أسفرت نتائج قمة حلف شمال الاطلسي ( الناتو ) بالاتفاق على تشكيل تحالف دولي لمواجة تنظيم داعش عسكريا في العراق وسوريا لاضعافه واستنفاذ قدراته العدوانية في المنطقة , وقد أعلنت عشرة دول اعضاء في الحلف عن الانضمام الى هذا التحالف وسيكون مقره في اوربا الشرقية ويمكن ان يبدأ فور اعلان مباشرته من خلال قوات الردع ( النخبة ) , وقد تزامن مع هذا الاتفاق صدور تكليف من الرئاسة الامريكية لوزير الخارجية جون كيري باجراء زيارات ومشاورات في المنطقة لضمان تقديم الدعم الاقليمي لهذا القرار , ومن المؤمل ان توافق اغلب دول المنطقةعلى التعامل معه لاسيما بعد اجمعت اجتماعات الجامعة العربية على تاييد الجهود المبذولة لمواجهة داعش والتوافق مع توجهات التحالف الدولي, في وقت أعلنت فيه امريكا بأنها سوف لاتجري اتصالات مباشرة مع ايران بهذا الخصوص , ورغم ان التحالف هدفه القضاء على تنظيم داعش الا انه استبعد التنسيق مع الحكومة السورية مع علمه ان داعش ولد في سوريا اساسا ثم انتشر للعراق .
وقد جاءت هذه القمة بالتزامن مع قرب انتهاء المهلة المحددة للسيد حيدر العبادي في تشكيل الحكومة الجديدة , لان مباشرة أعمال التحالف الدولي لمحاربة داعش يشترط موافقة الحكومة العراقية , كما ان القمة انعقدت قبل انعقاد الجمعية العمومية للامم المتحدة في نهاية الشهر الحالي لكي تتم الاجابة عن المخاوف من التمدد الداعشي من خلال انشاء هذا التحالف الدولي والمدعوم اقليميا بطريقة انتقائية , وقد اعتبرت الدول الاعضاء في الناتو بان اجراء اصلاحات في الحكومة العراقية الجديدة عاملا مهما في نجاح التحالف لانه يتطلب اعادة تنظيم القدرات القتالية للقوات المسلحة واجراء تنسيق بين الضربات الجوية والحركة على الارض , فالاتفاق الأولي هو اتباع سياسة الاستنزاف من خلال توجيه الضربات الجوية لتجمعات وحركة التنظيم وتقييم الوضع لاحقا لتقدير مدى الحاجة لارسال قوات برية , حيث اعلنت استراليا استعدادها لارسال قوات برية كما ابدت كندا استعدادها لارسال مستشاريها للعراق وقد سبق للولايات المتحدة وان أرسلت مستشاريها لتقييم الاوضاع في العراق , وستعقد فرنسا مؤتمرا دوليا لدعم توجهات مكافحة الارهاب في العراق .
وتعد نتائج قمة الناتو تغييرا مهما في السياسة العالمية اتجاه داعش لاسيما الموقف الامريكي , فقد كان باراك اوباما لا يظهر حماسة لدعم العراق رغم سريان اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين امريكا والعراق بعد هجمات 10 / 6 حيث قال ان امريكا لاتتدخل الابعد اجراء تغييرات سياسية باعتبار بان ما يتعرض له العراق أسبابه سياسية في الاساس , ثم أخذ هذا الموقف يتغير بعد تقرب داعش من حدود اقليم كردستان حيث بدأ الطيران الامريكي يتدخل تحت مسوغ حماية المصاح الامريكية في كردستان ونفذ لحد الان اكثر من 130 طلعة قتالية ولانعلم ما هو جديد اوباما في الخطاب الذي سيعلنه الاربعاء القادم , اما المواقف الدولية فقد كانت تتحدث عن تقديم مساعدات تسليحية وانسانية للاقليم والنازحين واستبعدت بريطانيا التدخل العسكري , ولعل اقدام داعش على قتل الصحفيين الاميركيين ونشر مقاطع فيديو عن العمليتين ومن قبل مواطن بريطاني الجنسية استنهض الرأي العام الاوروبي لادراكه خطورة التنظيم وما يمكن ان يحدثه من تداعيات .
ورغم اهمية قرارات الناتو في تشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش , الا ان مايمكن التساؤل بخصوصه يتعلق بأسباب عدم احالة الموضوع الى مجلس الامن لاتخاذ قرار دولي بشان الموضوع بدلا من تقديم طلب من الحكومة العراقية وجعل التعاون الاقليمي مرهونا بنتائج مفاوضات كيري مع دول المنطقة , سيما وان مجلس الامن الدولي سبق وان اتخذ قرارا بتجريم داعش , فاصدار قرار من مجلس الامن لازالة ومحاربة التنظيم استنادا الى الفصل السابع يجعل جميع الاطراف ملزمة بالتنفيذ كما انه يضمن حقوق العراق بخصوص النتائج عن تلك العمليات العسكرية , فقرارات مجلس الامن تخضع اجراءاتها لميثاق الامم المتحدة من حيث الحقوق والالتزامات في حين ان التحالف الحالي يدخل ضمن الاتفاقيات بين الدول , وهي تشابه اجراء عملية جراحية على مسؤولية المريض , علما بان الدول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي ليس في نيتها استخدام الفيتو لمثل هذا القرار رغم انها ليست جميعا ضمن الحلف ( بريطانيا , روسيا , الصين ) , وان طرح موضوع اصدار قرار لمجلس الامن بدلا من التحالفات هو بسبب تجارب العراق في 1991 عندما حقق التحالف اغراضه فحسب وتحالف 2003 الذي سبب الخراب والدمار للعراق وتمت صياغته بقرار فيما بعد .
