حقد دفين وحسد كبير توارثوه نسلاً عن نسل وجيل عن جيل على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم السلام سيراً على نهج أمية وسفيان وتبعاً لصناع قرار “السقيفة” وانصياعاً لفتاوى وعاظ سلاطينهم وشياطينهم وبلغ بهم المطاف انهم أضحوا لم يتحملوا حتى قبب المساجد التي فيها مرقد خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته وأصحابه الميامين البررة، ومراقد أهل بيته الأطهار وأصحابه المنتجبين الميامين الأخيار فأستهدفوها دون استثناء هنا وهناك .
عادت صورة بنو أمية الطلقاء في زمننا هذا لتروي لنا مأساة سبايا فاجعة كربلاء بأرض الطف (61 للهجرة المصادف 680 ميلادي) من جديد بعد مضي حوالي أربعة عشر قرناً، لتؤكد من جديد أن أبناء وأحفاد وأتباع صاحبة الراية الحمراء والوارثين لها بكل كفرها وفسقها وفجورها ونفاقها، يسيرون على خطا سالفيهم الحاقدين الناكثين القاسطين المارقين بل أشد حقداً وحسداً وبغضاً مما قالت عنهم عقيلة بني هاشم زينب الكبرى سلام الله عليها آنذاك “وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والإحن والأضغان” .
صعد صناع قرار الفتنة الطائفية من جديد نارها ويصبوا الزيت على لهيبها ويفتون بتقطيع أوصال الأبرياء وأكل أكبادهم كما فعلت من قبل أمهم “هند” بحمزة سيد الشهداء في معركة “أحد” ويتبجحون بأمتثالها ويتباهون بين الناس بسلك نهجها العاهري بفتوى “جهاد المناكحة” و”تهديم قبور الأولياء” فاستهدفوا ضريح السيدة سكينة بنت الامام الحسين (ع) في منطقة داريا ومن ثم عبثوا بالقبر الطاهر للصحابي الجليل “حجر بن عدي الكندي” في منطقة عدرا بريف دمشق وقبر النبي زكريا (ع) في مدينة حلب، وغيرها من القبور الطاهرة الاخرى .
كما استهدفوا بحقد أميتهم ومروانيتهم وسقيفتهم المرقد الطاهر لحفيدة رسول رب العالمين المصطفى محمد (ص) زينب بنت الامام علي أمير المؤمنين (ع) ذلك المزار بغوطة دمشق الذي رفرفت فوقه ملائكة السلام والطمأنينة زمناً طويلاً وهي راعية الشام وأمنه، وتوعدوا غربان الشر حاملين أحقادها ليبشروا بالخراب والدمار وارتكاب الآثام وثلم الدين وإيقاظ الفتنة! وهددت وعاهدت عبر بعض قنوات الفتنة في أكثر من مناسبة على إزالة مقامها الشريف بعد أن زجوا بها في حرب لا ناقة لها بها ولا جمل! فعدٌوها حليفة للنظام السوري وكتبوا على جدران مقامها المبارك عبارة “سترحلين مع النظام” وتوعدوا بإزالة قبرها مع زواله رغم من وجودها قبل هذا النظام بقرون طويلة!.
لكن أضحت عاقبتهم كما خاطبت به بطلة كربلاء زينب بن الامام علي أمير المؤمنين (ع) طاغية بني أمية في مجلسه بالشام عندما دخلت وسائر أهل بيتها سبايا عليه.. ” أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء، فاصبحنا نساق كما تساق الأسراء ـ ان بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة، وان ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، وتنفض مذوريك مرحاً، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، وفمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين”.
رغم كل ذلك فبطلة كربلاء التي تشكّل ملجأً للملايين من المسلمين من مختلف الطوائف ومن غير المسلمين الذين شكلوا على طول التأريخ ويشكلون اليوم وغداً ثقافة ومحو المقاومة ضد الظلم، تحمي نفسها بنفسها وستبقى كلمات زينب بنت الامام علي أمير المؤمنين (ع) في محضر “يزيد” تتردد ويتردد صداها على مدى الأزمان والدهور عالياً :”ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى.الا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما، لنجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد، والى الله المشتكى وعليه المعول. فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين”.
ستبقى عقيلة الطالبين جبل الصبر زينب الكبرى بنت الامام علي أمير المؤمنين عليهما السلام المنار الشامخ، والنبراس الصادح، والشمس المنيرة، والمدافعة الشامخة عن سلام وأمن واستقرار بلاد الشام رغم كيد الظالمين والمنحطين والمنحرفين؛ وملجأً وملاذاً أمنا لسكانها وعشاق أهل بيت النبوة والإمامة والطهارة سلام الله عليهم أجمعين؛ وراية صادح لعنان السماء تنير درب المقاومين والأحرار والشرفاء في كل بقاع العالم، وهي التي وقفت بوجه أعتى طواغيت بني أمية الطلقاء واسقطته هيبته وشموخه وسحقت غروره وجبروته بنعليها أمام مرآى ومسمع حاشيته، لتبقى خطبتها الغراء في ذلك المجلس الإجرامي يصدح على طول التاريخ يظهر للإنسانية جمعاء كيف هي مدرسة أهل بيت خاتم المرسلين حبيب رب العالمين ووصيه يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين.