12 أبريل، 2024 2:07 ص
Search
Close this search box.

وثائق تاريخية في الزيارة الاربعينية – النشأة والتطور{ الحلقة الاولى ــ المقدمة}

Facebook
Twitter
LinkedIn

للأمام الحسين{ع} زيارات استحدثت بعد شهادته ولكل زيارة ظرف خاص حمل الناس للتوجه الى قبر ابي عبد الله الحسين{ع} كان طابعها دينيا وسياسيا لان زيارة قبور اهل البيت عليهم السلام لم تكن موجوده قبل استشهاد الامام الحسين{ع} . غير ان موقف الحسين{ع} وثورته في كربلاء جعلت للناس طريقا للتواصل مع اهل البيت {ع} .للتأكيد على ذلك لا توجد نصوص قبل واقعة كربلاء في كيفية زيارة قبر النبي{ص} وامير المؤمنين والزهراء عليهما السلام حيث كان القبران الشريفان مخفيان تلك الفترة. وقد ذكرت بعض النصوص عن الامام الباقر{ع} ان الامام زين العابدين {ع} قام بزيارة جده امير المؤمنين{ع} في نجف الكوفة . وكان يزوره من بعد { وهناك مشهد للإمام زين العابدين قرب بحر النجف} خوفا ان يعرف الامويون مكان القبر الطاهر ويقومون بنبشه واخراج جسد الامام علي{ع} والتمثيل به. كما فعلوا في جسد الشهيد زيد بن علي{ع} وفي العصر الحديث نبشوا قبر الصحابي حجر بن عدي الكندي{رض}.

من الزيارات وربما هي من اوسعها حضورا وانتشارا في العالم كله هي زيارة الاربعين . سميت هذه الزيارة بالأربعين لأنها تمثل مرور أربعين يوما من استشهاد الإمام الحسين {ع} في العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة. كما إن هذه الزيارة توافق في يوم العشرين من صفر الخير وهو اليوم الذي ورد فيه الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري من المدينة المنورة إلى كربلاء المقدسة لزيارة قبر الحسين{ع}. وكتب البعض عن تلك الزيارة ان جابر الانصاري{رض}  كان أول من زاره قبر الحسين{ع} هذا غير صحيح , لان اول زائر لقبر الامام الحسين {ع} بعد دفنه من قبل قبيلة بني اسد يوم الثالث عشر من محرم كان عبد الله بن الحر الجعفي [الرجل المتخاذل] الذي لم يوفق بنصرة الحسن{ع}حين دعاه لنصرته. وقصته معروفة انالحسين{ع}وهو في طريقه إلى الكوفة قد دعاه لنصرته فأعتذر ببعض الأعذار وعرض أن يجهزه بفرسه فأبى{ع}وذهب إلى كربلاء، وبقي عبيد الله يعاني حسرات التخلف عن نصرة مصباح الهدى   وهي حسرات صبغت كثيراً من شعره . قال الشاعر الجعفي يرثي  الحسين{ع} مشيراً إلى ندمه على تخلفه عن نصرته قال:

فيالك حسرة ما دمت حيا………… تردد بين روحي و التراقي

حسين حين يطلب نصري ………علي اهل الضلالة و النفاق

غداة يقول لي بالقصر قولا…. …….اتتركنا و تزمع بالفراق

و لو اني اواسيه بنفسي …….. ….لنلت كرامة يوم التلاقي

مع ابن المصطفي نفسي فداه ……….تولي ثم ودع بانطلاق

فلو فلق التلهف قلب حي ………….لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الأولى نصروا حسينا…..وخاب الآخرون إلى النفاق

وله مقطوعة ثانية مديناً كيد النفاق الأموي للإسلام وقتلهم آل الرسول{ص} يقول … يبيت النشاوي من أمية نوماً… وبالطف قتلى لا ينام حميمها …وما ضيع الإسلام إلا قبيلة… تأمر نوكاها ودام نعيمها… فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة …. وعيني تبكي لا يجف سجومها..ـــ