وقد رحب وزير الخارجية الحالي هوشيار زيباري بالتحالف ونتوقع بان توافق حكومة العبادي عليه وتتقدم بطلب بهذا الخصوص , ومن المؤكد ان هذا الطلب سوف لا يكون مفتوحا وعلى البياض وانما يأخذ بنظر الاعتبار موضوعات وضمانات جوهرية أولها حماية السكان المدنيين من الهجمات بما يؤدي لعودة النازحين بأقرب وقت ممكن بعد تأمين مناطقهم وثانيها انشاء غرفة عمليات مشتركة للتنسيق بين القطعات العسكرية العراقية البرية والجوية واعمال التحالف وثالثها تحديد السقف الزمني للعمليات من حيث بدايتها ونهايتها ورابعها توحيد التنسيق بين بين القوات المسلحة والبيشمركة والتحالف الدولي وعدم ازدواجية التنسيق وخامسها الضمانات اللازمة لعدم احداث تغييرات ديموغرافية تنشأها العمليات وسادسها كل ما يتعلق بتكاليف العمليات وسابعها التطمينات بتحقيق الهدف الفعلي من العمليات بحيث يقدر العراق مدى ملائمة الوضع على الارض لانهاء العمليات وثامنها تحديد المسؤولية عن الاخطاء وتاسعها عدم مطالبة العراق بتقديم أية تعهدات من شأنها الاخلال بسيادته ارضا وجوا وبحرا الا ما يتعلق بتحقيق الغرض المباشر من العمليات وعاشرها ان لا يترتب عن التعاون مع الحلف اية تدخلات بالشأن الداخلي السياسي العراقي .
ومما لا شك فيه ان اقامة هذا التحالف لايصب في مصلحة العراق فحسب وانما هو من مصلحة المنطقة والعالم , لذلك فهو ليس منة او صدقة من الآخرين لانه يعني درأ الخطر عن دول الناتو وحلفائهم في المنطقة , فاعلان داعش عن نيته في التمدد بالمنطقة وضم دول اخرى الى ( خلافته ) سيضر بالمصالح العالمية , كما ان وجود مقاتلين في التنظيم من جنسيات دول الناتو سينقل العمليات الى دولهم اذا ما تم القضاء على التنظيم , لذا فمن مصلحة العالم ان يخوضوا المعركة في العراق وسوريا بدلا من نقلها الى أراضيهم , فقتل المواطنين الاجانب الذين انضموا للتنظيم في معارك داخل العراق وسوريا بعنوان مكافحة الارهاب هو افضل لهم من عودتهم الى بلدانهم لكي يبنوا تنظيماتهم هناك بعد ان تمرسوا على القتال واصبح القتل والتعذيب سلوكا لهم من خلال انخراطهم في التنظيم وتنفيذ عملياته , والمراقبون يشيرون الى ان الاجانب تحولا اكثر تطرفا من العرب في تنفيذ العمليات وقد أثبت ذلك فعلا المواطن البريطاني عند ذبحه الصحفي الامريكي رغم انه كان فنان في بريطانيا , ويتوجب على دول الناتو جميعا مساعدة العراق من خلال معالجة نقص التسليح وبما يضمن احتفاظ القوات المسلحة بقدرات دفاعية كافية لمواجهة مختلف الاخطار باعتبار ان العراق سيتولى الحرب على الارض .
ولا يعني اقامة هذا التحالف تجيير المعركة بالنسبة للعراقيين فالمعركة هي معركة العراق لان هناك ثلث الاراضي خارج السيطرة الفعلية وما يقدمه الناتو هو من باب الدعم والاسناد , ومباشرة الناتو بعملياته يتطلب اعتماد خطط عسكرية وأمنية غاية في الدقة والموضوعية , فالخسائر التي سيتعرض لها التنظيم سيكشف عن خلاياه النائمة والحاضنات في سائر انحاء العراق , ومن المتوقع القيام بعمليات انتقامية او ضاغطة في الداخل لغرض التأثير على سير العمليات في الميدان , والخطط الامنية التي نقصدها لا تعني تكثيف السيطرات وزيادة الازدحامات او مضاعفة الاجراءات على المواطنين ونشر المظاهر المسلحة , وانما من خلال تفعيل الجهد المخابراتي والاستخباري وحشد وتوحيد الجهد الامني الوطني بكل اشكاله الجهادية الخيرة وجعله بيد الدولة حصرا لمنع أية احتكاكات , ويتزامن مع هذه الجهود ضرورة اسكات الابواق الاعلامية المنحرفة والداعية للتفرقة واثارة النعرات الطائفية والاحباط ويجب ان يكون موضوع الاعلام ضمن فقرات اهتمامات كيري في توفير الدعم الاقليمي , ومن الممكن ان يكون تشكيل الحكومة الجديدة والتزامها بالفعل هدف التغيير واستثمارالحشد الدولي الى جانب العراق الفرصة الملائمة لنتوحد جميعا للدفاع عن بلدنا لكي نبدأ جميعا للمباشرة ببناء العراق بعدان اهدرت الكثير من الاموال وعامل الزمن , وهي الفرصة التأريخية لاثبات الوطنية الحقيقية وليس من خلال رفع الشعارات .