19 ديسمبر، 2024 8:31 م

يعرف القراء العراقيون والعرب حكاية وامعتصماه. فهي باختصار صرخة استغاثة قالتها امرأة عربية مغتربة مَهيبة جليلة تُسحل إلى السجن سحلا، وسمعها تصيح في لهفة: وامعتصماه وامعتصماه.
فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية يقول له فيها: “من أمير المؤمنين إلى كلب الروم، أخرج المرأة من السجن، وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي”. وحين لم يستجب الأمير الرومي انطلق المعتصم بجيشه فحاصر عمورية إلى أن استسلمت ودخلها باحثا عن المرأة، فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم؟ قالت نعم.
وللعراقيين اليوم، في بغداد، وليس في سامراء، معتصمٌ آخر ولكنه شحيح العزم، وغير مهيب، ويقبل الإهانة، وينام ليلته هانئا دون أن يردها على أصاحبها، واسمُه حيدر العبادي.
فهو، من أول تسلمه قيادة الدولة العراقية، لا يهش ولا ينش. يرى دولته كلها، بأرضها وشعبها ومائها وهوائها، تُنتهك، ويُداس على رقبتها بالأقدام، كل يوم، وكل ساعة، ولا يهب لنجدتها وحماية حياضها.
حتى حين تجرأ المدعو علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، وقال، وهو في عاصمة الخلافة الحيدرية، إن نظام الولي الفقيه وحده من يقرر نتائج الانتخابات القادمة، وحين تجاسر عضو المجلس الأعلى للثورة الايرانية، رحيم بور أزغدي، فأعلن “أن الأوان قد آن لإعلان الإمبراطورية الفارسية في المنطقة، ومن قلبها النابض، العراق”، وحين جُنّ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، فقال “إن ايران ستقاتل الامريكان بشباب العراق وأمواله لخدمة مشروع الإمام خميني”، لم يفعل الخليفة المعتصم الجديد شيئا، لا بيده ولا بلسانه ولا بقليه وهو أضعف الإيمان، بل تجاهله كلها، ولا من شاف ولا من درى.
أما رئيس جمهوريته ورئيس برلمانه ووزير خارجيته وجميع قادة الأحزاب والتكتلات والتيارات والمليشيات الانتخابية (الوطنية) الكثيرة، فهم، جميعا، مثلُه، والعياذ بالله، صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون.
فقط موظف صغير في وزارة خارجية ابراهيم الجعفري خرج عن صمت الحكومة بكلمات قليلة باردة عابرة، رفعا للعتب، وذرا للرماد في عيون العراقيين، دون أن يتجرأ على البوح باسم واحدٍ فقط من أصحاب التصريحات الإيرانية المهينة، فقال: إن “أية تصريحات تصدر من أي طرف تشير إلى التدخل في الشأن العراقي أو الهيمنة على العراق مرفوضة”، مؤكدا بقوة أنه “لا توجد دولة تهيمن على العراق”.
ويشاء السميع العليم، وفي نفس الوقت، أن يلطم هذا الناطق باسم وزارة الخارجية العراقية على فمه بيانٌ من مكتب رئيس المجلس الأعلى، همام حمودي، عن اللقاء الذي جمعه، هو ورئيس تحالف الفتح (الإيراني)، هادي العامري وعدد من قادته، بعلي أكبر ولايتي الذي يزور العراق هذه الأيام، يقول: إن ” فوز تحالف الحشد هو فوز لمشروع الإمام الخميني”.
أما الخليفة الجديد حيدر العبادي، وفي أعقاب هذا البيان الواضح الصريح، فقد خرج على الملأ ليبشرنا، في مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر ميونخ الأمني، بأنه مهتم جدا:”بوجوب إنهاء كل المظاهر المسلحة خارج نطاق الدولة”.
كل هذا يجري في أرض الخلافة العراقية وأصحاب الائتلافات والتيارات والتحالفات والقوائم الانتخابية، (الفتح والنصر والإصلاح وبيارق الخير ومنتصرون والاستقامة ودولة القانون وعصائب أهل الحق والفضيلة ومتحدون)، يتشابكون، ويتقاتلون، ويتسابقون في إطلاق وعودهم باجتثاث الفساد، وبالدفاع عن الوطن والمواطن والنزاهة والشرف والمصالحة، ولا يستحون ولا يخافون.
والعراقيون، جميعهم، يعلمون بأن نتائج الانتخابات القادمة محسومة سلفا، وبأن الحاكم الجديد هو سلاح الحشد الشعبي الذي فضح ولايتي وإخوته المجاهدون الإيرانيون الآخرون حقيقته، وبالقلم العريض، مؤكدين أنه ليس وطنيا ولا عراقيا، أبدا، بل هو إيراني خالص لن يقاتل إلا للدفاع عن الامبراطورية الفارسية الجديدة التي قرر الإيرانيون، وليس العراقيون، أن العراق هو قلبُها النابض، شاء من شاء وأبى من أبى. ورحم الله المعتصم ورحم أيامه التي لن تعود.

أحدث المقالات

أحدث المقالات