مقدمة
قام الأثوريون وعلى إختلاف فصائلهم باللجوء إلى المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة عصبة الأمم التي أنشئت عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى. وجاء هذا اللجوء بعد أن إكتشفالأثوريون خداع الدول الإستعمارية وفي مقدمتها بريطانيا (ألإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) وتنكُّرِهِم لوعودهم التي قطعوها لقوميات عديدة، وفي مقدمتهم الأثوريين في الدولة العثمانية. لذا، فقد حاول البعض منهم بالبحث عن دولة أجنبية أخرى تحميهم وتدافع عن حقوقهم، وتلبِّي مطالبهم وطموحاتهم في العيش على أرضهم معَززين مكرَمين، يحيَّون فيها هم وأبنائهم بحرية.
ومن بين الوثائق المحفوظة في أرشيف الأمم المتحدة، عثرنا على وثيقة باللغة الفرنسية مقدمة من ملك قنبر بعنوان “ قضية الأشوريين-الكلدان أمام مجلس عصبة الأمم”. فمن هو ملك أو مليك قنبر؟ وما مضمون هذه الوثيقة؟ وما ملابساتها؟ وما دور الإستعمار الفرنسي فيها؟
المعلومات التي بين أيدينا شحيحة عن قمبر، والذي نعرفه إنه سليل رؤساء إحدى العشائر الأشورية في الدولة العثمانية سابقاً. وكان يُطلَق على رؤساء العشائر لقب (ملك أو مليك أو مالك) وما زالت التسمية مستخدمة حتى الآن.
إختلفت عائلة قمبر مع الرئاسة الدينية للأثوريين وهي عائلة ما شمعون التي توارثت الرئاسة البطريركية للأثوريين منذ عام 1318 ولم ينتهِ هذا التوريث الديني إلا في عام 1976، وفق نظام وراثي كنسي سُمّي بنظام (ناطر كرسيا – حارس الكرسي)، تناوب على رئاستها بطاركة من عائلة (أبونا) حصراً، إبتداءً من البطريرك طيمثاوسالثاني (1317-1332)، وإنتهاءً بالبطريرك مار شمعون إيشاي (1920-1975). إلا أن قرار التوريث البطريركي النسطوري أتخذه البطريرك مار شمعون الرابع باصيدي (1437-1397) في عام 1450 الذي جاء تكريساً لواقع قائم منذ 120 عاماً (1317-1437)، فقد سبقه خمسة بطاركة لذات الكنيسة ومن نفس العائلة، وذلك بعد وفاة تيمورلنك عام 1405. وعُرف منصب الخليفة المحتمل للبطريركية بناطر كورسيا “حارس الكرسي”. وتلقبوا جميعا بلقب (مار شمعون) إبتداءً من البطريرك شمعون الثاني (1365-1395)، وحتى إغتيال مار شمعون إيشاي عام 1975. وكان هذا النظام الوراثي سبباً رئيسياً في تصدع هذه الكنيسة الأصيلة.
وخلفاً لأسرة شكمير توارث الكرسي الرسولي لبطريركية كنيسة المشرق ثلاث وعشرون بطريركاً شمعونياً ولمدة تقارب الـــ 650 عاماً (1328- 1975 م).
