7 مارس، 2024 5:29 م
Search
Close this search box.

وجهة نظر: الورقة البيضاء والإصلاح الاقتصادي

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ أسابيع والكثير منا يسمع عن الورقة البيضاء ، فقد جاءت هذه الورقة في عهد الحكومة الحالية وأثناء مواجهة الصعوبات المتعلقة بتوفير الأموال الكافية للإيفاء بالمتطلبات الأساسية لنفقات الموازنة الاتحادية في جانبيها التشغيلي والاستثماري ومنها توفير رواتب الموظفين وتامين معيشة الشعب ، وهذه الورقة لم تدرج ضمن برنامج الحكومة عند بداية تشكيلها وتم تنظيمها لاحقا بعد الإحساس بعظم المشكلات المادية التي تواجه البلد ربما لأسباب تتعلق بتراكمات العقود الماضية والتغيرات التي حصلت في العالم او بعد جائحة كورونا التي أصابت اقتصاديات العالم جميعا بالضرر دون استثناء ، والورقة البيضاء التي نشرتها بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تتضمن أنواعا متعددة من الحلول قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى والآجال ، وتطبيقها يحتاج إلى العديد من المتطلبات على الأصعدة كافة ، ونقصد حاجتها إلى دعم حقيقي وغير مزيف في الجوانب السياسية والأمنية والتشريعية وما تتطلبه من تضحيات ونكران للذات ، وقد اقترن اسم وزير المالية الحالي في الترويج لهذه الورقة ، ونعتقد إنها عرضت على مجلس الوزراء ولكنها لم تقترن بموافقة مجلس النواب ، وقد يكون السبب لكونها تتضمن سياسات واستراتيجيات وليس بهيئة قانون كما إن عدم عرضها على البرلمان ربما ينبع من طبيعة هذه الورقة لأنها ذات طبيعة تنفيذية وتتعلق بمهام مجلس الوزراء ، وقد يعرض جانب منها لاحقا بهيئة مشاريع للقوانين عندما تتولد الحاجة الملحة لتشريع قوانين جديدة او إجراء التغييرات في القوانين النافذة ، وقد شهد ظهور الورقة حملات متعددة الصياغة والعرض والتحليل ولهذا لم يطلع الجمهور على تفاصيلها ومضامينها بشكل دقيق ولكنها رغم هذا بقيت تحظى باهتمام مجلس الوزراء وتتم الإشارة إليها والتفاخر بها في العديد من المناسبات .
ومن التساؤلات التي طرحت إزاء هذه الورقة هو مدى ملائمة إعدادها من قبل حكومة انتقالية لها مدة ومهام محددة تتعلق بإجراء الانتخابات المبكرة إلى تخطيط يمتد ل3 سنوات او أكثر لمفاصل مهمة من الاقتصاد وما يرتبط به من فروع ، وكان الجواب إن أي من الفعاليات الاقتصادية لا يمكن أن تنجز بالترقيع كالاقتراض الداخلي والخارجي لأنه سيدمر البلاد ويضيع مستقبل الأجيال ، فالورقة تفترض إن الحلول لا يمكن أن تكون مجتزأة وإنما يجب أن يكمل احدهما الآخر لإحداث حالة من التكامل والتراب والشمول ، وهذه الورقة تتحمل الكثير من الإسهاب إلا إننا بصدد تأثيرها على إعداد موازنة 2021 ، فقد تأخر موعد تقديم الموازنة لدرجة إنها لم ترسل إلى مجلس النواب ألا بتاريخ اليوم ( 22 كانون الأول 2020 ) ، كما إن إعدادها سادته العديد من الملاحظات ومنها تسريبها للجمهور قبل عرضها للمناقشة في مجلس الوزراء ، وعند مصادقة الحكومة عليها تم الإصرار على تسميتها بأنها موازنة إصلاح وليست موازنة تقشفية وهدفها الشروع بإجراء تغييرات هيكلية في الاقتصاد ، ومن مقدمات هذه الموازنة او بسببها تم تغيير سعر صرف الدولار من 1190 دينار إلى 1450 ، وهذا التغيير تمت المباشرة به ابتداءا من يوم الأحد الماضي بقرار من البنك المركزي العراقي وهو قرار اعتبره البعض تم بضغوطات من وزارة المالية رغم إن المركزي يتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار ، ويبرهن البعض على ذلك بوجود فقرة في مواد مشروع قانون الموازنة الاتحادية ( المسرب ) مما يعني إن إعداد المادة تم قبل اتخاذ قرار بتغيير سعر الصرف ، ويرى البعض إن إدراج سعر الدولار في قانون الموازنة الاتحادية بالتنسيق مع البنك المركزي العراقي هو أفضل من تثبيت السعر بقرار من البنك المركزي ، فكما هو معروف فان مدة سريان أية موازنتنا الاتحادية هي سنة واحدة مما يتيح إمكانية العدول عن سعر الصرف بانتهاء السنة المالية ، ولكن إصدار قرار من البنك المركزي يعني تثبيت السعر ربما لفترة تزيد عن السنة المالية مع احتمالات تغيير السعر صعودا او نزولا بما يحرج الموازنة او يوفر لها مزيدا من الإيرادات ، وهناك من يرى ضرورة إن يكون التغيير بسعر الصرف بما يلاءم مدة الموازنة لكي لا تحرج الحكومة القادمة باعتبار إن الحكومة الحالية من المتوقع أن تتغير بعد إجراء الانتخابات في الموعد المقترح في 6 حزيران القادم . وقد أعربت بعض الآراء عن عدم اتفاقها مع تغيير سعر الصرف كوسيلة لزيادة الإيرادات حيث يجدون إن من الممكن إيجاد مصادر أخرى لتمويل الإيرادات غير النفطية من خلال تفعيل القطاعات الاقتصادية والجباية السليمة للضرائب والرسوم ومعالجة الفساد وإعادة الأموال المنهوبة والتحري عن أموال ومستحقات العراق في الخارج او الاقتراض من اجل زيادة الناتج المحلي .
وأنصار هذا الرأي يؤكدون بان تغيير سعر الصرف من الممكن أن تكون له تأثيرات على غالبية الشعب من خلال القدرات الشرائية للدينار بينما الإيرادات الأخرى التي تتم جبايتها في الموازنة تتخصص بفئات محددة وبما عكس فوائد جبايتها على الكل ، فالاعتقاد السائد بان معظم الإجراءات التي تتخذ هدفها الأول تدبير رواتب الموظفين الذين لا يشكلون أكثر من 20% من نفوس العراق وان كل السكان قد يتضررون لصالح فئة الموظفين ، وهو اعتقاد تنفيه الورقة البيضاء لأنها تفترض بان الفقرات الواردة فيها من الممكن أن ينعكس أثرها على الناتج المحلي الإجمالي الذي ينفع عموم المواطنين مع إعطاء الأسبقية لشرائح محدودي ومعدومي الدخل من خلال الفلسفة التي تتضمنها الموازنة الاتحادية باعتبارها موازنة برامج وليست موازنة أبواب ، وهذه النظرة لا يزال يسودها نوع من الضبابية ليس على افتراض إنها سلبية بل لأنها لم تعرض بشكل تفصيلي على الجمهور فما خرج عنها جدولا واحدا لاستقطاعات الضريبة من الموظفين ، مما يجعل البعض لا يقتنع بجدوى الإصلاح الذي تتضمنه الورقة في ظل الترويج لنسبة الأداء الحكومي للمدة السابقة ، سيما وان الأسواق في أيامنا الحالية تشهد حالة من عدم الانضباط النسبي ونوع من الفتور ومن دلائله انخفاض مبيعات المركزي في نافذة بيع العملة إلى 113 مليون دولار بتاريخ 22/ 12 / 2020 بعد أن كانت مبيعات أكثر من 200 مليون دولار لا تكفي لتغطية كل طلبات الشراء ، كما إن من الدلالات الأخرى انخفاض أسعار بيع الدولار في الأسواق لأقل من السعر الجديد ( 1470دينار/ دولار ) حيث بلغ معدل السعر المعروض ( 1430 ) واقل ، ورغم إن المظاهر المشار إليها لا يمكن أن تكون كافية للحكم لأنها من نتاجات ( صدمة ) التغيير ومن متطلبات إعادة ترتيب الأوراق من قبل أصحاب الأعمال والمستهلكين وربما تكون من تداعيات تضارب التصريحات ، إلا إن بعض الترويج الذي يتزامن مع ( الإصلاح ) لا يسير إلى موقف المؤيد للإجراءات الأخيرة ، وهناك من يعول على مناقشات وقناعات مجلس النواب بخصوص الموازنة ، فلأنها مشروع قانون فان من صلاحياته الدستورية قبولها كلا او جزءا وإجراء التغييرات عليها على وفق الرؤى التي يراها مناسبة ، وازاء ما تم عرضه في أعلاه فان أعين أغلبية الشعب تتجه صوب عدم المساس بالقدرات الشرائية لغرض توفير متطلبات الحد المقبول للحياة الكريمة والعدالة في توزيع الثروات وفقا لما نصت عليه مواد الدستور وحقوق الإنسان ، ناهيك عن عدم الرغبة في إدخال البلاد بسجالات غير منتجة من شانها زيادة عدد الجياع والفقراء وربما تبقي البلد من غير موازنة لمدة طويلة ، وستبقى على رأس الأمنيات والمطالب هي معالجة الفساد واسترداد الأموال ، فأغلبية الشعب لا تهمها لون الورقة الإصلاحية واسم مقدمها وإنما ماذا سيترتب عنها من منافع ملموسة بالفعل بعد معاناة لم تظهر نهاياتها بعد .

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب