22 ديسمبر، 2024 10:45 م

وانما الامم القانون.. من سلسلة ..بناء وطن-7-

وانما الامم القانون.. من سلسلة ..بناء وطن-7-

الفرق بين الواقع والمثاليه كالفرق بين الشعور والشاعريه ، فالشاعر يضع القمر في يد حبيبته ويجعل مركبها النجوم ، وهو لا يملك مصباحا في بيته، ويمخر بامنياته عباب البحار..وهو لايقتدر على زورق خشبي ، وقد لايملك عشاء ليلته ،بل وقد لايملك حبيبة اصلا ..ولذلك “فالشعراء يتبعهم الغاوون ،،،الا الذين آمنوا “ ..فهذه شاعريه ، تخطت الشعور حتى ولو كان مريرا، وكذا المثاليه فانها تتخطى الواقع وتنشد مايعدله ويقومه ..وتأمل ان يكون عليه ..ولكن وكما الشعراء ، فان المثاليين ايضا يتبعهم الغاوون ، الا الذين آمنوا ! بواقع مجتمعاتهم او بيئاتهم وانطلقوا منها بجد ليصلحوها ..وفي البيت الشهير ذاك “وانما الامم الاخلاق ،،” جمع القائل بين الامرين الآنفين (الشعور والشاعريه من جهة، والواقع والمثاليه من جهة اخرى) ..فكان من الشعراء ومن المثاليين في آن معا ، وقد تلقف قوله الغاوون وبنوا على ماقال وتواكلوا ، والحق ان الامر جذريا ليس كما يظن ويظنون ، فالامم لاتقوم بالاخلاق ولا بالاذواق وانما تقوم بالقوانين ، فالاخلاق اختيارية ومتفاوتة ..وعندما يفقد الانسان تربيته او خوفه من الله او اي وازع اجتماعي آخر، سيفعل مايسيء للمجتمع ولجاره ولمراجعيه ولطلابه ولمرضاه ولرؤسائه ومرؤوسيه ولجمهوره وحتى لأهله لو لم يردعه قانون .
وانما الامم تقدمت وقطعت اشواطا كبرى بدساتيرها وقوانينها الصارمه وانظمتها التي اسستها من تجاربها المتراكمه ومن عقول مشرعيها وفلاسفتها او من اديانهم حتى ، وماعلمنا من امة سادت العالم بسبب اخلاقها ، فحتى مايعدها البعض امة مثالية يوما ما (مع الاختلاف والجدل طبعا ) وهي امة المسلمين الاوائل ، لم تسد العالم او تؤثر فيه عندما كانت امة مثل واخلاق فقط ، حتى جاء الملوك ووزرائهم وعلمائها وفقهائها ومشرعوها وقننوا القوانين ووضعوا الدساتير فانطلقت واصبحت دولة ذات شأن . بل وحتى القرآن الكريم والكتب السماويه كانت في جزء بسيط منها حث على الاخلاق ، وفي اغلبها قوانين رادعة وصارمه يصل بعض عقوباتها لحد الموت ،!.. نعم لقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (والخطاب هنا للاسلاميين ) ، اقول ، قال :“ انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق ” ولكنه ماساس الدولة بالاخلاق ولا ترك الرعية ومايشتهون بل وضع وثيقة ودستورا وقوانين صارمه تنصف المحق وتردع المستهتر .
فاذا اعتمدت على الاخلاق او تركت الامر للاذواق ستجد ان كل موظف مهمل في شركه او مضيفة طيران متذمره او استاذ مزاجي في مؤسسه تعليمية او طبيب متسيب يفرضون مايريدون على الناس من ذوقهم او من خلقهم الذي قد يكون سيئا اصلا وهذا ماهو حاصل فعلا في اوطاننا ، نحن امة الاخلاق !! فقولك على الدوام منتقدا متذمرا اننا ومع الاسف صرنا نفتقر للاخلاق هو قول خاطيء وليس هو العلة ، فما زلت تنتقد الغربيين على انحلالهم الخلقي (كما تسميه ) ، ولكنك تعجب لما بلغوه من الرقي ، وعليه فالامم المتقدمه تضع قوانين وتعليمات لكل هذا ، يضعون قانونا حتى لصوت محرك السياره ليلا او نهارا بل وقانونا لاستخدامك لبيتك واصوات الصخب الموسيقي الذي يصدر منه ، فانت خلوق شكرا لك !، ولكنك لست كذلك عندما يأخذك الحماس او تفقد عقلك بالخمر ! فلن يدعوا الامر لأخلاقك ، بل حتى التعامل مع الناس او الزبائن الذي يعتمد عند الامم الفاشلة على الذوق الفردي تماما وعلى والاخلاق ، فانه لدى الامم المتحضره ( Standards ستاندردز اوMarketing ماركتنك)، وهكذا فلم يتركوا شيئا للاخلاق ، فاخلاقك لك ودينك لك ، تعامل بها وبه واكسب الناس واجعلهم يحبوك ، فان لم تشأ ، فرغما عن انفك تسير كما يريد المجتمع والمؤسسات .
فالأمم ذات الشأن إنما سادت بالقانون ، ومنها أمتك يوما ، فلما اضاعت القانون ضاعت معه ، واذن : (فانما الامم القانون ماحفظت ،،، فان هموا تركوا قانونهم …سقطوا ).!