23 ديسمبر، 2024 7:25 م

واني بصحبة الانذال …

واني بصحبة الانذال …

غريب أمر البعض ممن كان ومازال يعمل معك ومعنا ، أو مايطلق عليهم تجاوزاً زملاء ، ولاسيما في المجال الإعلامي والثقافي مهما كانت توصيفاتهم الوظيفية والصحفية والثقافية … فلاهناءة لهم إلا بالتجريح والنيل من زملاء أرفع مستوى منهم من النواحي كافة . فهم ، ولأنهم فاقدون لخصال بعيدة عن مبادئ وأعراف وقيم السلوك الأخلاقي والمهني السوي ، يحاولون ومن باب الحسد والشعور بالنقص تلفيق المثالب والاستغابة ووضع العصي بين دواليب نجاحك ، فهذه وحدها تحك جربهم وتستهويهم.
فالحاقد الحاسد الخصم لايقتات إلا بحقده وحسده ، فإذا كان جاهلاً وكنت أنت مثقفاً قال إنك تمارس عنجهية على من هم دونك علماً ، وتلك معرة لامكرمة. وإذا كنت قمة في الثقافة والتفوق قال:- إنك تمثل المعرفة والذكاء ، وبين التفوق والفشل دائماً خيط رفيع – تأمل الاجتهاد العبقري – إلى ماهنالك من مبررات في قاموس هذا النفر الذي لايبلغ (نقيقهم) مسامع النسور والشواهين لتفاوت المسافة بين المستنقعات والقمم الشواهق في مسابح الفضاء.
وهنا ، عليك أن لاتحقق أغراض هؤلاء الخصوم والحاسدين ، فما عليك إلا أن لاتجيء على ذكرهم إطلاقاً ، فلاتعطيهم دقيقة من وقتك واهتمامك ، لأن هذا ما يجعلهم يصلون إلى غاياتهم ، وهي أن يشغلوك ويوتروك . فإذا بعثوا إليك بمن ينقل نميمة ذمتك ونالت منك فاقفل باب الحديث متذرعاً بأعمالك الكثيرة ، وأن لاوقت لديك للتوافه .. فليس كالتجاهل في إتلاف أعصاب خصومك الذين يسعدون إذا اهتممت بكلامهم لحظة واحدة.
إن مرض الغيرة وعقدة الدونية ، وهو فتاك مثل المرض بالعقل ، وكلاهما الجنون . إلا إنه في العقل جنون يمسح الإدراك ، أما هو في الغيرة ، فإدراك يحركه الجنون ويظل هذا من شره أكثر الجنونين خطراً ، لأنه إدراك مخرب يسير بشهوة ويقف بشهوة . وإذا كان عاصمهُ في مرض العقل أنك تحجر عليه ، فأي شيء في مرض الغيرة والحسد يأخذ عليه الطريق؟!
فاعتصم دائماً بالعمل ، فوحدهم التافهون الحاسدون ينصرفون إلى القيل والقال والى الترهات والنقل عن فلان وفلان ، ثم إنك لاتعرف من أي فئة هو الشخص الذي يحدثك ؟ فربما كان مدسوساً عليك لينقل إلى شانئيك أنباء تفرح لهم حتى عظامهم . فعطل عليهم هذه الفرصة ، إذ ليس كمناعة الأعصاب وبرودتها في القضاء على الغيورين الفاشلين ، فإن ناجحاً لايحسد ناجحين ، وأنت سيد الموقف.
إن علاقتك بهؤلاء ، أنت وحدك تحكم قواعدها . فإذا جئتهم من فوق بقيت من فوق ، وإذا عاملتهم كند صار ذلك حجم التعامل ، وكذلك إذا جئتهم من تحت صرت عبداً لهم ، فمن لايكرّم نفسه لايُكرَم.
وإذا كنت عنيداً وقوياً في مواقفك ، فليس من الضروري أن تتعرض للانتقام بل ستلقى حتماً من يتفهم حوافز وقفتك ويقدرها مهما كان مدى طغيانه ، فتصل وإياه إلى قواسم مشتركة في التعامل والحوار ، فالمستحيل ليس ابن هذه الأرض.
