سيناريوهات عدة تنتظر منطقة الشرق الأوسط وملفات خطيرة تديرها الولايات المتحدة لإدارة مصالحها، وعن طريقها يمكن لها السيطرة على العالم والتأثير فيه، وأحياناً لا نجد تفسيراً مقنعاً بشأن قرارات الولايات المتحدة في دعم جهات وتقويض جهات أخرى، ولكن عند التمعن في مغزاها نحصل على إجابات محدودة بشأن بعضها، وربما يشاركني الرأي كثير من المختصين في شأن السياسة ودهاليزها، بأن دعم الحكومة الأمريكية لقواتنا المسلحة يثير الشك والريبة كما يقول (الفقهاء)، فلا أُصدق أن الولايات المتحدة تدعم حكومة عراقية يقع بعض من مسؤوليها تحت التأثير الإيراني، وأن ساستها يصرحون علناً بعدم ترحيبهم بأمريكا ويصفونها
بالشيطان الأكبر على حساب حكومة وشعب رحب بالولايات المتحدة ويعدها الصديق الأول، كما أن كردستان ليس لديها مشكلة مع إسرائيل مطلقاً ومن ضمن أجنداتها إقامة علاقات دبلوماسية وتعاون سياسي واقتصادي شامل معها، فضلاً عن أن الشعب الكردي أقرب نفسياً إلى الاسرائيليين من العرب، بل أنهم أقرب إلى شعوب العالم أجمع من العرب ويشعرون أن سبب تعاستهم هم شركاؤهم في الوطن (العرب).
ومن حق أي إنسان أن يطلق العنان لخياله في البحث عن السبب الذي جعل الولايات المتحدة تتخلى عن حليفها الستيراتيجي (كردستان) لصالح حليف غير موثوق به (حكومة بغداد) من وجة نظرها إلا إذا كانت هناك فائدة كبرى ستجنيها من تضحيتها بأقرب أصدقائها وأهمهم بعد إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
أنا أرجح سيناريوهين اثنين: الأول ذكرته في مقال سابق هو أن الولايات المتحدة تسعى لدعم العبادي لبسط نفوذه وتقويض التأثير الإيراني في العراق وربما يستطيع فعل ذلك بعد ارتفاع حظوظه في الشارع العراقي في الولاية الثانية وهذا الأمر لم يغب عن حكومة طهران التي بدأت تعد العدة لدعم اصدقائها في كسب الشارع المحلي ووضع العراقيل أمام العبادي ، والسيناريو الآخر الذي أعتقد أنه الأكثر فائدة للولايات المتحدة والأرجح تطبيقاً الذي يتعلق بتسهيل سيطرة داعش على محافظات كردستان وتجعل من جبالها وكهوفها موطناً لها وإن فعلت ذلك فإنها أكيد ستجني فوائد كثيرة جداً.
الفائدة الأولى، إنها ستزرع دولة متطرفة في شمال العراق تتوسط أربع دول معادية للولايات المتحدة وهي أيران وتركيا والعراق وسوريا، ويمكن لها أن تستميل الأكراد في الدول المذكورة، وسينضم لها المتطرفون العرب والأكراد والتركمان، فضلاً عن المتطرفين في دول العالم أجمع، وهي تمتلك مؤهلات الدولة من مطارات واحتياطي نفطي كبير وهي أصلاً محمية بفضل تضاريس أراضيها، ناهيك عن أن وضع الأكراد النفسي الآن يجعل بعضهم أكثر ترحبياً بإنشاء دولتهم تحت أي عنوان ليحققوا عن طريقها أحلامهم التي كلما لاحت في الأفق يتم إجهاضها، وقد سبق للولايات المتحدة أن فعلتها مع الاتحاد السوفيتي حين دعمت الجهاديين في افغانستان
وهي اليوم تشعر أن الخطر الكبير يأتي من إيران وامتداداتها في الدرجة الأولى وروسيا وتركيا في الدرجة الثانية، وبهذا السيناريو تبعد خطر هذه الدول عن إسرائيل وتحقق حلم أصدقائها الأكراد، فضلاً عن أن دولة داعش الكردية ستكون خطراً دائماً يتمدد في اتجاهات متعددة. وستتم معالجة ملف سكان كردستان الرافض لأفكار داعش عن طريق السماح بهجرتهم إلى دول العالم ويُسهل لبعض منهم النزوح إلى مناطق سهل نينوى، فيما يتوزع الباقون على محافظات العراق المتعددة بحسب انتماءاتهم وقد ينظم جزء كبير منهم إلى صفوف داعش انتقاماً من حكومة بغداد التي بطشت بهم كما هم يقولون، ( والله يستر من الجايات).