تحقيق / احمد عبد الصاحب كريم
وباء الكوليرا وحش كاسر او غول استيقظ من سباته ليشارك باقي الوحوش الكاسرة فيروس كورونا و الحمى النزفية هجماتهم على المواطن العراقي في ضل هذه الظروف القاهرة , و السؤال الذي يتردد على الاذهان هل ستصبح الكوليرا هي الكابوس او الحلم المزعج الذي يقلق بال العراقيين بعد ان هجم عليهم فيروس كورنا و شل حركتهم و أصاب الالف من المصابين و الاف من القتلى و لا زال يحصد المئات من المصابين و القتلى بالإضافة الى عشرات المصابين من مرض المى النزفية ، مرض الكوليرا له قصص مثيرة و كثيرة في بلاد الرافدين منذ خمسينات القرن المنصرم و الكوليرا تستوطن ارض السواد و فتكت بكثير من أبنائه بسبب الإهمال و الجهل و قلة الموارد و العلاجات سابقا و بعد محاولات مضنية تم القضاء عليه و لكن هذا الكابوس المزعج يظهر بين فترة و أخرى بصورة محدودة و لكنه الان استيقظ من سباته مرة أخرى بعد ان توفرت له الظروف المناسبة للانتشار بدءا من التلوث البيئي و تكاثر النفايات و ضعف و تهالك شبكات الصرف الصحي
المرض مستوطن منذ عشرات السنين و العراق حاضن للمرض
بداية محطتنا كانت مع عضو خلية الاعلام الصحي لنقابة الأطباء اختصاص صحة عامة
الدكتور (زياد حازم ابراهيم)مبينا:
ان مرض الكوليرا يعتبر من الأمراض البكتيرية المعوية ويعتبر متوطنا في العراقوقد أعلنت السلطات الصحية في يوم ٢٠ حزيران ٢٠٢٢ أن البلاد تشهد موجة وبائية جديدة وجدير بالذكر ان آخر وباء حصل في العراق كان عام ٢٠١٥ (حيث شهد إصابة أكثر من ألف شخص) وكذلك عام ٢٠١٧والمرض مستوطن في العراق منذ عشرات السنين والعراق يعتبر من البلدان الحاضنة لهذا المرض
والذي تحدثبإيجاز وتفصيل عن المرض معرفا إياه بانه مرض وبائي مصحوب بإسهال شديد وغير مصحوب بمغص ولون البراز في بداية الإصابة لونه اصفر ثم يتحول الى اللون
وبين إبراهيم ان من أهم أعراض الكوليرا وجود إسهال مائي بدون وجود مغص أو ألم في البطنويكون ايضا بدون دم، ويرافقه تقيؤ أو غثيانإذا كان هناك فقدان في سوائل الجسم بصورة شديدة و قد يصاحبه جفاف حاد خلال بضع ساعات، ومن مضاعفاته حدوث العجز الكلوي والصدمة القلبية وحتى الوفاة ، مضيفا انأهم أسباب انتشار بكتيريا الكوليرا هي عدم وجود النظافة الشخصية واختلاط المياه الثقيلة مع مياه الشرب وعدم وجود منظومة صرف صحي (كما حدث في انتشار الوباء في شهر حزيران من هذا العام في محافظة السليمانية) ، وكذلك عدم تعقيم مياه الشرب جيدا وعدم وجود تراكيز جيدة من الكلور فيها بالإضافة الى درجات الحرارة حيث ان الكوليرا تنتشر في بدايات فصل الصيفوأيضا في نهاياته ، اما العلاجات المستخدمة و المتوفرة في جميع المؤسسات الصحية حيث يوجد الكثير من المضادات الحيوية التي يمكن استخدامها لقتل بكتيريا الكوليرا إلا أن الأهم هو تعويض الجسم للسوائل التي يفقدها من خلال شرب السوائل او محلول الإرواء الفموي او المحاليل الوريدية
اما طرق الوقاية من الكوليرا هي القيام بغسل الايدي قبل وبعد الطعام وبعد استخدام الحمام وتعقيم الطعام وطهيه جيدا وتعقيم مياه الشرب هي أهم طرق الوقاية ، ويجب عدم شراء مياه الشرب إلا من مصدر موثوق، وعلى محطات المياه استخدام تراكيز جيدة من الكلور ومراقبة تركيزه عند المحطة وطرفيا في المنازل، وكذلك عدم سقي المحاصيل الزراعية بالمياه الثقيلة لأن ذلك قد يؤدي الى انتشار البكتيريا سريعا كما حدث في السليمانية في بداية شهر حزيران ٢٠٢٢ ومنها انتقلت بواسطة الأنهار والمحاصيل والاشخاص الى باقي المحافظات ، وبالإمكان غلي الماء للتأكد من تعقيمه أو استخدام حبوب الكلور الموجودة في جميع المراكز الصحية لتعقيم قنينة الماء سعة ٢٠ لترا ويجب عدم أخذ وشراء الثلج من مصادر مجهولة وعدم تناول العصائر من الباعة المتجولين والابتعاد خلال هذه الفترة عن تناول السلطات في المطاعم وغسل الفواكه والخضراوات بالماء وسائل الجلي (الزاهي) جيدا.
وطمئن إبراهيم المواطنين بعد فزعهم من خلال الاخبار المتداولة عن هذا المرض الخطير ان لا بكتيريا الكوليرا لا تنتقل عن طريق التنفس أو اللمس لكنها تنتقل من خلال الطعام والشراب الملوث بالبراز من الشخص المصاب وقد تبقى البكتيريا في الجهاز الهضمي لمدة اسبوعين بدون ان تظهر أي أعراض وخلال هذه الفترة قد ينقلها الشخص الى الاخرين بدون أن يدريلذلك فإن غسل اليدين والاهتمام بالنظافة الشخصية مهم جدا ، مؤكدا ان المؤسسات الصحية في جميع انحاء العراق مستعدة على مواجهة هذا المرض كما جابهت جائحة كورونا و مرض الحمى النزفية و جميع الملاكات الطبية و الصحية و الساندة في حالة استنفار تام و جاهزية عالية .
تبادل الاتهامات
و كان للدكتور بشير الكناني رأي اخر هو ان الكثير يتهم وزارة الصحة من باقي الجهات الأخرى مؤكدا ان دور وزارة الصحة و جميع مؤسساتها هو تقديم العلاجات في المستشفيات و المراكز الصحية و توزيع حبوب التعقيم و اجراء التوعية الصحية و توفير اللقاحات و مراقبة المطاعم و أماكن الذبح العشوائي و معامل الثلج و معامل تعبئة المياه المنتشرة في عموم مناطق العراق ، مؤكدا ان انتشار المرض هو نتيجة تلوث مياه و شحة المياه الصالحة للشرب و تجمع المياه الاسنة و تكدس النفايات في المناطق و بالأخص المناطق الشعبية و الريفية و الأطراف و المناطق المتجاوزة و العشوائيات و نجد دور امانة بغداد و المحافظات ضعيف قياسا بالكثافة السكانية و المناطق السكنية و شبه معدوم في غلق المطاعم المخالفة و مشاريعها الخدمية متلكئة و كذلك الحال في باقي الوزارات ذات العلاقة كوزارة البيئة و مجالس المحافظات و وزارة الداخلية و لجنة الصحة و البيئة النيابية و لجان الخدمات في مجلس الوزراء .
بيئة ملوثة
بينما للأستاذ (علي يونس) خبير في الأمور البيئية رأي مختلف جميعنا يتابع الاخبار و اخبار الوزارات منذ سنين و سبق ان رفعت وزارة البيئة تقارير و توصيات الى مجلس النواب و مجلس النواب و الوزارات المختصة و التي قدرت فيها مقدار التلوث البيئي الحاصل في مناطق حزام بغداد و العشوائيات و الأطراف أهمها اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه شبكات الاسالة و قلة المياه الصالحة للشرب و تهالك شبكات الصرف الصحي و تكدس النفايات و سوء اتلافها و نفوق الكثير من الحيوانات و كذلك السيول التي يتعرض لها العراق من خلال دول الجوار و التي تؤدي الى موت الكثير من المواشي و الحيوانات
قلة التخصيصات المالية
و اوضح الأستاذ (م. ع) يعمل في احدى دائرة ماء و مجاري في قضاء ابي غريب ان أسباب انتشار المرض و الخدمات المقدمة من قبل جميع دوائر الماء و المجاري يعود الى قلة التخصيصات المالية اما في قضاء ابي غريب تم مد جميع المناطق بشبكات المجاري الجديدة في المناطق التي لا توجد فيها شبكات الصرف الصحي و تم اجراء صيانة دورية لشبكات الصرف الصحي القديمة و بناء و تطوير محطات تصفية المياه الصالحة للشرب و لكن اقولها مرة أخرى ان قلة التخصيصات و تأخر إقرار الموازنة ساهم و سيساهم الى تأخر اكمال المشاريع و بالتالي ينعكس ذلك على جودة الخدمات و انتشار الأوبئة و الامراض و منها مرض الكوليرا لكونه يرتبط ارتباطا وثيقا بالمياه و شبكات الصرف الصحي و التلوث .
الحكومة هي السبب
بعد ان قمنا بأخذ الآراء والمعلومات و الأسباب من المختصين وجدنا احد المصابين بمرض الكوليرا عام 2017 و الذي جاء مع احد اقاربه المصاب بالكوليرا أيضا و حدثنا المواطن (عبد الملك سعدون) عن معاناته و التي كانت له اهات تفطر القلوب و تدمع العيون قائلا ان سبب اصابته بالمرض تتحملها الدولة و الحكومة أولا و دائرة الماء و المجاري و وزارة الكهرباء و ذلك لضعف شبكة الصرف الصحي فيس تصريف المياه الاسنة و عطلها بين فترة و أخرى و الذي جعل مياه المجاري تدخل الى المنازل و قلة مياه الاسالة الصالحة للشرب و الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي و تراكم النفايات لأيام طويلة حتى يتم رفعها و اغلب المواطنين قاموا بحفر الابار غير النظامية و بسبب اختلاط المياه الجوفية بمياه الابار تعرض الكثير من المواطنين لامراض عديدة و انا تعرضت الى الإصابة بمرض الكوليرا لاو كنت مقبل على الزواج و لكن زواجي تأجل بسبب الإصابة بالمرض و كنت اشعر في وقتها بأن الموت قريب بسبب الألم و الضغط او اشبه بالشلل في جميع اطرافي و بعون الله و جهود الأطباء و الممرضين في مستشفى ابي غريب العام تم علاجي و اكتسبت الشفاء و عدت الى اهلي و تزوجت ولدي طفلان الان و الحمد لله و لكني انا متخوف الان بسبب عودة مرض الكوليرا و إصابة احد اقاربي و الذي يعمل عامل في مسطر (عمالة) و كذلك تفشي مرض الحمى النزفية و فيروس كورونا و الى متى يبقى الحال و الحكومة تتفرج
و في الختام أصبح العراق حقل تجارب لتصريف منتجات البلدان و الدول المجاورة و الدول الأخرى الفائضة و الزائدة عن الحاجة و تعطل الزراعة و الصناعة فيه و اصبحنا بلد اتكالي مستهلك فقط يعتمد على النفط و الادهى و الامر من ذلك كله اصبح البلد يحتضن جميع الأوبئة و الامراض كأننا دولة من دول افريقيا الفقيرة هذا واقعنا المرير الذي نعيشه الان أوضاع مأساوية وحروب كونية مستمرة و بيئة ملوثة و امراض مستشرية و صراع قادتنا الذين انتخبناهم على الكراسي و المناصب و الذين كنا نأمل منهم ان نكون في مصاف الدول المتقدمة لكونهم يحملون اعلى الشهادات الدراسية ( سبحان الله النزاهة كشفت العشرات من الشهادات المزورة للمسؤولين) و لكنهم تركوا الشعب يكافح من اجل العيش و البقاء و صراعهم من اجل الكراسي و المناصب و اقتبس بعض الكلمات و اختم هذا التحقيق من الكاتب و الروائي الشهير (غابرييل غارسيا ماركيز) و الحائز على جائزة نوبل للآداب عن روايته (الحب في زمن الكوليرا) ” اذا كنا تعلمنا شيئا معا من الحكمة فأنها تأتي الينا عندما لم نعد قادرين على القيام بشيء ما ” .