أليست هذه القاعدة المفروض نحن أخيار المهنة نعمل بها دائماً ؟
وهنا لاأخفي إعجابي وتقديري للذي قال ، وللأسف لاأعرف اسمه:-
وإني بصحبة الأنذال لست براغب      وحقـك لايطيب لهـم قلـب
ولكنني اصطاد رزقي بأرضهــم     ولابد للصياد من صحبة الكلب
فهذه الكلمات ، كم أتمنى لو كنت أنا صاحبها . فإني لم اكتف بترديدها دائماً بل جعلتها شعاراً لي أحمله وأدافع عنه ضمن محيط عملي المهني ، إلا أنني ميال لنسبته إلى قائله ، ربما لرغبة في الهرب – علماً أن هذا العنصر الانهزامي ليس من مكونات عناصر شخصيتي – من احتمال تبعاته وانعكاساته المؤولة من قبل هذا النفر.
إن حرفة الثقافة والصحافة مليئة بهذا الصنف من الناس ، إنه داء من اللؤم يلتمس شفاءه المرحلي بالشتم والنميمة ، كما يتوسل المصاب بالجرب ، الحك المستمر ، فيدخل أظافره في كل أنحاء جسده الدامي دون أن يبرأ.
هؤلاء يتصدون للأخيار حتى يتشرفوا برد أو حتى بشتيمة كبيرة يشعرهم بأنهم شيء في المجتمع ، ولكن يستهين بهم الكرام ازوراء ، فتتعزز في نفوسهم العقد ، ويتأكد شعورهم بأنهم نفايات وحثالة ولو نظروا إلى المرآة لما رأوا وجوههم.
إنه من الغباء الكبير أن تتأثر بالقول الشانئ المغرض المنحاز ، وأن تعطي رصيداً للأقاويل وللألسنة الطويلة . فليتكلموا أو ليتشدقوا بما شاؤوا ، فإن هناك على الأرض أناساً لاترتاح إلا بالأذى ، ولاتتغذى إلا بالكيد ، ولاتعيش إلا بالاستغابة والنميمة . فليكن سواك وقوداً لحفائظها وضغنها ، أما أنت فاضحك والعالم كله يضحك لك.
فمن عاش أسفل أسفل الأرض ، يظل مناخه حتى ولو أسكنته فوق سطح الأرض ، فالديدان لاتسعد إلا وهي تحت الأرض ، ذاك مقامه وذاك مستواه ، وتلك هناءته ، فلن تستطيع أنت وأنا أن نشفي النفوس التي خلقت لتعيش مريضة ولتموت كذلك.
إنه من الكذب الزعم بأن هذه الفئة انقرضت من محيطنا المهني ، فالصحيح أنها لاتزال قائمة وبنسبة جيدة عدا أنها مهما امتلكت من قوة وجبروت مدعمة من هذا أو ذاك ممن يمتلك الجاه والسلطة والقرار والنفوذ ، لاتستطيع أن تلوي عناد رجل مثلي ومثلك صلب المراس مؤمن بالحق والمبادئ والأخلاق الوطنية.
أن تشغل الناس بك سلباً وإيجاباً ، محبة أو كرهاً ، وأن تظل على أسلة ألسنتهم ، أعجاباً أو حسداً ، فهذا وحده المعيار والمحك ، فوحدهم التافهون بلاأعداء ، لأنهم لايغيظون أحداً . فإن أكبر إرث ونموذج تخلفه لأولادك ومحيط عملك ، العزة والكرامة . فإذا تخليت عنها فتكون أنت محوت اسمك من سجل الأخيار، كما تكون قد عودت من يوتروك بتفاهاتهم ، أن يمارسوا على سواك مزيداً من التوتر هذا ، وبالتالي أن ينسفوا مقومات مجتمع الصالحين المعتصمين بسيادة النفس واحترام الذات.
والكاتب ميلر ، كان أفهم الناس في هذا المجال ، فقال بهذا الخصوص:- هناك شيء أسوأ بكثير من أن تكون حديث الناس ، هو أن لاتكون حديثهم.
[email protected]