9 أبريل، 2024 1:00 م
Search
Close this search box.

وانما الامم القانون

Facebook
Twitter
LinkedIn
 الفرق بين الواقع والمثالية كالفرق بين الشعور والشاعرية ، فالشاعر يضع القمر في يد حبيبته ويجعل مركبها النجوم ، وهو لا يملك مصباحا في بيته، ويمخر بامنياته عباب البحار وهو لايقتدر على زورق خشبي ، وقد لايملك عشاء ليلته ،بل وقد لايملك حبيبة اصلا . ولذلك “فالشعراء يتبعهم الغاوون ،،،الا الذين آمنوا“ فهذه شاعرية ، تخطت الشعور حتى ولو كان مريرا، وكذا المثالية فانها تتخطى الواقع وتنشد مايعدّله ويقوّمه ، وتأمل ان يكون عليه . ولكن وكما الشعراء ، فان المثاليين ايضا يتبعهم الغاوون ، الا الذين آمنوا ! بواقع مجتمعاتهم او بيئاتهم وانطلقوا منها بجد ليصلحوها . وفي البيت الشهير ذاك “وانما الامم الاخلاق ،،” جمع القائل بين الامرين الآنفين (الشعور والشاعرية من جهة، والواقع والمثالية من جهة اخرى) فكان من الشعراء ومن المثاليين في آن معا ، وقد تلقف قوله الغاوون وبنوا على ماقال وتواكلوا ، والحق ان الامر جذريا ليس كما يظن ويظنون ، فالامم لاتقوم بالاخلاق ولا بالاذواق وانما تقوم بالقوانين ، فالاخلاق اختيارية ومتفاوتة ، وعندما يفقد الانسان تربيته او خوفه من الله او اي وازع اجتماعي آخر ، سيفعل مايسيء للمجتمع ولجاره ولمراجعيه ولطلابه ولمرضاه ولرؤسائه ومرؤوسيه ولجمهوره وحتى لأهله لو لم يردعه قانون .
وانما الامم تقدمت وقطعت اشواطا كبرى بدساتيرها وقوانينها الصارمة وانظمتها التي اسستها من تجاربها المتراكمة ، ومن عقول مشرعيها وفلاسفتها او من اديانهم حتى . وماعلمنا من امة سادت العالم بسبب اخلاقها ، فحتى مايعدها البعض امة مثالية يوما ما (مع الاختلاف والجدل طبعا ) وهي امة المسلمين الاوائل ، لم تسد العالم او تؤثر فيه عندما كانت امة مثل واخلاق فقط ، حتى جاء الملوك ووزرائهم وعلماءها وفقهاءها ومشرعوها وقننوا القوانين ووضعوا الدساتير فانطلقت واصبحت دولة ذات شأن . بل وحتى القرآن الكريم والكتب السماويه كانت في جزء بسيط منها حث على الاخلاق ، وفي اغلبها قوانين رادعة وصارمة يصل بعض عقوباتها لحد الموت ،! نعم لقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (والخطاب هنا للاسلاميين) ، اقول ، قال :“انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق” ولكنه ماساس الدولة بالاخلاق ، ولا ترك الرعية ومايشتهون بل وضع وثيقة ودستورا وقوانين صارمة تنصف المحق وتردع المستهتر .
فاذا اعتمدت على الاخلاق او تركت الامر للاذواق ستجد ان كل موظف مهمل في شركة او مضيفة طيران متذمرة او استاذ مزاجي في مؤسسة تعليمية او طبيب متسيب يفرضون مايريدون على الناس من ذوقهم او من خلقهم الذي قد يكون سيئا اصلا وهذا ماهو حاصل فعلا في اوطاننا ، نحن امة الاخلاق !!
فقولك على الدوام منتقدا متذمرا اننا ومع الاسف صرنا نفتقر للاخلاق هو قول خاطيء وليس هو العلة ، فما زلت تنتقد الغربيين على انحلالهم الخلقي (كما تسميه ) ، ولكنك تعجب لما بلغوه من الرقي ، وعليه فالامم المتقدمة تضع قوانين وتعليمات لكل هذا ، يضعون قانونا حتى لصوت محرك السيارة ليلا او نهارا بل وقانونا لاستخدامك لبيتك واصوات الصخب الموسيقي الذي يصدر منه ، فانت خلوق شكرا لك !، ولكنك لست كذلك عندما يأخذك الحماس او تفقد عقلك بالخمر ! فلن يدعوا الامر لأخلاقك ، بل حتى التعامل مع الناس او الزبائن الذي يعتمد عند الامم الفاشلة على الذوق الفردي تماما وعلى الاخلاق ، فانه لدى الامم المتحضرة ( Standards ستاندردز اوMarketing ماركتنك)، وهكذا فلم يتركوا شيئا للاخلاق ،
 فاخلاقك لك ودينك لك ، تعامل بها وبه واكسب الناس واجعلهم يحبونك ، فان لم تشأ ، فرغما عن انفك تسير كما يريد المجتمع والمؤسسات .
فالأمم ذات الشأن إنما سادت بالقانون ، ومنها أمتك يوما ، فلما اضاعت القانون ضاعت معه ،
واذن : (فانما الامم القانون ماحفظت ،،،، فان هموا تركوا قانونهم ،،سقطوا ).!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب