اثمرت المرحلة الاولى من نتائج الاحتجاجات جملة قرارات قد لا تمثل كل الطموح، لكنها خطوة في طريق المليون ميل، اليوم سوف نستنشق هواء يملئ الرئة ثم ننفخ باتجاه الكاركترات النزقة التي توالدت كالطفيليات في بيئة عفنة كانوا اسيادها…
قبل اكثر من عام دعينا الى المنطقة الخضراء حيث يتحصن السادة المسؤولون، وكنا بانتظار ممثلا يأتي عن رئيس الوزراء المالكي وقتئذ، جاء شاب (ولا اخيره على اخونه ابو گلل) يملئ شعره بالجل والدهان البراقة ويضع لقميصه ازرة ذهبية ويردتي ربطة عنق وبدلة لا احسبها سوى بدلة فرنسية لاني لم اشاهدها في السوق العربي ولا شارع الخيام ولا حتى في بغداد الجديدة!!
الشاب المهذب الذي لا يتجاوز عمره الـ25 عاما جاء بسيارة مصفحة ومضللة وهو داخل الخضراء، لم يراع شعور مجمل الاساتذة، سواء بوضع الجل والدهان لمن هو اصلع، او بارتداء البدلات الفاخرة لمن هو مرتد بنطال بحمالات، ولا بسيارته الفاخرة المضللة لمن هو عرضة الرصاص الطائش!!
وقتئذ سألت بفضول ماذا يعمل هذا المقدام حتى استحق كل تلك النياشين، قيل بما يملئ الفم، انه يعمل في مكتب رئيس الوزراء، فلم اتفوه بكلمة حتى للسؤال عن عمله، فهو ان كان مديرا او خفيرا لا يهم انه في مكتب رئيس الوزراء وحسب… وحين جاءت الاضافة بالتعريف، بانه صديق ابن الريس (احمد) كان التعريف جامعا مانعا… وهو كاف حسب اعتقادي لان يسلط على الاوراح والاعراض فما يجوز لابي احمد يجوز لابنه وما يجوز لابنه يجوز لاصدقائه، والله اعلم..
كنت المح كثيرين من هذه الشاكلة، يسلمون باطراف اصابعهم، يبتسمون كمن يريد ان يلتقط صورة، ابتسامة سرعان ما يتعكر بعدها الوجه… حتى ان احدهم تنكر لي ذات مرة اثناء دعوة رسمية ورمقني بطرف عينه ثم عكر بوزه اشمئزازا، ربما لاني لم اكن ارتدي بدلة، عللت لنفسي ذلك، ثم قلت لعل الاسماء تزاحمت في ذهنه فلم يعد يذكر استقبال داري الذي طالما زاحمني فيه على حساب راحتي وعملي وعائلتي، ربما….
لكن الحقيقة ليست هذه، ان السادة المسؤولين، كل السادة بلا استثناء، نوابا ووزراء، وكلاء ومدراء، درجات خاصة ومستشارون، انما انتفخت ذاتهم في زمن السيد صاحب الولاية الثالثة ومختار العصر، فباتوا كمن يرمق الاخرين من شرفة دار عالية لا يعرف حجم الناس الا بمقدار نظرته القاصرة بلا شك!!
لذلك، لا اريدهم معي في ساحة التحرير، لا ارغب ان اشاهد تلك الاقزام التي تزدريني مراجعا مسكينا ومواطنا خلقت لاكون في خدمتها، تلك الاقزام التي تنظر إلي من وراء نوافذ سياراتهم المضللة فتملئ اذاني بالهورنات لاني تجاوزت حين غفلة فلم أراعي قواعد السير في حضرة المسؤول، تلك الاقزام التي تسلم على المواطنين بطرف اصابعها وبعض كركرات الابوية الفاشية، تلك الاقزام التي باعت واشترت بديني وعرضي وامني وسعادتي ثمنا بخسا امتيازات معدودة..
هؤلاء لا يروق لهم ان يجلسوا على دكة الاحتياط، لن يتركوا الاصلاحات تمر مر الكرام، اعتادوا ان يكونوا مسؤولون، اعتادوا ان تنحني لهم رقاب الجياع، وتهرول خلفهم الحمايات وتستقبلهم الجموع حيثما ساروا باللواگة، اعتادوا ان تتملق في حضرتهم الاف الحسناوات، ان يسافروا حيثما شاءوا وكيفما شاءوا بصحبة من شاءوا، فهم لن يتركوا المناصب تلك الا بحمام من الدم.
قدمت ذلك القول منفعلا، وانا اطالع خبر الضجة التي قام بها الجليلان (هوشيار زيباري) و(باقر گبر صولاغ) في مجلس الوزراء، حين دعا رئيس الوزراء لتقليص الوزارات والمنافع وسط انباء استبدال البعض او محاسبتهم، هؤلاء السادة تنعموا منذ ان سقط صدام حسين بتلك الامتيازات، وتلك الفخفخات، من وزارة الى اخرى، حتى صار معرفة معارف معارفهم او حماياتهم منقبة يبحث عنها طالب الحاجة، ذلك فضلا عن ابنائهم وذويهم وسواهم، فهل يرتضون اليوم ان يخرجوا من “المولد بلا حمص” او قل بالحمص الذي حصلوا عليه، فالمال وحده لا يشبع غرور هؤلاء وغيرهم!! لقد انتقدوا المالكي وهم الاسوء منه بالتأكيد في حب السلطة والرغبة في التشبث بالكرسي..
لكني في الوقت ذاته فرح جدا، وانا اسمع خبرا عن منع المالكي من السفر، اووووووف دخيلك ربي وافترت عله المايخافونك، وخبرا اخر لحرق بيت بهاء الاعرجي، فاي رحمة هذه التي نعيش، اي تحول ذلك الذي عمله الگدعان..
اوووف ما الذي صنعته ساحة التحرير وسواها، لن اشاهد بعد اليوم ذلك الشاب بسيارته المضللة، لن يزعجني بمقدار الجل والدهون الموضوعة على شعره ولن يستثير صلعتي او قل شعري الخفيف مجاملة بعد الان…
سأنزل بقوة هذه الجمعة “باي باي نوري المالكي… باي باي نوري المالكي”