22 ديسمبر، 2024 11:28 م

وبدأ موسم السوق السوداء الصيفي

وبدأ موسم السوق السوداء الصيفي

الدروس الخصوصية .. وتغول التعليم التجاري
تحقيق: مهند سري
فيما يؤدي طلبة السادس الإعدادي، الإمتحانات الوزارية، التي توقفت لتوافقها مع عيد الأضحى المبارك ، ترى طلاباً آخرين، يزدحمون على أبواب المدرسين الخصوصيين، ومعاهدها التي راجت وانتشرت انتشار المدارس الأهلية، إستعداداً لإمتحانات البكالوريا في سنتها المقبلة.
ويبدو أن الخصوصي، والخصوصية، لها طبيعة خاصة في كل شيء في العراق، حتى تجد أن الطلاب وأولياء الأمور يشمرون عن سواعدهم، وجيوبهم، بدءاً من العطلة الصيفية للفوز في مقعد خصوصي قبل فوات الأوان، فالعرض محدود، والتنافس على أشده.

الخصوصي ومخالفة مجانية التعليم
المشاور القانوني، محمود شاكر، يؤكد وجود التفاف على قرارات وزارة التربية المانعة للتدريس الخصوصي، بدليل أن الإعلانات تملأ الشوارع بأسماء المدرسين وعناوينهم، ومسارات الطلاب تدل عليهم، من الصباح الباكر، وحتى المساء.
ويضيف أن شكل الإلتفاف، يأخذ صبغة قانونية تجيز الدروس الخصوصية، من خلال التلاعب بالألفاظ، فبدلاً من ” درس خصوصي”، توضع عبارة ” دروس تقوية” أو ” دورات تقوية”، وهكذا أجيزت الكثير من المعاهد، تحت هذا العنوان.
ويرى شاكر، أن الاحتماء بالألفاظ ليس كافياً لشرعنة الدروس الخصوصية، كما أن التعكز على موضوع أن المخالفة لا ترتقي الى نص قانوني، كونها قرارات وأوامرإدارية، مردود عليه بقانون مجانية التعليم، وبالتالي نحتاج الى تفعيل هذا القانون لمحاسبة من يحول التعليم إلى تجارة.

شر لابد منه
السيدة ام سجاد، ترى أن الدروس الخصوصية أصبحت شرا لابد منه، وأولياء الأمورلا حول لهم ولا قوة إلا بالوقوع تحت طائل رحمة الأستاذ، والرضوخ للتسعيرة التي حددها.
وتبين أم سجاد ذلك، قائلة : ولدي ( سجاد) لديه قناعة، أنه لا يستطيع النجاح، والحصول على معدل يؤهله الى دخول الكلية التي تضمن له دخلاً مناسباً بعد التخرج، مالم يستعن بمدرسين خصوصيين، وهذه فكرة يتبناها كل أقرانه، لذا حجزت في وقت مبكر، لدى الأساتذة المشهورين الذين يتهافت الطلاب عليهم، ولم التفت الى النفقات ساعتها، لكني الآن أشعر بضيق كبير، ودخلت في سلف، وتداينت، واستعنت بأهلي وأقاربي، كي أضمن مقعداً لولدي لدى المدرس ذائع الصيت.

الأهلي والخصوصي
مازن الحيدري، موظف، يقول : أردت أن أتخلص من فكرة الدروس الخصوصية، فقررت أن أسجل ابنتي ( رؤى) في مدرسة أهلية، على أمل أن ما أدفعه من مبلغ للمدرسة، سيحضنني من الدروس الخصوصية، لكني فوجئت أن المدرسة لاتحقق نسبة النجاح المرجوة من دون دروس خصوصية، وأصبحت اضحوكة الأصدقاء والأقارب، وهم يتندرون على تجربتي الفاشلة ويضربون لي الأمثال، على طريقة ” كنت بوحدة وصرت بإثنتين”!!.

لاتلقوها على الأستاذ
التربوية ( أحلام عبد اللطيف)، ترى أن المشكلة ليست بالأستاذ، وانما بالعملية التربوية برمتها، موضحة أن المدرسة غير مؤهلة للتعليم، ففي صف يتجاوز طلابه الستين، كيف يمكن للمدرس أن يوصل اليهم المادة جميعاً، وما الوقت الذي يحتاجه لخلق حالة من التفاعل داخل الصف.
وتشير الى أن اللجوء الى المدرس الخصوصي، جاءت كردة فعل على تراجع المدرسة في قدرتها على إحتضان الطالب، وتوفير بيئة ملائمة له.
وتحمّل عبد اللطيف، أسرة الطالب جانباً من المسؤولية، كونها حولته الى وعاء لإستقبال المعلومة من دون مبادرات تذكر منه، حتى أنه لايعرف ماذا يقرأ، وكيف يقرأ، إضافة الى إعتماده على المدرس في تلقينه المادة، والرجوع الى الملخصات ” الملازم”، في دراسة المنهج.

مصدر رزق
الصحفي ( عدي المساري) يعرج على هذا الموضوع قائلاً : لا خلاف على ان الدروس الخصوصية أصبحت ظاهرة ملحة ومستفحلة في أوساط التربويين وأولياء الأمور على السواء، اذ أن الموضوع تعدى تدريس من لم يفهم المقرر، ويحتاج الى وقت إضافي أو طريقة أخرى للفهم أو حتى طرق مختصرة لذلك، فقد أصبح التدريس “باب رزق” آخر للأستاذ الذي يبحث عن مصدر آخر للدخل وللخريج الذي يبحث عن العمل، لا بل تعدى الأمر الى عاملات الصالونات والقابلات المأذونات والممرضين وكل من يرى نفسه أهلاً للتدريس، لافتاً الى أن الذي شجع على هذا التمادي، أن التدريس الخصوصي لم يقتصر على الثانوية، بل بدأ من بداية تعلم الأبجديات العربية والإنجليزية والأرقام الصحيحة وجدول الضرب.
وأضاف المساري “أن الأساليب في طلب التدريس تنوعت ، فمنها ما يندرج تحت مسمى (معاهد التدريب الصيفية)، ومنها ما يكون مباشراً بأن يلتزم المدرس الطالب طوال العام الدراسي مستمراً أو أسبوعياً، أما الدفع فيختلف بحسب الحضور والمحاضرات فمنها ما يسعر بالمحاضرة الواحدة ومنها ما يسعر بالشهر ومنها ما يسعر بالسنة.
وأشار الى أن وزارة التربية متمثلة بأجهزتها الرقابية والإشرافية لم تعر هذا الموضوع اهتماماً كافياً اللهم إلا من بعض التوجيهات والتحذيرات، لا أكثر، فلم يُحاسب مدرس بسبب دروسه الخصوصية، ولا بتقصيره في مدرسته الحكومية للدفع بإتجاه الخصوصي، عاداً أن السبب يعود الى عدم وجود قانون انضباطي يمنع المدرس من هذه الأنشطة سواء في مدرسته، أو رقعته الجغرافية .

تدريس اون لاين
وجد بعض الخريجين الذين لم يحصلوا على وظيفة، وآخرين وجدوا في الخصوصي ضالتهم لشراء بيت وسيارة، وصولاً إلى تحقيق الثراء، فخاضوا غمار هذه التجارة وسجلوا حضوراً لافتاً نافسوا فيها “الأساتذة” المدرسين، فترى خريج هندسة او طب، في هذا المضمار، مستثمرين تجربة ” أزمة كورونا”، في ما يعرف بالتعليم عن بعد، لتوظيفها بين طلاب المحافظات، إضافة الى الطلاب الذي لايتمكنون من دفع نفقات التعليم الحضوري.
في هذا الصدد تقول المهندسة الكيميائية ” ش. ن”، أنها شاركت في كل التظاهرات، واعتصمت امام وزارة النفط، طلباً للتعيين، ولما باءت كل المحاولات امامها بالفشل، اخترقت عالم التعليم الخصوصي، وصعد نجمها، وأخذت تزيل عن كاهلها شقاء الفقر وشظف العيش، وصولاً الى تحقيق احلامها المشروعة.
تضيف “لم انس المستويات الضعيفة، فقررت أن اشملهم بالتعليم عن بعد ” أون لاين”، مقابل أجر أقل.
ولما سألناها عن هذا الأجر وعدد المستفيدين منه؟ أجابت : يعني 500 ألف دينار للطالب الواحد، ولدي الآن 10 آلاف مستفيد!!

ضرورة وليست رفاهية
الأكاديمي ( بكر عبد المجيد) يرى أنه في ظل الوضع المتردي للتعليم الحكومي، أصبح التدريس الخصوصي، ومعاهد التقوية الخاصة، ضرورة ملحة وليست رفاهية.
وتابع أن المدرس يولي إهتماماً أكبر بالطالب في التدريس الخصوصي، على حساب حصته في المدرسة، مثله مثل الطبيب الذي يُعنى بمريضة في العيادة ويهمله في المستشفى العام.
ويطالب عبد المجيد، الحكومة برفع جودة التعليم في مدارسها، مؤكداً بأهمية المنافسة بينها وبين المدارس الأهلية، لتقديم أفضل وسائل التعليم للطالب.

الطالب لايتعلم
الباحث الإحتماعي، حمزة إبراهيم الكليدار، يشير الى نتائج توصل اليها من خلال بحث أجراه على عينة من الطلاب، أظهر أن الطالب لايدرس من أجل العلم، وإنما لإجتياز الإمتحان، لذا فهو يتقبل من الأستاذ أية وسيلة تحقق له هذا الهدف.
وقال : إن الإجابات التي حصل عليها في إستبيانه، أكدت أن الطالب لايعي ما يقرأ، وما يقدمه المدرس الخصوصي له، طريقة ميسرة وأسلوب التفاف لحل الأسئلة الإمتحانية.
وحذر الكليدار من المستوى الذي وصل اليه التعليم في العراق، ولاسيما أن الطالب لايبحث عن العلم كضرورة للحياة، وإنما كوسيلة للتوظف وكسب المال.