في الآونة الأخيرة لوحظ على الدكتور أيـــاد عـــلاوي، إنه حين تطرح عليه أسئلة حول الأوضاع العامة والشأن السياسي في العراق يستهل إجاباته دائماً بقسم (والله ما أعرف)، ورغم إن هذا القسم مفرداته واردة ومتداولة في اللهجة البغدادية الأصيلة، وترد على لسان كل عراقي، ربما أكثر من مئة مرة في اليوم الواحد، غير إن البعض يحاول أن يجعل تكرار هذا القسم مثلبة، يُلام عليها الدكتور عـــلاوي، لكونه سياسي مخضرم قدير، ورئيس وزراء أسبق، ونائب رئيس جمهورية سابق، وزعيم كتلة نيابية حالياً، ولا يليق به أن يستهل إجاباته على ما جرى ويجري من حوله في العراق بقسم (والله ما اعرف)، والبعض الآخر يتندر على تكرار هذا القسم، ويعتبره لازمة مجازية تتميز بها فقط أحاديث الدكتور عـــلاوي، وآخرين، وهم الأقرب للحقيقة، يعتقدون أن قسم الدكتور عـــلاوي، هو من حيث البعد والقصد والمعنى قريب من لازمة الفنان المرحوم جعفر السعدي (عجيب أمور غريب قضية).
إن كل ما حدث، ولا يزال يحدث، عن سابق إصرار وترصد أحزاب العملية التحاصصية من سفه سياسي وسوء إداء حكومي، وتخبط إداري، وهدر مالي، وإنهيار إقتصادي، وتدهور أمني، وتقاعس قضائي، وتعطيل البنى التحتية، وتغييب الخدمات، وإفتعال الازمات، وشرعنة الإنتهاكات، وتقنين الفساد وحمايته، شمل البشر والمجتر مع الشجر والحجر في العراق منذ 9/4/2003 وإلى يومنا هذا، هو من أعجب وأغرب منهجية إبادة جماعية ودمار شامل، تمارسها سلطة مع شعبها عرفتها الإنسانية عبر العصور.
هذا ليس كلام مُرسل، وإنما هي حقيقة أثبتتها التجربة، ويعبر عنها واقع الحال المفروض على الشعب العراقي، وأشارت إليها متوافقة جميع تقارير الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والشؤون الإجتماعية والأمنية والإقتصادية والمالية والقانونية والتعليم والبيئة، وهي نتيجة طبيعية لبراغماتية دستور أعرج، صاغته أحزاب فئوية متخلفة، وعقم إجتهادات رؤساء كتل نيابية متحاصصة، وعجز قضاء مُسيس أصلاً.
كُل مفصل من مفاصل الحياة في العراق اليوم، يُدار ويعالج بآليات ما أنزل الله بها من سلطان، فبالإضافة إلى إنها آليات تتقاطع جملة ً وتفصيلاً مع المصالح والثوابت والمسلمات الوطنية، فهي خارج سياقات العقل والمنطق، وأبعد من حدود التصور والخيال، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى.
لذلك لا يمكن لأحد على وجه البسيطة، مهما كانت خبرته وقابليته على الإستقراء والتحليل والتوقع، أن يتبين ما تكسب وتواجه نفساً غداً بالعراق، وبأي زقاق تُختطف وتُبتز، وبأي محافظة تُغدر وتموت.
حتى السيد رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، الذي يُفترض به أن يكون صاحب القرار الأول والأخير، ومُطلّع على كل صغيرة وكبيرة في البلد، في تصريح مُتلفز له، قال أن حكومته لا تستطيع التمييز بين الإرهاب وعمليات الخطف المشرعن، وفي تصريح آخر له، يسأل مواطنيه عن كيفية تجاوز الفصائل الحزبية المسلحة المئة فصيل، وكذلك تحرير محافظة نينوى، فهو لا يستطيع تحديد التشكيلات التي ستشارك في عمليات تحريرها، بدون توجيهات التحالف الدولي، ولا يعلم ما سيئول إليه حال المحافظة بعد تحريرها.
إذن … عندما يقسم الرجل (والله ما أعرف)، فهو واضح وصادق وصريح، شانه في ذلك شأن كُل المُبعدين والمُهمشين من ذوي الوعي السياسي والخبرة المهنية والكفاءة العلمية من أبناء الشعب العراقي.