ترجمة : فلاح عزيز الوائلي – عن صحيفة نيويورك تايمز*
كشفت وثائق جديدة انتصار وكالة الأمن القومي الأمريكية في حربها السرية الطويلة الأمدضد التشفير باستخدام حاسبات ذكية ،وحيل فنية، وأوامر قضائية إضافةإلى صفقات ما خلف الكواليس لتقويض الوسائل الأساسية لحماية الخصوصية في الاتصالات اليومية لعصر الانترنت.
لقد قامت الوكالة بالتحايل وكسر الكثير من رموز التشفير التي تحمي تعاملات التجارة العالمية، والأنظمة المصرفية ، وبيانات حساسة -مثل أسرار التجارة والتسجيلات الطبية – ، وتلك البرامج التي تحمي رسائل البريد الالكتروني، وعمليات البحث على شبكة الانترنت والدردشات والمكالمات الهاتفية للأمريكيين وغيرهم في كافة إنحاء العالم.
يفترض العديد من مستخدمي الشبكة الدولية أن بياناتهم آمنة من أعين المتطفلين والأعين التابعة للحكومة (أوأن لديهم ضمانات من شركات الانترنت الدولية ) مع رغبة من قبل الوكالة الأمريكية في بقاء هذا الافتراض سائدا على هذا النحو.
بدأتأدوات التشفير عام 2000 بتغطية شبكة الانترنت مما دفع بوكالة الأمن القومي الأمريكية باستثمار مليارات الدولارات في حملة سرية لديمومة قدرتها على التنصت بعد خسارتها في معركتها العامة سنة 1990 لإدخال الباب الخلفي الخاص بها في جميع أنواع التشفير ، حيث بدأت بانجاز نفس الهدف خلسة باستخدام الشبح.
أفادت وثائق ومقابلات مع موظفين في مجال الصناعة ان الوكالة قد نشرت حاسبات فائقة السرعة ومصممة خصيصا لكسر الشفرات حيث بدأت بالتعاون مع شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة والعالم لتصميم نقاط دخول في منتجاتها لكن الوثائق لم تكشف عن أسماء الشركات التي شاركت في ذلك .
اخترقت وكالة الأمن القومي الأمريكية الحواسيب المستهدفة برسائل قبل أن يتم تشفيرها وتقول الشركات انه في حالات معينة تقوم الحكومة بإجبارها على تسليم مفاتيح التشفير الأساسيةأو تصميم باب خلفي .كذلك استخدامالوكالةلنفوذهاوتأثيرها – باعتبارها الأكثر خبرةفي العالمفي مجال التشفير – لإنتاج نقاط ضعف في مستويات التشفير ثم يلي ذلك عمل المطورين لأجزاء الحاسبة وبرامجها في جميع إنحاء العالم.
“تبنت وكالة الأمن القومي الأمريكية – لعقد من الزمن – سياسة بذلت بموجبها جهود عدائية متعددة الجوانب لكسر تكنولوجيا التشفير المستخدمة عبر الانترنت “بحسب مذكرة 2010،التي وصفت انجازات الوكالة لموظفي نظيرتها .. مركز الاتصالات الحكومي البريطاني ( GCHQ). وذكرت أيضا ” أن قدرات التشفير تأتي الآن عبر الانترنت وان الكثير من البيانات المشفرة عبر هذه الشبكةوالتي تم تجاهلها سابقا يتم الآن استغلالها”.
وثيقة أخرىعن ميزانية الاستخبارات توضح استمرار الجهد وبقوه كما تذكر الوثيقة (نحن نستثمر في مجال بناء القدرات المتعلقة بالشفرة لهزم التشفير المستخدم ضدنا واستغلال بيانات شبكة الانترنت في هذا المجال) هذا ما كتبه مدير الاستخبارات الوطنية (جيمس ر. كلابر) في الطلب الخاص بالميزانية للعام الحالي.
وصفت الوثائق المقدمة من قبل السيد ( سنودن) إن وكالة الأمن القومي في الأشهر الأخيرة قد نجحت في حصد كميات هائلة من الرسائل حول العالم. وتبين الوثائق الخاصة بالتشفير كيف أن الوكالة تعمل لضمان قدرتها الفعلية على قراءة وتحليل المعلومات التي تجمعها .
إن نجاح الوكالة في اختراق العديد من وسائل الحماية المتعلقة بالخصوصية من خلال كسر التشفير لا يغير القوانين التي تحظر الاستهداف المتعمد للرسائل الالكترونية للأمريكيين أو اتصالاتهم الهاتفية دون مذكرة قضائية.حيت تبين أن الوكالة – والتي تم توبيخها من قبل قاضي اتحادي عام 2011 لانتهاكها القوانين وتضليل محكمةمراقبةالاستخباراتالأجنبية- لايمكنها ان تكون مقيدة بقوانين تكنولوجيا الخصوصية.إن قوانين وكالة الأمن القومي تسمح لها بخزن رسائل الاتصالات المشفرة سواء كانت محلية أو دولية لطالما تحاول فك شفرتها أو تحليل ميزاتها التقنية .