هنا بدأت ظاهرة القاء الشعر والقصيدة لمأساة كربلاء والهبت الحادثة قريحة الشعراء فصاروا يتسابقون في رثاء ابي عبد الله{ع} وهذه الظاهرة اعتبرها المحللون ان الشعر في المديح والرثاء كان امتدادا للأعلام الحسيني الذي اسسه الامام زين العابدين وزينب العقيلة عليهما السلام من خلال خطبهما في الكوفة والشام . وكان الشعار الذي رفعه الامام زين العابدين بوجه الطاغية ابن زياد ردا على تهديده. { اتهددني بالموت يا ابن زياد .! اما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة} كما ان زينب(ع)  لم تكن غافلةً عن أبعاد كلمتها التّاريخيَّة الخالدة، وهي تتحدَّى القاتل يزيد المحاط بالجند والعسكر، وتقول له: “فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا” هكذا تاسس العنفوان الحسيني من هذه الشعارات المزلزلة لعرش الظالمين.. ولا زال شعار الحسين{ع} في كربلاء ماثلا امام المؤمنين. { لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد ثم نادى: يا عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون، وأعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب} كما ان موقفه يتجسد في ضمير الرجال الشرفاء{ مثلي لا يبايع مثله}  وهذا ايحاء من الحسين{ع} ان هناك من يسيرون على خطه الثوري الذي يمثل الحق في كل زمان . فكانت زيارته ردا على من منع التواصل بالحسين{ع} وهو في قبره تأييداَ لموقفه وثورته العظيمة .

*الزائر الثاني للقبر الشريف سليمان بن قنة .المصادر تقول انه الزائر الاول. لأنه زار قبر الحسين {ع} يوم السادس عشر من محرم أي بعد ثلاثة ايام بعد دفنه.سجل شعوره بالتبدل والخلو في منازل آل محمد بكربلاء.. وبين مدى ما ساءه من هذا التبدل في المنازل والخلو، وآلمته المفارقة بين أبياتهم يوم حلو فيها، ويوم غدت منهم خالية قفراء: يقول في تائيته الرائعة.

مررت على أبيات آل محمد …….فلم أرها أمثالها يوم حلت

فلا يبعد الله الديار وأهلها…وإن أصبحت منهم برغمي تخلت

وإن قتيل الطف من آل هاشم ….أذل رقاباً من قريش مذلت

كان سليمان بن قتة يدرك أن ما حدث يوم عاشوراء.. أمر أكبر مما يظن، ليست الحادثة قتل رجل أو رجال.. ثم تمر كسائر حوادث القتل في التاريخ، وما أكثر حوادث القتل في التاريخ! إن حادثة عاشوراء التي وقعت قبل ثلاثة أيام أذلت رقاباً هي الأعز في العرب وفي الناس أجمعين، إنهم رجال من قريش فيهم هنا المقصودون – آل أبي طالب لؤلؤة التاج وعين القلادة؛ قال سليمان: فقال :

وإن قتيل الطف من آل هاشم ………… أذل رقاباً من قريش مذلت

 لما سمع الهاشميون هذا البيت من ابن قتة بعد فترة حين انتشر بين الناس اقترح عليه  بنو الامام الحسن{ع} تبديل عبارة واحدة  فيه، لكنها عبارة تعطي المعنى بعداً أعمق ودلالة أصدق، قالوا له: هلا قلت:

وإن قتيل الطف من آل هاشم ….. أذل رقاب المسلمين فذلت؟!

هذا التبديل اللفظي اليسير في البيت أدخل معنى اوسع في رؤية كربلاء وحوادثها وسبب بقاءها وصمودها مدى الدهر لإن عظم هذه الفاجعة أطاح بعزة المسلمين، فما بقيت لهم عزة، وأذل رقابهم الى الأبد، وهذا ما تصدقه وقائع التاريخ:

ألم تر أن الأرض أضحت مريضة ….. لقتل حسين، والبلاد اقشعرت؟!

ألم تر أن البدر أضحى ممرضاً…… …..لقتلى رسول الله لما تولت؟!

وقد أعولت تبكي السماء لفقده ……. ..وأنجمها ناحت عليه وصلت

فكانت القصائد الحماسية والرثائية تاخذ فعلتها في قلوب المسلمين . وتجعلهم يقفون الى جانب الحق الذي تم الاعتداء عليه من قبل اهل الباطل والفساد . فكانت الزيارات تتوافق مع { الموقف والحق والشرف والتضحية والانتماء}.

اما في يوم الاربعين ففيه حوادث تاريخية منها  وافق رجوع عيال الإمام الحسين {ع}من الشام إلى كربلاء مرة أخرى بقيادة الإمام زين العابدين{ع} فالتقى بجابر بن عبد الله الانصاري{رض}كما أنه اليوم الذي رجعت فيه رؤوس أهل البيت{ع} إلى أبدانهم في كربلاء . الى الحلقة الثانية ان شاء الله.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب