قمت في أوائل عام 1998 بزيارة لمكتب الصديق “عبد الجبار الدوري” وكيل وزراة الخارجية وواحد من كبار الدبلوماسيين العراقيين اللامعين , و لدى دخولي مكتبه تبينت ضيفاً يرتدي الزي الكردي التقليدي قدمه لي الأستاذ “الدوري” على أنه الشيخ “روبيتان ” شقيق رئيس عشيرة ” عزيري” الذي كان قد ربطته به علاقة وثيقة في الثمانينات عندما كان سفيراً للعراق لدى المانيا الغربية ؛ وقد جاء ممثلا لعشيرته يحمل رسالة تأييد للرئيس صدام حسين – رحمه الله – راجياً أن يقوم الأستاذ “عبد الجبار الدوري”بتسليمها وذلك لعلمه بمدى قربه من مؤسسة الرئاسة ؛ وعندما بدأ الأستاذ “الدوري” قراءة الرسالة لاح طيف ابتسامة على وجهه , ثم قال أن لغة الرسالة ضائعة ما بين العربية والكردية , وتحتاج لصياغتها من جديد , ثم فوجئت به يقدمها لي راجياً مني اصطحاب الشيخ الى مكتبي لأعيد صياغتها بما يتلاءم ومقام الجهة المرفوعة اليها , على أن يجري بعد ذلك طباعتها على الآلة الكاتبة كما تقضي أصول مراسلات رئاسة الجمهورية , ومن بعدها يتولى الأستاذ الدوري مهمة تسليمها الى المرسل اليه . ولسبب ما بقي أصل الرسالة على مكتبي فحفظته في ملف خاص بالأوراق الهامة ؛ وكذلك نسيت أمرها حتى وقعت تحت نظري قبل أيام , وعندما أعدت قراءتها ارتأيت أنها قد ارتقت في الظروف الراهنة الى وثيقة مهمة لأن الشيخ الكردي كتبها في زمن تقمّص فيه الأكراد دور اليهود وما قيل أنهم عانوه في المانيا النازية , وشنّوا حملات كذب صاخبة عن عداء عنصري تجاههم , وعن تعرضهم لإبادة جماعية بضربات بالغاز السام والسلاح الكيمياوي, و عن حملات لاقتلاعهم من أراضيهم , وقد وجدوا من هو مستعد ليشهد زوراً لصالحهم من المتأسلمين ومن المتأمركين العراقيين , و كذلك في أوساط الإدارة الأميركية والفرنسية , وحتى اسرائيل . وفيما يلي نص الرسالة :
……………………………….
……………………………….
السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه
م ” الذي يقيم في العاصمة بغداد , ويتوزع بقية أشقائه ما بين السليمانية وأربيل .
وقد تجدد اتصال العشيرة بالدولة العراقية في عام 1992 من خلال السيد ” عبد حسن المجيد ” الذي كان مسؤولا في جهاز المخابرات , وتعاونت معه حتى عام 1994 , ومن بعدها صار ارتباطها بالدولة من خلال علاقة الشيخ ” رستم جرمكا” و المرحوم “صدام كامل” المرافق الأقدم للسيد الرئيس القائد حفظه الله ؛ ومن خلال تلك العلاقة نقلنا للمكتب العسكري عبر لندن وبغداد والسليمانية الكثير من المعلومات الاستخبارية الدقيقة وخاصة فيما يتعلق بزمرة ” جلال الطالباني ” وكان أهمها تلك التي كشفت بأدق التفاصيل عن خطّة التعرض لمدينة ” كركوك ” والاستيلاء عليها عام 1995 ؛ وبعد أن أفشلنا تلك المؤامرة قام المجرم ” جلال الطالباني ” باعتقال الشيخ ” رستم ” وأشقائه في السليمانية بتهمة اتصالهم بالدولة العراقية, وبعد إطلاق سراحهم رجع الشيخ ” رستم ” الى بغداد , وذهب شقيقه ” ربتين ” الى ” أربيل ” حيث يعمل حالياً مع زمرة مسعود البرزاني .
إن عشيرتنا فرداً فرداً ومن خلال رئيسها تؤكد حبها ووفاءها للقائد صدام حسين حفظه الله ورعاه , وتعاهده بأن يكونوا رهن الإشارة للدفاع عن الوطن .
توقيع / روبيتان عزيري
……………………………
……………………………
حفل الخطاب السياسي في عهد الرئيس صدام حسين بمصطلحات سياسية كان بعضها فاقعاً ومستفزاً , وبعضها الآخر مغالطاً و طافحاً بالتزيّد والتزلف , وهي جميعها كانت بلا لزوم , ترددها الألسن وتنكرها القلوب , ولقد خصمت من الرصيد الشعبي الرئيس بأكثر مما أفادته , ويبدو أنه حتى الأكراد لم ينجوا من عدوى ذلك الخطاب ومصطلحاته الفاقعة كما يتضح من رسالة العشيرة الكردية .
تكذّب هذه الرسالة الوثيقة أولئك الذين حاولوا تزوير التاريخ القريب للعراق لتبرير تواطؤهم مع الاحتلال الأميركي , فهي تكشف أن الأكراد الشرفاء الوطنيين كانوا آمنين وينعمون بحقوق
تتكون عشيرة ” عزيري ” من أربعة أفخاذ هي : “كومه ي” , “ميراله ي” , “فروبشي” , “اسماعيل عزيري” ؛ وهم ينتشرون في مدن السليمانية وطاسلوجة العصرية وبيره العصرية , وكذلك في نواحي سرجنار وبازيان وسوسة وسورداش, و في أربعة وأربعين قرية تابعة لتلك المدن والنواحي .
متساوية مع بقية مواطنيهم العراقيين , وأن القرى الكردية المسالمة كانت عامرة بأهلها , وأن عشائر كردية نافذة وقسماً كبيراً من الأكراد كانوا مؤيدين ومواليان للنظام ورئيسه ربما أكثر من بعض العراقيين العرب , وليكن أن عشائر و مجاميع كردية كانت على صلة بإدارات أمنية وسياسية في بغداد , فذلك من طبيعة الأمور نظراً للوضع الحساس لمنطقة شمال العراق , و في نهاية الأمر فإن تلك الإدارات عراقية مكرّسة لحماية الأمن الوطني العراقي ؛ وليكن أن هؤلاء الأكراد قد تلقوا رواتب شهرية من المراجع المختصة , ونالوا مكرمات من رئيس الجمهورية , فهم في النهاية يأخذون من خيرات وطنهم , وعبر مؤسساته المخوّلة وبأوامر من الرجل الذي يعتبرونه رئيسهم الشرعي , وفي كل الأحوال فإن تلك الرواتب والمكرمات مكافأة مشروعة على جهدهم وتضحياتهم في سبيل حماية وطنهم من المارقين , وهؤلاء الأكراد هم قطعاً أشرف وأنبل من القيادات والزمر كردية التي لم تترك باباً لعدو من أعداء العراق والعرب إلا وطرقته تتسوّل وتهرق ماء وجهها على عتباته عارضة خدمات لا تليق إلا بالجواسيس .