وترجع قصة هذا الخلاف بين عائلة مار شمعون وفرع أخر من نفس العائلة يدعى رئيسها نمرود بك، وهو إبن عم البطريرك بنيامين مار شمعون إلى عام 1903 نتيجة إنشقاق عائلي قاد إلى صراع دموي مرير ، وإنشقاق مذهبي لاحقاً، كما ترويه المصادر الأشورية، وتفصيل الحادث كما يلي: –
“كان البطريرك مار شمعون روئيل قد سقط من على ظهر فرسه في شهر تشرين الثاني 1902. وأصابه الشلل النصفي نتيجة النزف الدموي الذي أصابه. ولم يُشْف البطريرك من هذه الإصابة بالرغم من جلب الدكتور أوشانا في ربيع 1903 من أورميا إلى قوذشانوس لمعالجته. لكن البطريرك مار روئيل شمعون توفي متأثراً بإصابته يوم 29 آذار 1903. كان البطريرك في يوم 15آذار 1903 قد قام برسامة بنيامين إلى درجة المطران فوليط، رافعاً إياه من هيبذياقنا (الشماس الرسائلي) إلى مطران في يوم واحد. كان الهدف من هذه الرسامة السريعة ليؤمن ويؤهل البطريرك أحد أفراد العائلة للدرجة ناطر كرسي خوفاً من حدوث فراغ، لأن مار أوراها ميطرافوليط القلاية البطريركية كان في الموصل آنذاك مع بقية أفراد آل نمرود ومار يهبألاها أسقف برواري لبحث إمكانية الاتحاد مع الكنيسة الكلدانية.
وقد أورد الكاتبين يوسف ملك خوشابا وملك لوكو بيت بداوي في كتابيهما المنشورين عن تفاصيل هذا الصراع المأساوي الذي قاد إلى مقتل العديد من أفراد عائلة نمرود على يد رجال العشائر الأثورية بدفع أو بتغطية من البطريرك وعائلته. ويذكر خوشابا إن عدد القتلى قد تجاوز 28 شخصاً بالإضافة إلى نمرود وأبنه وأبن شقيقته . بينما يذكر لوكو إن عدد القتلى 8 أشخاص، كما جرى تعذيب وتهديد عدد من الأشخاص، ذكرهم بالأسم وعددهم 24 شخصاً من الرجال والنساء، إستناداً إلى وثيقة نشرتها بالفرنسية شوشان (إبنة نمرود) وزوجة ملك قمبر في بيروت عام 1949 .
وبعد أن تقرر تنصيب مار بنيامين شمعون بطريركاً بحسب الأصول المتـّبعة في قانون كنيسة المشرق (مار بنيامين هو إبن أخ البطريرك مار روئيل الذي توفيَ في 29/آذار/1903)، وبالتحديد في 04/شباط/1903 توجه نمرود وإبن عمه يوخنا، ويوسف إبن يوخنا إلى الموصل وتفاوضوا مع بطريرك الكلدان حول انضمامهم إلى الكثلكة فرحّب بطريرك الكلدان بذلك وانضمّ نمرود وأتباعه وبينهم مار إيشوعياب أسقف منطقة دوري.
وكان ملك قمبر بنيامين وردا الملك قمبر وردا من جيلو، صهر نمرود المار ذكره، آشوري كاثوليكي (كلداني) تلقىّ وعداً من فرنسا الكاثوليكية في سوريا، بإقامة حكم ذاتي آشوري في الجزيرة السورية، وأحد المنشقين عن عائلة مار شمعون، وقد إعتنق المذهب الكاثوليكي، وأقام علاقات مع فرنسا التي ساعدته للقيام بخطة مماثلة للخطة البريطانية في إنشاء قوة من الآشوريين مع الوعد بإقامة حكم ذاتي أشوري في الجزيرة السورية، كون فرنسا كانت بدورها تريد سحب مهمة ما يسمى “حماية الآشوريين” من الإنكليز في العراق. فبدأت إتصالاتها مع الملك قمبر عام 1918، وفي 7 تموز/يوليو 1920 إلتقى الملك قمبر بالجنرال غورو في قصر سُرسُق في بيروت، وخلال ذلك الاجتماع أبلغه غورو بأن فرنسا قررت أن تعطي منطقة ماردين والجزيرة السورية إلى الآشوريين وبانه قرر تسليم المهمة إلى قمبر، الذي قام بمراسلة آغا بطرس وبقية الزعماء الآشوريين للانضمام للمشروع الفرنسي، فأعجبت الفكرة آغا بطرس.
وكان آغا بطرس قد وجّه رسالة أخرى إلى نفس الجنرال في بيروت باللغة العربية، وقد سرقت من السفارة الفرنسية من قبل صديقة الجنرال نفسه وهي فتاة آشورية من ولادة روسيا كانت تعمل جاسوسة لصالح الإنكليز، وأرسلت نسخة من الرسالة المسروقة إلى المسؤولين الإنكليز في بغداد، وكان في هذا سبباً لطرد آغا بطرس من العراق.
وبعد أن علم الإنكليز بهذا التحرك الذي قام به الفرنسيون، بدأ القلق البريطاني الذي عبّر عنه المفوض السامي البريطاني في العراق برسي كوكس (Percy Cox) في رسالته السرية إلى المسؤولين البريطانيين بتاريخ 22 نيسان/أبريل 1921والتي يعرب فيها عن إحتمال تورط آغا بطرس وأخرين مع الفرنسيين بقوله: ” لديّ شكوك بأن الحكومة الفرنسية ستطلب من الآشوريين الإنتقالإلى منطقة الجزيرة وماردين، وهناك ما نسمعه عن بعض القادة الآشوريين الذين تمت رشوتهم من أجل ذلك” وبعدها بدأ التضييق على الجنرال آغا بطرس والأسقف مار سركيس (أسقف جيلو، قبيلة الملك قمبر) من قبل الإنكليز خوفاً من أن يأخذوا منهم الآشوريين إلى الفرنسيين، ثم بعد أشهر نُفي الأول والتجأ الثاني إلى الحكومة العراقية ليصطف إلى جانب بعض الزعماء المعارضين للقيادة الآشورية المتمثلة بعائلة المار شمعون.
لم تكن فرنسا بعيدة عن الصراعات الدولية مع الدولة العثمانية، كما إنها لم تكن خالية من الأطماع حال أي غربي ينظر إلى الشرق على إنها الأرض التي (تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً) . وتعود بدايات التدخل الفرنسي في شؤون العثمانيين إلى عام 1535 عندما وقعت اتفاقية تجارية (سنة 1535م) بين السلطان العثماني وفرنسا منحت من خلالها فرنسا الكثير من الإمتيازات داخل أراضي السلطنة، من بينها السماح لها بإرسال البعثات التبشيرية الفرنسية. وكان من نتائجها الأولية إنقسامالكنيسة الشرقية بعد 18 سنة من عقدها، حيث إنضم قسم منها إلى الكنيسة الكاثوليكية عام 1553. وفتحت هذه البعثات الطريق إلى إنشقاقات أخرى حتى داخل العائلة الواحدة، والعشيرة الواحدة، والقرية الواحدة، والمنطقة الواحدة، وأخيراً الدولة الواحدة. وغدت هذه البعثات ملاذاً آمناً لكل متمرد وباحث عن الحرية خارج إطار سلطة الدولة.
وتعود بدايات ظهور المبشرين الكاثوليك في الإمبراطورية العثمانية إلى عام 1220، حيث إن أقدم الكاثوليك الذين قدموا إلى القسطنطينية “إسطنبول” كانوا من الرهبنة الفرنسيسكانية التي أسسها الراهب فرانسيس الأسيزي. وكان الغرض من قدومهم هو دمج كنيسة الشرق “بيزنطة” مع كنيسة الغرب في روما، وتحويل الكنيسة الشرقية إلى كاثوليكية. ثم تبعهم الرهبان الدومنيكان، وهي رهبنة أسسها القديس الإسباني دومينيك عام 1215م، ثم الرهبان اليسوعيين “الجزويت” عام 1583.
كان البريطانيون قد سبقوا الفرنسيين في تعاملهم مع الأثوريين، وكالعادة، فقد كان الترشيح لمنصب البطريرك سبباً للخلاف بين عائلة مار شمعون وعائلة نمرود. وكان البطريرك مار شمعون روئيل قد سقط من على ظهر فرسه في شهر تشرين الثاني 1902، وأصابه الشلل النصفي نتيجة النزف الدموي الذي أصابه. وفي يوم 15 آذار 1903 قد قام برسامة بنيامين من درجة شماس رسائلي إلى درجة المطرابوليت (أي مطران)، دفعة واحدة في يوم واحد. كان الهدف من هذه الرسامة السريعة ليؤمن ويؤهل البطريرك أحد أفراد العائلة لدرجة ناطر كرسي خوفاً من حدوث فراغ، وكانت الأحقية لهذا المنصب، للمطران مار أوراها ابن أخ نمرود أو ابن عمهم الثاني القس يوسف. وقد تنافس البريطانيون والفرنسيون على مرشح البطريركية. فبينما وقف ممثل بريطانيا المبشر براون إلى جانب بنيامين الشاب (16 سنة) للمنصب، وقف ممثل فرنسا المبشر الدومينيكي المعروف بلقب “الأب الفرنسي” نائب القنصل الفرنسي في ولاية وان إلى جانب المطران أوراها للمنصب. وكانت الغلبة للجانب البريطاني، حيث تمت رسامة مار بنيامين إلى السدة البطريركية لكنيسة المشرق النسطورية في كنيسة مار شليطا في قوذشانوس صباح يوم الأحد 12 نيسان 1903، من قبل مار اسحق خنانيشوع ميطرافوليط روستاقا، بينما كان مار أوراها مطرابوليتالقلاية البطريركية في الموصل آنذاك مع بقية أفراد آل نمرود ومار يهبألاها أسقف برواري لبحث إمكانية الاتحاد مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية رداً على حرمانهم من المنصب. وكانت نتيجة ذلك، صراع دموي ذهب ضحيته نمرود عميد الأسرة، والمطران أوراها المرشح البطريركي الخاسر، بالإضافة إلى 28 شخصاً من العائلة ذاتها.
وقد إستغل الفرنسيون هذه الحادثة، وإنضم إلى الكثلكة نمرود بك، ويوخنا إبن عمه، ومار إيشوعياب أسقف منطقة دوري في برواري بالا، وآخرون. ورغم إلإدعاءات الفرنسية بحمايتهم بإعتبارهم “كلدان المستقبل” أو الكاثوليك الجدد إلاّ أنه جرى تصفية نمرود وعائلته في عام 1914 على أيدي رجال البطريرك الجديد بنيامين مار شمعون، ويبد أن ذلك جرى بدفع من البريطانيين للتحضير لدور كبير وخطير ستلعبه عائلة مار شمعون وفقاً للتوجيهات البريطانية.
وهكذا إنقسم الأثوريون إلى قسمين متصارعين: الأول يوالي بريطانيا ويضم عائلة البطريرك مار شمعون. والثاني يوالي فرنسا ويضم عائلة نمرود. وعندما قرر مار شمعون الإنضمام إلى جانب الحلفاء ضد الدولة العثمانية، عارض نمرود ذلك القرار، وفضل البقاء إلى جانب الأتراك، ورفع العلم التركي فوق داره. إلا أن ذلك لم يحميه من مصيره المحتوم.
بعد وفاة نمرود تولى النشاط السياسي صهره قمبر أبن الملك بنيامين وردا من جيلو، وهو أشوري (كلداني-كاثوليكي) من الأشوريين المهاجرين إلى روسيا عام 1918، وإستقر في جورجيا مع 170 عائلة من عشيرته.
كان ملك قمبر من أوائل منتقدي عائلة مار شمعون وفي مقدمتهم سرمه عمة مار شمعون التي غادرت العراق إلى لندن بقصد حضور المؤتمر المذكور إلاّ أنها لم تصل إلى باريس للمشاركة فيه، فقد كتب في 30/12/1920 إلى ممثلي الأشوريين في مؤتمر باريس للسلام لعام 1919 قائلاً: “لقد باعوا أمتهم وملأوا جيوبهم على حساب أطفالنا وأقاموا في الغرف الفخمة في لندن”.
وهذه هي الترجمة الحرفية لنص الرسالة المذكورة.