وقال موظفين كبار في الوكالة إن وكالة الأمن القومي المتخصصة في كسر الشفرات منذ بداياتها عام 1952 ترى إن هذا العمل شيء أساسي في طبيعة عملها وان عدم قدرتها على فك شفرات رسائل الإرهابيين والجواسيس والأعداءيجعل الولايات المتحدة تواجه إخطار حقيقية .
في الأسابيع الأخيرة طلب الرئيس الأمريكي اوباما من وكالات الاستخبارات تفاصيل اتصالات قادة القاعدة حول مؤامرة إرهابية وكذلك طلب رسائل المسؤولين السوريين حول الهجوم بالأسلحة الكيماوية خارج دمشق ، حيث قال موظفو الوكالة الكبار لو أن الرسائل الالكترونية قد تم إخفاءها بشفرة غير قابلة للاختراق لما تمكنت الوكالة من أداء عملها بالشكل الأمثل في تلبية طلب الرئيس .
لكن بعض الخبراء يقولونأن حملة الوكالة لتجنب وإضعاف وسائل الحماية الأمنية عبر الانترنت سوف تكون له عواقب خطيرة غير مقصودة ، ويضيف الخبراء إن الوكالة تعمل عند نقطة تناقض حيث أن جزء من مهمتها الأساسية هي التنصت وفي نفس الوقت ضمان امن اتصالات الولايات المتحدة .
إن معظم جهود الوكالة داخل الولايات المتحدة قد تركزت على التشفير في الاستخدام العالمي بضمنها طبقة التوصيل الآمنة SSL) ) أو الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN)وكذلك وسائل الحماية المستخدمة في الجيل الرابع(4G) والهواتف الذكية . إن العديد من الأمريكيين ودون إدراك منهم يعتمدون على وسائل الحماية المتبعة عند إرسال رسائل الكترونية أو شراء حاجة معينة عبر الانترنت أو استشارة الزملاء عبر شبكات الشركات الخاصة أو عند استخدام الهواتف المحمولة أو الحاسبات اللوحية (Tablet) على شبكة الجيل الرابع.
تكشف إحدى الوثائق أن مركز الاتصالات الحكومي البريطاني وبالتعاون مع وكالة الأمن القومي الأمريكية قد بحث ولمدة لا تقل عن ثلاث سنوات طريقة النفاذ عبر الأنظمة المحمية لشركات الانترنت السائدة مثل ( غوغل ،فيسبوك ،هوتميل، ياهو . مايكروسوفت ).
طور مركز الاتصالات الحكومي البريطاني(GCHQ) نقاط وصول جديدة لاختراق أنظمة غوغل حسب ما كشفته إحدى الوثائق حيث نفت غوغل إعطاء أي حكومة نقاط وصول للنفاذ عبر أنظمتها كذلك نفت امتلاكها أي دليل يشير إلى أن أنظمتها مخترقة .
“إن الخطر في وضع باباً خلفيا للأنظمة يكمن في انك لن تكون الوحيد القادر على استغلاله” هذا ما صرح به السيد ماثيو د. غرين ، وهو باحث تشفير في جامعة جون هوبكنز مضيفا ” إنبإمكان تلك الأبواب الخلفية أن تعمل ضد أنظمة الاتصالات الأمريكيةأيضا”
ذكر بول كوشر الرائد في مجال التشفير وهو من الأشخاص الذين ساعدوا في تصميم طبقة التوصيل الآمنة (SSL) كيف خسرت الوكالة الجدل القومي في تسعينيات القرن الماضي حول إدخال مبدأ الباب الخلفي للتشفير الحكومي أو ما يسمى ب(رقاقة كليبر)(The Clipper Chip). “وذهبوا وقاموا بتنفيذها بطريقة أو بآخري دون إخبار أي احد” هذا ما قاله كوشر وأضاف بأنه متفهم لطبيعة مهمة وعمل الوكالة إلا انه يشعر بالقلق إزاء خطر السماح للوكالة بالوصول إلى المعلومات الخاصة.
كانت وكالات الاستخبارات تشعر بالقلق من السير بالظلام إلى الأبد أما اليوم فإنهم يتصرفون بشكل فوري مع غزو كامل للخصوصية وبجهد محدود وأضاف “(هذا هو العصر الذهبي للتجسس)”.
للحديث تتمة..
صحيفة نيويورك تايمز 5/9/2013 بقلم( نيكول بيرلروث، جيف لارسون ،سكوت شان)
وعلى الرابط :
http://www.nytimes.com/2013/09/06/us/nsa-foils-much-internet-encryption.html?hp&_r=2&