال متطلباته بما ينسجم مع النشاط التخيلي الذي حققَ الشاعرُ في هذا النشاط وجودَه الخاص وعمل من خلال هذا
الوجود على أن يكون وجوده إبتكارا ضمن الشكل الذي أراده في علاقة موجوداته مع الآنا ولعل هذا المنحى الإبتكاري قد أوجد قوةً في تماسك وأنسيابية الجُمل الشعريّة وكذا تناغم الصور الدرامية
بعضها مع البعض الآخر وبلا شك فأن الشاعر قد هيئا أرضيته لبناء نصه وأحكم على مضمونه كونه يريد أن يعمق مفهوم الإستيعاب لدى المتلقي
من خلال شحن مفرداته بهاجس المكوث والمنفى اللذان يشغلان الوجود الإنساني :
إتفقَ الشاعرُ والمقبرةُ الثكلى
على جمع الموتى
…..
…..
تجميع الأموات الأحياء
وتطويع الأحياء الموتى
تعصفهم
في بطن إمرأة حبلى ..
وأختلفا في الذكرى
أو في سببٍ أمضى
…….
………
………….
إتفقَ الشارعُ والشاعرُ
في أسرار عناقٍ أعمى
وأسراب قرائن شتى
وسراب الرؤيا
وأختلفا ..
في تهجير القتلى
من مدن القتل العُليا
الى مدن القتل السفلى
…..
………
أثمةَ من يستوعيَ حُزنَ الشاعر
في مُدن المنفى …
إن المفردات الشعرية لدى الشاعر علي رحماني تخلق تشكيلا من العلاقات السببية بعد أن تنسجم مع بعضها البعض لتكوين مقاطعها الشعرية وهي مقاطع مقننة تتمتع بقدرات إنسيابية وهذا
الإنسجام يوضحُ أن اللغة المستخدمة تتشكل بقفزات سريعة ومديات متقاربة وقياسها لايتم عبر المفترض بل عبر النتائج التي تأتي من النقيض الذي يحفل به العقل الإستدلالي إذ أن اللغة وهي
تمسك جانباً من جوانب التركيب غير المباشر للحقيقة المحسوسة فهي ضمناً تحتوي على خفاياها التي تهيئ الصور الكلامية ذات
المنشأ العميق والمنبع الثر وبدوره فأن الشاعر يعيد وضع الأشياء الى مواضعها الجمالية من موجوداته (العينية – السمعية – التخيلية) وقد عمل على إحالتها الى مجاميع من الصور السريعة
الحركة ضمن إتجاهات مختلفة كي يؤمن لها سرعة إعادة الإنتقال ومن هنا تبدأ عملية البحث الشاق بعد أن تم إستدراج التفاصيل ورزمها بمختصرات معبرة عن البعد الطليق اللامرئي لكل معنى
كامن في الذات الإنسانية :
إتفقنا أن نموتَ سويا
أن نعيشَ
بلا إنتظار
وأن ننحني للهجوع
أو نرتشف مهابتنا
نستشقُ معاً
وجه هذا الجنون
في إرتقاباتنا
…..
……..
وأختلفنا
في تداعي الخضوع
في إحتضاراتنا
…….
……….
إتفقنا
وأختلفنا
وأختلقنا
كلَ أعذارنا
…….
………..
ثمة من يرتقي وهجنا
وأنتظاراتنا ،
في هذه المجموعة الشعرية أراد الشاعر علي رحماني أراد أن يقول أن الشعر يستطع أن يحمل مصائر الناس إستنادا الى الفهم الشامل للقاعدة الشعرية الجمالية التي تستوعب محطات النكوص
الإنساني ومادام الشعر يحمل معداته الضرورية التي تستطع من تفكيك الآصرة الزمنية والرجوع
الى الوهم المكاني أي الإنبعاث من المكونات الذاتية ومنها (الطفولة – الوطن- الصمت أمام الوجوه الأليفة – الفجر – المرآيا – التلظي بالترقب – السواد – الأسمال … ) فكل الأشياء التي
وردت في قاموس الشاعر تخص الأيام التي مضت والتي تأتي أي الحركة التي لاتنقطع بين الماضي والحاضر وما يُنتظر من المستقبل كمعادلة مرتقبة لا تأتي بالنتائج المرجوةِ لذلك فإن الزمن
بقي مؤجلا الى قيام الأبدية ،
وجهتي ووجهتها ..مجموعة شعرية للشاعر علي رحماني ، إصدارات بغداد عاصمة القفافة العربية .. مطابع دائرة الشؤون الثقافية / 2013