18 ديسمبر، 2024 8:56 م

وباء كورونا.. يظهر وجه دول الرفاهية القبيح

وباء كورونا.. يظهر وجه دول الرفاهية القبيح

سياسة المنفعة الأحادية، التي تتبعها الدول الكبرى في أدراة الأزمات وليس معالجتها، جعل من ذلك التدافع والتزاحم المتطرف، أن يصبح ليس صراع حضارات كما تكلم عنه صامويل هانتنغتون، بل هو نزاع المصالح السياسية والإقتصادية، نزاع لدرجة تجاهل كل القيم الإنسانية التي عرفتها البشرية على مر التأريخ، بل تحول إلى حرب، لكنها من نوع خاص كما أسماها فوكوياما في كتابه (نهاية التأريخ)،( الحرب،نزاع إنتحاري مع النظام الدولي)، وها نحن قد وصلنا لحروب الجيل السادس، صراعات الموت والدمار، أدواتها ليست صواريخ باليستية موجهة، أو طائرات الدرون المسيرة بدون طيار، أو القنابل الكهرومغناطيسية، بل أسلحة (الدمار الدولي) واسعة الطيف العدواني، إنها أسلحة الموت( الجرثومية والبايلوجية)، فهل نحن على أعتاب تسمية كتاب فرنسيس فوكاياما الشهير (نهاية التأريخ والإنسان الأخير).

لقد صدم العالم نهاية العام المنصرم، بذلك الجندي المجهري الذي لا يرى إلا بأجهزة الكشف المختبري، وبعد تكبيره ألاف المرات(كورونا) المستجد، وهويحصد أرواح الصينيين بشكل مرعب وسريع، ثم أنتقل إلى إيران وإيطاليا، ليتحول إلى جائحة يغزو العالم بأجمعه، لكن ما أظهرته أزمة كورونا الجائحة، أشياء كثيرة وكبيرة، كان أهمها فشل دول الرفاهية أمام مواجهة هذا المخلوق المجهري، وما أكدته هذه الأزمة أيضا”، وبعيدا” عن نظرية المؤامرة، ومن يقف وراء إنتاج هذا الفايروس، إن البحوث العلمية لدول الكبرى، وما ترصد لها من ميزانيات هائلة 75% منها إن لم تكن أكثر، مسخرة لقتل الإنسان ودماره، وليس كما كان يشاع عبر وسائل الإعلام من أجل حماية الإنسان ورفاهيته.

وعند مراجعتي لقيمة ما مرصود من ميزانية للبحث والتطوير في الولايات المتحدة الأمريكية للعام المنصرم تبين إن 476 مليار دولار كانت مخصصة لهذا الغرض، وهو رقم مهول وهائل ورغم ذلك إنهارت وتهاوت أمريكا أمام هذا التحدي البايلوجي (وباء كورونا)، وهنا أقف أمام إحتماليين:

الأول- إن أمريكا كانت تكذب بهذه البيانات وهذه الأرقام غير حقيقية، وكان الغرض منها صنع هالة إعلامية تستفز بها الدول الإخرى لإستنزاف إقتصاديتها، وكذلك إعلان هذه الموازنات تعتبر إحدى وسائل الردع التي تستخدمها أمريكا.

الثاني- إن أمريكا جادة لتسخير هكذا موازنات خرافية، لكن في أي إتجاه يسخر الجزء الأكبر من تلك التخصيصات المالية العملاقة، قطعا” لأفة الحروب وتطوير السلاح.

إن أكذوبة النظام الرأسمالي والليبرالية والليبرالية الجديدة، التي صدعت رؤوسنا بشعارات رنانة، من خلال ما كانت تدعي برفاهية الفرد والملكية والحرية وحقوق الإنسان وما شاكل من تلك المصطلحات، تبين إنها أكذوبة نظام سياسي خالي من القيم، وتبين ذلك النظام الكوني حسب مسمى الأمريكان، ما هو إلا شركات وعوائل تتحكم ليس بمصير الولايات المتحدة الأمريكية بل بكل العالم من أجل السيطرة والنفوذ والتحكم بمصير البشرية وما تملك من ثروات، عبر وسائل قذرة كان أهمها الحروب المصطنعة ، والمنظمات الدولية كجمعية الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة الصحة العالمية.

أمريكا التي أختلف واضعوا أسترتيجياتها المستقبلية ما بين إدارة العالم أو قيادته، عند إنتهاء الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفيتي وبدأ الألفية الثالثة، فشلت وتهاوى سلطانها أمام وباء كورونا المجهري، ولم تستطع حماية شعبها، فكيف لها أن تفكر بإدارة العالم، على عكس غريمتها الصين التي تعمل بصمت عجيب، أحتوت أكبر أزمة عرفها التأريخ الحديث، ألا وهي أزمة كورونا، بل وتحولت(الصين) وبهدوء إلى نجدت إيطاليا التي أبرمت معها عقود إسترتيجية تصل لقرابة خمسة بليون دولار، وساهمت الصين بإسعاف إيران المحاصرة إلى حد الموت من قبل أمريكا، فالتنين الأصفر تحول إلى منقذ لدول العالم التي تعاني إجتياح وباء كورونا، فأثبتت الصين إنها قوة إقتصادية عظيمة، ومنظومة إنسانية توازن بين النفعية الربحية، ومكنون أدمية الإنسان.

مرحلة ما بعد كورونا، نهاية قطعية بسقوط مفهوم القطبية الأحادية، وبروز الصين كقوة عظمى تفوقت على الولايات المتحدة الأمريكية، على الأقل في الجانب الإنساني والقيمي بتسخير علومها وبحوثها من أجل إنقاذ حياة الإنسان، فالتنين الأصفر أثبت إن النفعية الأقتصادية التي يسابق بها كل دول العالم، لن تتحقق إلا من خلال المحافظة على حياة الإنسان وأدميته وليس العكس كما تفعل أمريكة روتشيلد وروكفلر، فأمريكا أسست لمفهوم الربح فوق حياة الإنسان والشعوب، منذ بدأ ظهورها قبل خمسة قرون، حينما تأسست على إبادة سكان أمريكا الأصليين الهنود الحمر، لذا سوف تتغيير موازين القوى الدولية بعد هذه الأزمة، حيث من المتوقع أن تمتد أثارها لخمسة سنوات أخرى على أقل تقدير، وستنهار تحالفات دولية، وتنشأ تحالفات جديدة نظرا” للمتغيرات الأخيرة الصادمة، والأهم بوصلة تلك التحالفات هو الشرق وليس الغرب كما تنبأ فرنسيس فوكاياما.