23 ديسمبر، 2024 10:24 ص

هناك على تخوم القرية الطينية ، والتي تحتضن النهر ، كأنه وسادة تمتد عليها جدائل القرية البسيطة والطيبون من أهلها !
وعند اطرافها مدرسة أبتدائية ، من بعض صفوف الطين سقوفها م̷ـــِْن قش وبردي وبابها الصغير م̷ـــِْن خشب ، والجرس الذي ينبه الطلاب قطعة حديد صغير يضربها الطالب عند بلوغ الوقت ، وللناظر من بعيد تبدو على هيئة ساجد منكسر !
كانت ملاذ القرية ، ومصدر معارفها ، ياتي أليها في الصباح الباكر التلاميذ من كافة القرى البعيدة على الحمير ونادرا الخيل لبعضهم ، أفرادا وجماعات على طول سدة ترابية تمتد بجانب النهر الأزرق ماؤه والهادئة أمواجه !
وكان والد أحد التلاميذ فقير الحال بل معدم أرسل أبنه الصغير الوسيم ذي الثياب الرثة الفقيرة ، ولكن وسامته وبرائته غطت على رخص ثيابه !
كان مستوى التعليم جيد جدا ومنضبط ، فهم أساتذة كبار وأكفاء أخلصوا في تعليم أبناء القرية وزقوا لهم المعارف ومكارم الأخلاق وحب العلم ، وعشق المطالعة والكتابة ، لدرجة جعلوها عادة في طبائع التلاميذ !
ولكن في مرحلة الصف الثالت الأبتدائي ، قرر اﻻب الطيب الهجرة الى المدينه  وكان قرارا خاطئا لم يدرسه الأب البسيط ، وأخذ أعلام م̷ـــِْن رحلوا لبغداد العاصمة مؤثرا عليه !
وصل الأب بعائلته الفقيرة والتي يعاني أبنائها  من كثرة الأمراض ، مما شكل عبئا ماديا كبيرا سبب الكثير م̷ـــِْن الأرباك لذاك التلميذ المتميز في دراسته الأبتدائية ، لتضغط متطلبات العاصمة ولقمة العائلة على الطالب ما جعله يعمل ويدرس في آن واحد ، وأستمر الحال هذا حتى ذهابه الى الخدمة العسكرية ، وهي منعطف خطير للقضاء على بعض من تحصيل أي دراس ، أن قدر له الحياة من الحروب التي كان يخوضها البلد !
ولم يعرف ذلك التلميذ والطالب فيما بعد أنه يمتهن بالفطرة الكتابة بطريقة وجدانية طالما سالت معها الدموع منتقلا من واقعه المرير ليعيش الوصف والحالة التي تفرضها كتاباته  المتنوعه بين المقال والقصة والخاطرة !
فلم يستطع أكمال طريقه ليسكب تلك الموهبة بقارورة العلم وقوالب المعرفة التي تهذب وتشذب ما تخرجه ثناياه من تحت نيران الأضلع !
وهذا حال الكثير ممن أخرجتهم الحياة القاسية والحكومات الفاسدة والظالمة والعميلة لهذا اليوم وهي تزيد للفقراء الطين بله ويكفيك نظرة واحدة للأشارات الضوئية لتحكم على الجيل بعد عشرة سنوات أخرجوهم من سدة الوصول بعد قطع شريان العلم الذي لو أستمر لتغير القلم والحرف والكلمة ، والفقر والعوز والحرمان ضحاياه شاعر وقاص ومبدع وطبيب أو كل ما من شأنه أن ينقذ نفسه ويسعدها بالعلم ويمد يديه لأسرته ومجتمعه المحتاج لأبنائه المتعلمين الواعين المدركين ، أضافة للفقر الذي يفتح أبواب الشيطان لمجتمع يفقد. سلاح أبنائه ببندقية العلم وطلقات المعرفة !!!