قضية الأشوريين-الكلدان أمام جمعية عصبة الأمم
يتشرف مندوبي الأشوريون-الكلدان بأن يتقدموا لعصبة الأمم، محكمة العدل الدولية المهيبة، مطالبات الشعب الأشوري-الكلداني
منذ نهاية الحرب الكونية رأينا أن كل الأمم والشعوب المظلومة قد حصلت على وطنها وإستعادت أمنها. في غضون ذلك، فقد سُمِحَ بحرمان أقدم شعوب العالم، وكذلك أكثرهامسيحية، وهم الأشوريون-الكلدان من حقوقهم وحريتهم. وسُمِحَ لشعبهم بالتشتت في العالم كما لو لم يكونوا يملكوا وطناً أصلياً لهم.
وفي جميع مؤتمرات السلام، تقدم مندوبينا بدعواهم، مطالبين بإعادة جزءٍ محدد من وطن أسلافنا. ولكن دائما ما كانت مطالبهم تؤجل.
واليوم نرى إن جمعية عصبة الأمم مجتمعة لتحقيق السلام العالمي وإحلاله، والتعامل مع الشعوب المضطهَدة، لذا نستميحكم بأن نقدم مجدداً طلبات الأشوريين-الكلدان ونأمل أن تؤخذ قضيتنا بعين الإعتبار وأن يتم منح حقوقنا أخيراً لكي نتمكن من الإبقاء على وجود شعبنا وعِرقنا.
ومن أجل الحفاظ على لغتنا الأم والتمتع بحقوقنا بشكل قانوني، فإنه يجب أن تُمنَح لنا العدالة، ويتضرع مندوبونا وممثلونا أن تُدرَس قضيتنا، وتُفحَص بدقّة للحكم عليها، وإعادة وطننا الأم الذي ضحى من أجله رجالنا، ونساؤنا وآلاف الآلاف من أطفالناالأبرياء.
وهذه ليست نعمة أو صدقة نطلبها منكم هنا، بل هي العدالة التي ننشدها، لإننا قاتلنامن أجل الحصول عليها، وكل غصن أزهر في أرضنا قد إرتوى من دماء البعض مِنَّا. وسيكون إنكار عظيم للعدالة حرمان شعبنا الشجاع، وشهداء عِرقه، ورفضاً لندائه في قانون عادل وفي العيش في العالم، ونسِيَّاناً من حلفائه السابقين المنتصرين في الحرب.
فالجميع يعرف إن الأراضي الممتدة من شارغات (الشرقاط)، إرويل (إربيل)، وسولدوز (حدود فارس)، ساري ، چاخوكيسان حتى سنجار ، كما هي الموصل، بولايتها، فإنها تنتمي للأشوريين-الكلدان. هذه الأراضي ليست عائدة للعراق ولا إلى تركيا. فغالبية سكانها هم من الأشوريين-الكلدان.
والكل يعلم تماماً، إننا قاتلنا إلى جانب الحلفاء ضد الأعداء المشتركين. والحلفاء، وإعترافاً منهم بمساعدتنا، قد منحونا وعداً بإعادة هذه الأراضي التي إفتديناها بالكثير من التضحيات.
إن الشعب الأشوري-الكلداني المشتت يطالب إذا بما هو حق له. بينما عصبة الأمم، وبغض النظر عن رغبات وطموحات تركيا والعراق، فإنها قد إستبعدت الوعد الذي قطعه الحلفاء لنا. إن هذه الأراضي يجب أن تعاد إلى الأشوريين-الكلدان. فشعبنا الفقير الذي عانى كثيراً، يستحق هو أيضاً أن يعيش، وأن يقيم، إن لم يكن على أرض أجداده، فعلى الأرض التي إنتمى لها دوماً.
إننا مجرد أمة صغيرة غير قادرة على نيل الحقوق التي ندَّعيها؛ ولكننا واثقون من روح عدالة عصبة الأمم، ونأمل أن تسمع نداءنا وترحب به بشكل إيجابي.
ونحن نطلب منها أن تأخذ بعين الإعتبار طموح الأشوريين-الكلدان، من الحرب التي خُضناَها، والتضحيات التي قدمناها، وكل الذي فقدناه.
إن ما نطلبه ليس إقامة إمبراطورية أشورية، أو مملكة كلدانية، بل نطالب بحريتنا تحت الحماية المباشرة لسلطة مسيحية.
تقبلوا أيها السادة، أسمى التقدير والإحترام
الوفد الأشوري-الكلداني
الرئيس: الأمير مليك قمبر
يمكن إبداء بعض الملاحظات على الوثيقة المذكورة، وكما يلي:
بدأت فكرة التخلي عن بريطانيا بعد تنصلها من وعودها للأثوريين منذ عام 1925 بعد تحديد خط الحدود الفاصل بين تركيا والعراق (خط بروكسل) بموجب قرار مجلس عصبة الأمم في كانون الأول 1925، والذي ألحَقَ معظم مناطق الأثوريين في جبال حكاري بدولة تركيا، والذي قبِلتهُ واعترفت به كل من تركيا والعراق بموجب معاهدة أنقرة المعقودة في 5 يونيو/حزيران 1926.
وقد جاء ذلك في أولى مراسلات مار شمعون إيشاي إلى عصبة الأمم والتي حررها في الموصل بتاريخ 23 تشرين الأول 1931 (باللغة السريانية) حملت إلى جانب توقيعه، تواقيع عدد من رؤساء العشائر الأثورية (ملوك)، جاء فيها: “لذا فإني أستعطفكم بالنظر إلينا ونقلنا إلى إحدى الدول تحت حكم إحدى الممالك الغربية، وإذا ما ارتأيتم بأن ذلك غير ممكن، نرجو الطلب من حكومة فرنسا أن تقبلنا في سوريا وتشملنا برعايتها، وذلك بسبب عدم قدرتنا على العيش في العراق أكثر من ذلك، وسنخرج منه”.
وهكذا كان التنافس على أشده بين إنكلترا وفرنسا وأمريكا حول إستغلال الأثوريينوضحاياهم التي قدّموها في الحرب العالمية الأولى، فقد إستمرت عائلة مار شمعون تنفذ ذلك حتى النهاية.
كما يجب أن لا يغيب عن الأذهان تخوف المسيحيين -على إختلاف تسمياتهم- من الأتراك راجع إلى الإضطهادات التي لحقتهم أيام الدولة العثمانية والتي طُبِعَت بطابع ديني، مما دفع المسيحيين إلى طلب الحماية من سلطة (مسيحية).
كان التنافس الديني-المذهبي واضحاً في هذا الصراع، فإذا كان الطابع المذهبي لمشروع النساطرة المنضوين للمعسكر البريطاني يركز على مشروع إقامة الدولة الأشورية، بدعم من الكنيسة الأنكليكانية في بريطانيا التي تمثل المذهب البروتستانتي، بينما كان النساطرة المنضوينتحت المعسكر الفرنسي يركزون على مشروع إقامة الدولة الأثورية -الكلدانية، وكانت العبارة المستخدمة لدى الفرنسيين في الإشارة لقضية الأثوريين هي القضية الأثورية-الكلدانية (La Question Assyro-Chaldéenne) في إشارة إلى المذهب الكاثوليكي. وهذا ما كان يشير إليه أغا بطرس وملك قمبر في التعريف بوفده إنه وفد الكلدو–أشوريين أو الأشوريين-الكلدان.
إن مثل هذا التنافس المذهبي كان سبباً في إضعاف طلبات الأثوريين مطلع القرن العشرين أمام المجتمع الولي وعصبة الأمم. وما زال هذا الإنقسامأكبر عائق في طريق حصولهم على حقوقهم المشروعة حتى يومنا هذا.
ومع ذلك، فإن الوثيقة تشكل جهداً دبلوماسياً للأثوريين والكلدان لدى عصبة الأمم في زمن ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهي في كل الأحوال، محاولة فردية للحصول على حقوق أمة قُدِّر لها أن تكون ضحية على مسرح الأحداث في زمن صعب من تاريخ البشرية.
د. رياض السندي